قبل سنوات شهد اجتماع مجلس الأساتذة بجامعة مشهورة نقاشا ساخنا وصاخبا.. موضوع النقاش كان سحب درجة الدكتوراه الفخرية التي منحت للعقيد القذافي، وقتما كان قائدا أمميا.. في النهاية تمت إجازة سحب الدرجة الفخرية من العقيد معمر الذي أصبح يحمل اسم الرئيس المخلوع. أمس كنت اقلب إحدى الصحف ووجدت تهنئة بحجم صفحة كاملة إلى رئيس مجلس إدارة بنك التضامن، الذي منحته جامعة دنقلا الدكتوراه الفخرية.. الإعلان تحت وقع عبارة اشتري واحدة والثانية مجانا كان يقدم التهنئة بصورة مغلفة إلى نائب رئيس الجمهورية الفريق بكري حسن صالح، الذي جاء اسمه مسبوقا بكلمة دكتور لأول مرة.. وقبل أسابيع كانت جامعة السودان تكرم وزيرا نافذا بدكتوراه فخرية. من الآن استطيع أن انتخب القائمة الجديدة لحملة دكتوراه العام القادم.. بعض أهل الشرف الأكاديمي الجدد سيكونوا من أهل السلطان الذين يجمعون بين السلطة والثروة.. كل جامعة ولائية ستختار ممثلها في المركز لتنعم عليه باللقب الأكاديمي.. من بعد هؤلاء سيتم اختيار أهل المال.. هنا المنطق واضح.. التبرع بعد منح الدرجة الفخرية.. طائفة أخرى من نجوم الفن سيتم تكريمهم بدرجة اقل وهي درجة الماجستير الفخرية. هنا اغلب الظن أن الجامعة الوليدة تريد أن تكرم نفسها عندما تكرم نجما له جمهور واسع. الغريب في الأمر أن بعض حملة الدكتوراه الفخرية يصرون على استخدامها إعلاميا.. بل إن بعضهم ربما يغضب أن خوطب دون اللقب الفخري.. الشهادات الفخرية في الأصل تمنح لمن قدم جهدا للمجتمع باتفاق الناس.. الذين لا يصدقون يتمسكون باللقب الفخري.. نسيت أن أحدثكم عن آخرين من كبارنا.. هؤلاء يبتسمون حينما يتم مناداتهم بلقب يا دكتور، والحقيقة أنهم لا يحملون اللقب بل إن بعضهم بالكاد أكمل الدراسة الجامعية. وجه آخر غير مقبول يأتي من الأكاديميين الذين تفرغوا للسياسة.. هؤلاء تركوا كل شيء في ميدان البحث العلمي واحتفظوا بالألقاب الأكاديمية.. غضب أحد هؤلاء ذات يوم حينما قدم في المنصة باعتباره دكتورا.. احتج ذاك الرجل وقال من باب الأمانة العلمية أنا بروفيسور.. بل بعضهم يصر على استخدام اللقب الثلاثي مثل لواء دكتور مهندس فلان الفلاني. حاولت أن أقارن بين ساستنا ودرجاتهم الأصلية والفخرية وآخرين.. مثلا الآنسة كونداليسا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد بوش رغم أنها بروفيسور في جامعة استافورد، ولكنها لم تستخدم لقبها العلمي أبدا.. الرئيس الأمريكي باراك أوباما عمل أستاذا للقانون الدستوري بجامعة شيكاغو، ولم اسمع أحدهم يخاطبه ب (بروفيسور أوباما). بصراحة.. هذه الفوضى تحتاج إلى ضبط.. بلادنا تتجه إلى كارثة علمية.. الدرجات العلمية نالها رجال ثابروا واجتهدوا ومكانها الجامعات والمؤسسات البحثية.. التيار