الحديث عن (عاصفة الحزم) يقود لتشعّبات و دوائر عديدة تتقاطع كلّها و تتكثر حولها التحليلات و تتعدّد الآراء فمنها ما ييمّم شطر السياسة الدوليّة و أجندتها المعلنة و الخفيّة ومنها ما ينظر إليها في إطارها الإقليمي وطموحات بعض دوله في التمدّد على حساب دول مجاورة أخري و آخر يراها فعلاً عنيفاً لإحتقان داخليّ يعبّر عن نفسه خارجيّاً. وأيّاً كان الأمر فإنّه لم يكن للمملكة العربيّة السعوديّة من مناص غير خوض غمار هذه الحرب اللعينة كأفضل الخيارات المتاحة على سؤها جميعاً ولم يكن بالمقدور الإنتظار كالأبله حتّى تحين ساعة قطافها بهجوم مباشر إيرانيّ بواجهة حوثيّة. فالطموح الإيراني في التمدّد على حساب جيرانه معلنٌ ولا يحتاج إلى دليل وقد عبّر عن ذلك قائد الحوثيين في بداية إجتياحهم صنعاء في خطابٍ له شهده العالم قال فيه إنّ سقفهم "عالٍ بل عالٍ جدّا" ممّا يؤشّر إلى أنّ الإمبراطوريّة الفارسيّة لم تعد خبراً يقرأ على صفحات كتب التاريخ و لكنّه أصبح يتجسّد للتوّ أمام الجميع. ولكن ماذا عن إسرائيل؟ أليست هي أولى بالمواجهة؟ صحيح القول إنّ خطر إيران داهم و حاضر وفي أغلظ صورة وحقيقة الأمر أنّ السعوديّة الآن تستبق المعركة و تبادر بالهجوم الذي لا محالة واقع عليها إن هي لم تفعل. هذه المبادأة بالحرب أربكت المخطّط الفارسيّ إن لم تكن قد وضعت نهايةً لتك الأطماع. إنّ مساعدة الشعب اليمني لإسترداد حقّه و سيادته هو مصدر شرعيّة هذه الحرب مع إنّه يأتي في المقام الثاني كمكسب إضافي من منجزات هذه الحرب إذ أنّ مناصرة شعب كسرت شوكته دولة معتديّة أخري واجب على المجتمع الدولي كلّه. فيما يخصّ موقف النظام الحاكم في السودان من هذه الحرب وإنحيازه المعلن لجانب المملكة السعوديّة فإنّ ذلك لم يكن خياراً بلّ "مرغمٌ أخاك لا بطل" فهي إمّا المشاركة أو مواجهة العواقب بعد إنتهاء الحرب و التي منها مساندة المعارضة و فتح جميع الأبواب لها وحينها سوف لن تجدي معه التدخّلات للبعد الجغرافي والنفسي الذي يفصل إيران الفارسيّة عن السودان المؤيّد ساعتها بالموقف العربي المتضامن مع الشعب الفضل الذي سينشأ نتيجةً لهذه الحرب. موقف حكومة الإخوان المسلمين فرع السودان فيه الكثير من القراءة الصحيحة و الكثير من النفاق أيضاً. ففيه يتجلّى بوضوح سوم أصدقاء الأمس و بيعهم بثمن بخسٍ بشرط أن يكون هناك حزمٌ و تصميمٌ واضحين و مراقبة لصيقة لسلوك النظام من قبل التحالف. من غير المرجّح أن يقوم النظام بالغدر بأصدقاء اليوم أعداء الأمس كما فعل ذلك سابقاً و سوف يكتفي فقط بممارسة التقيّة بناءاً على مشورة من نظام ولايّة الفقيه في إيران كما إنّه من المستبعد أن يتلقّى عطيّة مزيّن إذ أنّ السعوديّة ليست في حاجة إلى أن تدفع نظير التوالي معها فهو أي النظام لا يكاد يصدّق أن دعي للمشاركة بل تراه متحمّساً للحرب حتّى صار ملكاً أكثر من الملك في محاولة بائسة من أجل الحصول على شهادة حسن سير و سلوك تؤهّل للعودة لكنف المجتمع الدولي. الموقف الأمريكي يصعب التكهّن به ولكن يمكن القول بأن السعوديّة ربّما صارحت بحقيقة أنّ الأمر هذه المرّة ليس بالحرش بل دخل في اللحم الحيّ وهدّد وجودها وأنّه لا خيار سوى الحرب وان تكون قد تفهّمت ذلك أمريكا حفاظاً على مصلحتها في الوقت الراهن ريثما تعيد الأمور إلى الخطّ المرسوم و الدخول في بيت الطاعة مجدّداً. أمّا في حال أن نجحت السعوديّة ومعها بقيّة الدول المتحالفة في كسب هذه الحرب فسوف يؤسّس هذا لعلاقات دوليّة جديدة فيها الكثير من المكاسب للمنطقة العربيّة و يؤهّل للدخول كلاعب أساسيّ إقليميّ يصعب تخطّيه [email protected]