مجاراة تيارات المعارضة من حيث هي معارضة دون حدود ودون التبصر والتمعن العميق هو إشكال وخلط كبير يقع فيه الكثيرون. إن الفارق والفيصل بين المعارضين وخونة الوطن يصعُب إستنباطه في زخم السير مع الجماعة والهتاف معهم وفي وسطهم. إن من غرائب الأمور الخلط بين الفئتين أوالجمع بينهما في تيار واحد أو في عمل مشترك. فالأول هدفه الإصلاح والتعمير والتغيير والتطلع نحو الأفضل دون المساس بالثوابت. هذه الثوابت التي لا يمكن لأي مواطن أن يتجاهلها أو أن يتجاوزها وأهمها المحافظة على الوطن وصون أراضيه وحفظ أمن وسلامة مواطنيه وإرساء دعائم الإستقرار. هذه هي المبادئ التي يجب أن يتبناها كل وطني مخلص غيور ومحب لبلاده أينما كان موقعه. في الجانب الآخر فالخونة لا يكترثون لمبدأ أو يقفون عند أيٍ من الحدود ولا يتوارون أو يترددون في فعل فعلٍ يمكنهم عن طريقه الوصول لأهدافهم. من هذا المنطلق فإن ما يحدث الآن من نزاعات ويستغل من الكثيرين الذين يتجاهلون هذه الثوابت ويطلقون العنان لأهوائهم وأجندتهم والتي ينبع غالبيتها من أمنيات تتعارض مع المذكور آنفاً من الثوابت ونابعةرأيضا من المعاناة ومن ترسبات وآلآم ومواجع تراكمت عبر الأزمان وهي مفهومة ومعلومة بأحزانها ومآسيها الحقيقية والمنطقية ولكن و للأسف هناك الكثيرون ممن طغت فيه الروح العدائية والرغبة الإنتقامية عن كل منطقٍ و مبدأٍ وتضرب بعرض الحائط على كل الثوابت القومية والوطنية. إنه حقا لا إشكال كبير وتشابك للخيوط يستوجب علينا تداركه فالأجدر بنا أن يحسم كل مواطن مبدأ الثوابت والأيمان بفكرة التعايش السلمي المشترك في وطن واحد يسع الجميع. ونعتبر أن كل توجه لا ينصب في هذا الإتجاه سوف يجرف تلقائياً نحو الأجندة الأخرى والتي تهدف إلى تمزيق الوطن وتزرع الفتنة والشتات بين أبناءه. فإن كانت الثوابت محفوظة في ظل الوطن الواحد ويعمل الجميع لتقويم الأوضاع الحالية والمستقبلية - والقضية هنا ليست النظام الحاكم الآن فحسب وإنما أعمق من ذلك بكثير وأعني بذلك التوجه الوطني القومي - فهذا مقبول حسن وأما ما وراء ذلك من لا يعير إهتماماً بتلك الثوابت فلا جدوى من شكيته وما من مسمع لمناداته طالما انتهج مسلكا منافياً للمبادئ الوطنية. نجد الكثيرون وبحجة معارضتهم للنظام الحاكم ينجرفون ويناصرون أعداء الوطن من المتآمرين علي وحدته ونسيجه الأجتماعي ومؤججي لهيب الفتن ، مروجي الخطابات العرقية والجهوية. فهم يودون جر الكثيرين وراءهم عفويا إلى الإنزلاق في هذه الهوة والخطأ الكبير. وحجتهم في ذلك إذا حاورتهم يحآجوك بمساوئ النظام وجرائمه وبشاعة ممارساته. فلذلك من واجبك أن تكون في صفهم وإلا فإنك مع النظام أو أحد عملائه. بل يمكنك أن تسمع وصفهم لك وآتهامك بالعنصرية ومن الذين يمارسون التمييز. ياله من منطق غريب صِيغ بإتقانٍ يخدم مبتغى مُصدّريه. ونقول بالصوت العالي نحن لا نخون الوطن ولن نتآمر عليه ولن نفرَط في أرضه ولن نرضى بسفك دماء ابناءه من أية طرف كانٍ وبأية حجة كانت ولن نسمح بضياع أبناء السودان في صراع السياسيين الطامعين والعابثين المفرطين في أرضه وثرواته. والمرخصين لأرواح بنيه والمتهاونين في كرامة شعبه المتعالين على خلق الله فيه والذين يستميلون أهله بشعارات جوفاء لإستخدامهم في تحقيق مطامعهم وأحلامهم. كذلك نناصر ونقف مع من لهم مطالب مشروعة ولكن شتان ما بين المطالب المشروعة وبين المرامي والأهداف الغامضة المشبوهة المشكوك في أمرها!! فالوطنية الحقة لها دروبها وأسسها وتطبيقاتها وهي واجب على الجميع كل طرف من جانبه بلا زيفٍ أو تنصل أو كسب للوقت الثمين الذي ضاعت منه العشرات من السنين تاهت فيه آمال الأمة وتدهور حالها ونشبت حروبها حتى صارت محلٌ لسخرية الأمم وأضحى الوطن عبارة عن بؤرة من الفشل ليسري اليأس ويسمع الأنين بين أطياف أهله في كل ربوعه الواسعة. فيا أخوتي إن كان زعمنا بأن النظام الحاكم خائنٌ للوطن ومفرِط في أرضهِ ومستبيح لدماء أبناءه وناهب لثرواته ومستبدٌ الخ.. نقول أن لكل خائنٌ ربٌ وقصاص وأجل ولكن لن يكون ذلك ذريعةٌ لكي نحذو حذوهم ونسير على نهجهم والأقتصاص لحق الوطن منهم بنفس أسلوبهم بأن نكون أخون الخونة وأسياد المتآمرين فالضحية هنا هي الوطن أولاً وأخير اً. وبذلك نكون قد إفتقدنا للثوابت التي يجب أن تكون راسخة والعيون الشاهدة والميزان المراقب بالقسط. إن من بيدهم السلطة أيضاً يرون أن معارضيهم وحاملي السلاح هم خونة للوطن لأن السلطة الحاكمة هي الوطن وفق إفتراض رموزها وأجهزتها. مع إدراكنا أن الأكثرية هم من محبي الوطن. ونحن نعتبر أن كل مقصِّر في حق الوطن أو ناهب لثرواته أو خازل لطموحات شعبه أو مهلك لأبناءه ومدخراته فهو أيضا خائن للوطن. وهناك من يقول بأن المواطن الفاسد الفاشل آكل السحت ممارس الغش التجاري والصناعي وما على شاكلة ذلك من الأمثلة هو أيضا خائن لوطنه ودينه ولخلق الله في الأرض. إن للخيانة مراتب ودرجات فمنهم من هو خائن لوطنه أو لأمته أو لجماعته أو خائن لسياسة وتوجهات سادته أو خائن لإخوته أو زملائه بل أحياناً خائن لنفسهُ ومبادئه وفطرته السليمة المعافاة. للأسف ما أكثر الخونة اليوم ولأي مدى تعاظمت خيانتهم وبإكتساحهم وتأثيرهم على المتبقي من الطيبين من الناس تفاقمت قضايا الوطن بل تهدد بزواله وتفتيته. نعتبر إن المغالاة في الشرور تنسف وتعصف بكل توافق مرجو يقول المثل " من خاف شرِّك أفسد أمرك" وإن من ضروب الخيانة و المكر ما يمكن أن تزول منه الجبال قال تعالى (وعِند اللهِ مَكرهُم وإن كان مكَرهُم لتَزولَ مِنهُ الجِبالُ) إن من مكايد الخونة وتطلعاتهم أن يخون غيرهم وأن ينتمي الكل لمعسكرهم حتي لا يتعالى أو يتشدق أحدهم على أحد أو يتميز عنهم بشئ فهي كتشاكس الفاسد والصالح ، والمدمن والسوي والفاشل والناجح ، فالفاشل والمدمن اوالفاسد بعفويته وإعتقاده الخاطئ بصواب نهجه يرغب في أن يجر الآخر لكنفه. وكل مما على شاكلة ذلك يندرج في معترك الصراع الكوني الأبدي بين الخير والشر وأيضاً في الفرق بين إتباع محبي الدنيا وزينتها - من أموال وبنين وسلطة دون الأكتراث لأي من المعايير الدينية والوطنية والأخلاقية وحقوق الآخرين وهؤلاء هم عبدة الشياطين وخدامهم - وبين عباد الله المخلصين. فالسواء هو السواء لا إعوجاج فيه ولازيف ولا إفك يخالجه. فالنتحسس طريق النجاة ونكف عن القتال المغرض والشرور والإعتدآت من جميع الأطراف والإلتقاء في محورية حب الوطن ونتفق على كلمةِ سواء ونتحد لنفوت الفرصة عن أعداء الوطن فلا يستثمر الخائن خيانة الآخر ويتمادى في خيانته. فأين هم مخلصي الوطن الحياديين المجردين من المطامع والنزوات والمناضلين الساعين لتحقيق العدل والحريات وحفظ حقوق الجميع والعازمين على رفعته وعلو شأنه؟ فليبرزوا لنرى صنعهم والمجد كل المجد لمن ساهم في رفعة الوطن والخزي والعار لمنكِّسي راياتهِ وإن طالت عماماتهم. هذا هو رسمنا بالرغم من أنه شائك ومعقد لا نكاد نفرِّق فيه بين الصالح والطالح إلا أنه أضحى يشكِل التحدي الكبير والطريق المنير وإن كان المضي فيه جد عسير ونقتدي في ذلك بقوله تعالى (فأستقِم كما أمِرت ولا تَطغوا إنهُ بما تعملون بصير) وقال جل جلاله (فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفعُ الناسَ فيمكثٌ في الأرضِ). صدق الله العظيم خالد حسن [email protected]