مدخل : يقول جين شارب في كتابه من الديكتاتورية إلى الديمقراطية : ﻫﻨﺎﻟﻚ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺶ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﻘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺤﻠﻲ أﻭ ﺍﻷﺟﻨﺒﻲ ﻣﻨﺬ ﻋﺸﺮﺍﺕ ﺑﻞ ﻣﺌﺎﺕ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ .. ﻭﻏﺎﻟﺒﺎ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺨﻨﻮﻉ إلى ﺭﻣﻮﺯ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﻭﺍﻟﺤﻜﺎﻡ ﺩﻭﻥ ﻣﺴﺎﺋﻠﺔ ﻗﺪ ﻏﺮﺱ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﻫﻦ .. ﻓﻔﻲ أﻛﺜﺮ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ ﺗﻄﺮﻓﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺣﺘﻰ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻗﺪ أﺿﻌﻔﺖ ﻋﻤﺪﺍ أﻭ ﺣﻮﻟﺖ إﻟﻰ ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ ﺗﺎﺑﻌﺔ أﻭ ﻗﺪ أﺳﺘﺒﺪﻟﺖ ﺑﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺻﺎﺭﻣﺔ ﺗﺴﺘﺨﺪﻡ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ أﻭ ﺍﻟﺤﺰﺏ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻟﻠﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﻴﻦ ﻗﺪ ﺷﺘﺘﻮﺍ ﻟﺪﺭﺟﺔ أﻧﻬﻢ أﺻﺒﺤﻮﺍ ﻛﺘﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﻤﻌﺰﻭﻟﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮﻥ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻣﻌﺎ ﻟﻨﻴﻞ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﺍﻭ ﻧﻴﻞ ﺛﻘﺔ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺍﻭ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺭﺓ ﺑﺎﻱ ﺷﻲﺀ مشترك . . 14 أبريل 1992م يمثل ﺫﻛﺮﻯ ﺇﺣﺪﻯ ﺣﻤﻼﺕ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﻝ ﺍﻟﻌﺸﻮﺍﺋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺎﺭﺳﻬﺎ ﻭﻳﻤﺎﺭﺳﻬﺎ النظام اﻷرتري على شعبه فبدلا من أن يهبه نعمة نيل اﻹستقلال بعد نضال دام ﻷكثر من ثلاثة عقود من الزمان قدم فيها الشعب اﻷرتري أنموذج ثوري للشعوب التي تعشق الحرية وترفض اﻹستعباد و غطرسات المستعمرين المغتصبين .. ثورة أطلق شرارتها القائد الملهم الفذ حامد عواتي لتلحق بها كافة أطياف وفئات اﻷرتريين شيبا وشبابا ، رجالا ونساءا بكل ثقافاتهم و معتقداتهم ، ثورة بقوتها أجبرت دولا عديدة للوقوف خلفها ، ثورة إلتحق بها أحرار من خارج أرتريا ونالوا شرف القتال وبعضهم اﻹستشهاد فيها وبعضهم مشاركتها من البعد باﻷدبيات فامتد أثرها إلى كوبا و فنزويلا و السودان و العراق وسوريا و السعودية و قطر و الصين و مصر واليمن ... إلخ النمازج ، تضحيات ثورية كتب عنها أدباء ومفكرين وتغنى لها مغنيين يعشقون الحرية ، قد لا تربطهم صلة قربى أو دم او جوار فمنهم من ينتمون لخارج قارة أفريقيا . كل هذه التضحيات والآمال التي رسمت لميلاد دولة مستقلة تسودها العدالة والديمقراطية وتعمها التنمية في كافة ربوعها تحطمت بعد أشهر قليلة حيث بدأ أسياس أفورقي ورفقته يكشرون عن أنيابهم ضد من ضحوا ﻷجل بلدهم و منهم عشرات المئات ممن صنعوا معهم نهاية الكفاح من الذين ينتمون لمنظومتهم العسكرية والسياسية فأكدوا صحة أن الثورة تأكل بنيها فكانت البداية بمن حولهم ثم إتجهوا في التأريخ أعلاه للقيام بحملات إعتقالات تعسفية واسعة قادت أعداد كبيرة من اﻷرتريين إلى السجون السرية التي يجهلها عامة الشعب فشكلت رعبا في نفوس المواطنيين . فقد تميزت أرتريا ما بعد اﻹستقلال بإنتشار بطش اﻷيادي الظلامية من خلال اﻹغتيالات التي لم تقف عند دولتهم بل لحقت المخالفين لرأيهم لداخل العمق السوداني وتعمقت لعمق العاصمة السودانية الخرطوم و و لايات الشرق الثلاث فكثير منها كان بمؤامرة مشتركة من بعض رموز نظام اﻹنقاذ الذين يرون ضرورة أن لا تتاح الفرصة لمسلمي ارتريا من حكمها بحجة أن ذلك يضمن اﻷمن القومي السوداني وذات الحال كانت التصفيات متمددة لعمق الجارة أثيوبيا و استمرت معها غزارة اﻹعتقالات السياسية التي شملت السياسيين و رجال الدين و القبائل و اﻷعيان و رموز الفن والثقافة و عامية الجماهير ولم تستثني العنصر اﻷنثوي من إلحاقهن بغياهب المعتقلات السرية . يحكم نظام الجبهة الشعبية أرتريا منذ اﻹستقلال والغريب في اﻷمر أن النظام يربط إسم جبهته بالعدالة والديمقراطية حيث كان حري ان يرتبط بها كلمات مثل للدم والظلم و القمع و اﻹكراه وتشريد الشعب لاجئين في الجوار و أقاصي العالم فالعدالة أشرف من مثل كل اﻷنظمة التي تشبه نظام أفورقي و الديمقراطية أنزه من أخلاق وسلوكيات كل الديكتاتوريين. إن الهاجس القمعي والتصفوي الذي يمارسه أفورقي و أعوانه على أبناء وبنات شعبه هو إستمرار لعصور الظلام التي شهدها العالم و حكى التأريخ عن قباحتها في تلك اﻷزمنة البعيدة والعقود القريبة الماضية فاﻹنكسار العميق الذي أصاب نفوس الشعب اﻷرتري بعد اﻹستقلال كان اﻷرحم إليهم أن يكونوا مستعمرين فظلم ﺫﻭﻱ ﺍﻟﻘﺮﺑﻰ ﺃﺷﺪ ﻣﻀﺎﺿﺔ *** ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻣﻦ ﻭﻗﻊ ﺍﻟﺤﺴﺎﻡ ﺍﻟﻤﻬﻨّﺪ . إن قضية المعتقلين الخالدين لسنوات طوال تبقى في أعناق كل اﻷرتريين و معهم كل أصحاب الضمير و الوعي اﻹنساني من كافة شعوب العالم الذين يرفضون الظلم والعبودية و ينشدون العدالة و الحرية والمساواة ﻷنفسهم و لغيرهم و فوق كل هؤلاء تقع مسئولية أكبر و متخصصة للأحزاب السياسية اﻷرترية رغم قبوعها الخالد في بركة الخمول و الفشل في كسر الصمت و تصعيد القضية فالتأريخ ما زال يدون تأريخا غير مرضي منها كقوى معارضة تجاه معاناة شعبها فليكن لهم موقف يعيد بارقة اﻷمل في نفوس الجماهير أن الغد قادم بدلا من استعراض ذكريات تأريخ رجال صدقوا في عهود مضت من تأريخ النضال اﻷرتري صنعوا اﻷحداث حين تطلب ذلك الوقت تسجيل مواقف دون تفكير بمن سيقف معهم فأصنعوا أحداثكم فذكريات التأريخ تكون إلهام لكنها لا تمسح دموع الحزانى والمحرومين . و أتذكر هنا مقولة أهديها لكم تقول : ( إﻥ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺍﻟﺸﺎﺋﻊ ﻻ تأتي ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻣﺠﺎﻧﺎ ﻫﻮ ﻗﻮﻝ ﺻﺤﻴﺢ .. ﺣﻴﺚ ﺍﻧﻪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻗﻮﺓ ﺧﺎﺭﺟﻴﺔ ﺗﻤﻨﺢ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻟﻤﻀﻄﻬﺪﺓ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻄﻤﺢ ﺍﻟﻴﻬﺎ ﻭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻥ ﻳﺘﻌﻠﻤﻮﺍ ﻛﻴﻒ ﻳﺤﺼﻠﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ ﻭ ﻫﺬﺍ ﻟﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﺳﻬﻼ ). حملات اﻹعتقالات السياسية ترتبط بشكل مباشر باﻷنظمة الديكتاتورية التي تسعى دائما وراء إحتكار السلطة لنفسها دون إشراك باقي اﻷطراف المعارضة ، وبالتالي عزلها عن الساحة السياسية و الاجتماعية عن طريق اﻹعتقال والزج بالأحرار والشرفاء في السجون و هذا ما مارسه أسياس على خصومه والرافضين لسياساته حتى جعلهم لاجئين معارضين من الخارج فعجزوا حتى عن إحداث أي حراك جماهيري مدني داخلي بل الفشل في تقصي حقائق الوضع في الداخل وما حادثة نبأ موت افورقي ببعيدة كشفت عن مدى ضعف المعارضة في كسر المعلومة من الداخل فبسبب تفرقهم وتشتتهم لقبائل و مناطقيات ومعتقدات قدمتهم كثيرا لوراء الوراء بعد أن أفقدتهم الثقة في ما بينهم للدخول في عمل ثوري حقيقي يخلص الشعب من واقعه المؤلم فهو شعب لا يتسحق هذه المعاناة المحزنة . إن كل تلك الممارسات الشنيعة التي نفذها وينفذها نظام افورقي على رأسها تدمير روح المواطنيين وزرع الشك و جعلهم عاجزين عن عمل شيء او فعل اي شيء وتعويدهم الخسة بالتجسس على بعضهم والعيش بلا كرامة بحيث يسهل عليهم أن يعتادوا الذل و الهوان وبهذا نجح في المحافظة على عرشه فوق الجماجم ودموع اليتامى و الثكالى واللاجئيين وموتى البحر والصحراء حيث تفوق بجدارة في أن يخلد إسمه في مقبل ذاكرة التأريخ كأسوأ رئيس و أقبح نظام يكون قد مر على أرتريا بعد أن يشع فيها فجر الحرية وتسودها الديقراطية وينعم شعبها بالعدالة والمساواة فحواء في كل رقعة حول العالم لم و لن تعقر في أن يأتي من رحمها من يستعيدون للناس كرامتهم . ختاما : بصفتي أحد المهتمين بقضايا حقوق اﻹنسان و الرافضين لظلم اﻹنسان على أخيه اﻹنسان و من الآملين في أن تنتصر الحرية على اي ديكتاتورية سواء في بلدي او في اي بلد آخر أعلن كامل تضامني مع معتقلي دولة أرتريا الحبيبة والشقيقة فأول ما يجمعني بها هو جوار حسن يربطني بها امتداد اجتماعي و ثقافي قلت عنه في إحدى مقالاتي : أرتريا .. تهمة لا ننكرها و شرف لا ندعية .. وثانيها هو أن العقل والقلب والضمير يرفضان أي ظلم في أي مكان قريب أو بعيد فاﻷحرى أن لا ننسى الظلم القريب من منطلق تعايش الشعوب المجاورة و إلتقاء اﻹنسانية و التشابهات الثقافية في كثير من أوجهها في إتجاهات السودان اﻷربع مع دول الجوار شمالا وشرقا وغربا وجنوبا .. كما أناشد كافة الحقوقيين و اﻹعلاميين و المنظمات والمؤسسات الحقوقية المحلية و اﻹقليمية والعالمية للاهتمام بقضية معتقلي أرتريا ضمن اهتماماتهم في الضغط ﻷجل إطلاق سراحهم ومهما طالت ليالي الأنظمة الشمولية فلابد من فجر مجد يتسامى . . آخر المطاف لصديقي ادريس جماع : ﻭ ﺃﺭﺍﻧﻲ ﺃﻋْﺸَﻖُ ﺁﻟﺔَ ﺍﻟﺠﻴﺘﺎﺭِ ﻣﻦ ﻋﺸﻘﻲ ﻟﻪ ﻭﻃﻨﺎً ﻭﺩﻳﻦ ﻭﺇﻟﻰ ﻣﺘﻰ ﺳﺘَﻈَﻞُ ﺣُﺒﻠَﻰ ﺑﺎﻟﻨﻌِﻴﻢ ﻭﺇﻟﻰ ﻣﺘﻰ ﻧﺘﺮﻗﺐُ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩَ ﻋﻔﻮﺍً ﻧﺴﺘﻈِﻞ ﺑِﺼَﺒْﺮِﻧﺎ ﺣﺘﻰ ﻳَﻠﻴﻦْ ﺇﻧِﻲ ﺃُﺣِﺐُ ﺗُﺮَﺍﺑَﻚ ﺍﻟْﻤَﺮْﻭِﻱ ﻣﻦ ﻋَﺮﻕِ ﺍﻟﺠِﺪﻭﺩِ ﺍﻟﻜَﺎﺩِﺣﻴﻦْ ﻟﻜﻦ ﻋِﺸﻘﻲ ﺣﺎﺭﻧﻲ ﻭﺍﺣْﺘَﺎﺭَ ﻓِﻴﻪِ ﺍﻟﺴﺎﺋِﻠﻴﻦ ﻭﻟﺮُﺑَﻤﺎ ﺃﺭْﺿﻲ ﺃﻧﺎ ﻫﻲَ ﺗِﻠْﻜُﻢُ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﻛﺎﻥَ ﻣِﻨْﻬﺎ ﺍﻵﺩَﻣِﻴﻦ [email protected]