الانتخابات الرئاسية في كافة دول العالم لها نكهة وطابع خاص مميز حيث تتوقف كل الاشياء انتظارا للحظة إعلان النتيجة وتبدأ المنافسة الشديدة بين المرشحين ويسود الهرج والمرج في الدوائر الانتخابية بين مؤيدي ومناصري كل مرشح وتتعطل الحياة تمامافي لحظة الميلاد ووقت اعلان النتيجة ، وتنطلق الصحافة والاعلام والحملات الانتخابية المحمومة والحارة ويبدأ بث البرامج الانتخابية ذات الطابع الفكري والعقلي والعلمي والسياسي والثقافي ، وبعضها المثير للجدل ، وتبقى حصافة الناخب الذي لايترك حقه الدستوري في الادلاء بصوته والمشاركة في صنع القرار وبناء دولته ايام الانتخابات في الدول التي تعرف قيمة ومعنى الحرية والديمقراطية ، انها ايام مجيدة تُخلد بها بعض الاحداث والذكريات العالقة في ذاكرة الشعوب ، وهي ايام اشبه بمهرجان المربد وعكاظ في ايام الدولة والحضارة الاسلامية الزاهرة ،وتلك الامبراطورية التي لاتغرب عنها الشمس،فالانتخابات في الدول المتقدمة الراقية والمتحضرة علامة فارقة ومذهلة ومدهشة في الوقت نفسه ورائدة للايمان العميق بقيمة الحرية والديمقراطية وحق المواطنة والعهد الدولي لحقوق الانسان وديباجات الاممالمتحدة حيث تزدهي وتحتفي تلك الشعوب وهي تمارس طقوسها وحقها الدستوري وتوقد الشموع لأنها شعوب نبعت من رحم الحرية واحترام كيانها وانسانيتها وتقديس شعاراتها وباعتبارها شعوب مترفة متخمة بالرفاهية تقدس قيمة العمل والالتزام بالمبدأ والفكر تجد مايسد رمقها وموفر لها كل مقومات الحياة الشريفة من ماكل ومشرب وتعليم وصحة وامن واستقرار ودعم اجتماعي وتاهيل علمي إنها شعوب لا احد يتعدى على مرتكزاتها الرئيسة ولايفكر في الاقتراب مما تعتبره خطا احمرا لايمكن تعديه فهي امم تؤمن بالحرية المتزنة وبالسيادة تقدس بلادها وتحترم قيادتها ومن ثم فان مثل هذه الايام التي يشهد فيها وطننا قيام الانتخابات الرئاسية وغيرها هي ايام مختلفة تماما عن ماتشهده الشعوب والامم الاخرى عادة في مثل هذه المناسبات حيث نقلت لنا الصور التي يبثها التلفزيون القومي خلال اليومين السابقين واللقطات المأخوذة من مراكز الانتخابات مدى الاقبال الضعيف على التصويت وقد بدا ذلك واضحا في حديث المشرفين على المراكز بالاضافة لخلو مراكز الانتخابات من الناخبين ووجود عدد من أفراد الشرطة للحراسة أكثر من عدد الناخبين أنفسهم وفي سياق ذي صلة غياب كامل للشباب جيل الغد المنتظر وتصريحات نارية لمختار الاصم وبعض المسئولين بالمفوضية،ونوم بعض مسئولي ومشرفي تلك المراكز بسبب عدم وجود حركة ناخبين في مراكزهم بالاضافة لضعف الحملات الانتخابية التي سبقت موعد الانتخاب والتصويت ، وذاك الحضور الهزيل الذي لايتعدي اصابع اليد الذي ينقله لنا التلفزيون الرسمي بالنسبة للمرشحين للرئاسة، بالاضافة لعدم وجود احساس حقيقي بان هناك انتخابات حقيقية فعلية معبرة عن الامة السودانية وثقافتها وكياناتها ورموزها المختلفة ، علاوة على صدور بيانات من مراكز ذات ثقل عالمي كالمجموعة الاوربية وكندا وامريكا تشكك في نتائج هذه الانتخابات وعدم التزام الحكومة بالحوار الوطني ومخرجاته ومرتكزاته الذي بدأته زائدا مسرحيات اعتقال اصحاب الفكر والمبادئ والبدء في محاكمتهم ثم العفو والافراج عنهم وهو امر ماكان ينبغي حدوثه ابتداء في هذا التوقيت ، بالاضافة لحملات اعتقال بعض الاشخاص والناشطين والمناهضين بمبرر انهم يدعون لمقاطعة الانتخابات بينما الانتخابات في حقيقة نفسها غير مقنعة ولاتشجع احد على الادلاء بصوته لأن حال الامة هو هو لن ولم يتغير سواء بهذه الانتخابات او خلافها طالما ذات العقلية التي تتخذ القرار بذات المستوى من الفكر مالم تحدث ثورة حقيقية في كافة مفاصل المجتمع والحياة في بلادنا الحبلى بالعطاء ، وقد كان أكرم وأجدر لحزب المؤتمر الوطني أن يتصالح مع نفسه وشيوخه وحرائره وشبابه ومع الشعب السوداني ومع مكونات المجتمع المدني والاحزاب السياسية بما في ذلك التجمع الوطني المناهض والمعارض لسياساته بالاتفاق على اعلان مبادئ ثابت يضم الجميع ولايخرج عنه أحد وبالانتقال الى صيغة توافقية تضم كافة ألوان الطيف السياسي والحزبي وكل مكونات المجتمع للخروج بموقف محدد يشكل مستقبل وشكل الحكم في السودان،ويمثل نموذجا رائعا لانتخابات تنبع من وعي الشعب السوداني وثقافته الخقيقية وإرثه التليد الممعن في الشموخ ، لاسيما ان وطننا يسعنا جميعا بمختلف مكوناتنا السياسية والفكرية والعقدية والاجتماعية ولابد من توحدنا واصطفافنا كالبنيان المرصوص في ظروف دولية راهنة تحيط بنا بالغة التعقيد ،وباعتبارنا شعب معلم متميز متفرد ، وتزخر بلادنا بالخير والموارد الوفيرة ، اما أن تاتي انتخابات هشة ضعيفة هزيلة بهذه الصورة لمجرد انها استحقاق دستوري او حتى لايحدث فراغ دستوري في ظل عدم قيامها فهذا لايشرف الوطن السودان ولايشبهه ولايشبه شعبه المتفرد إن مانشاهده حقيقة وماتنقله وسائل الاعلام والصحف لايشبه الانتخابات التي تجري في اي دولة من دول العالم وهذا امر يمكن لاي قارئ حصيف التنبؤ به وبامكان اي شخص بسيط معرفته ايضا ولا اعتقد أن هذه الصورة خافية على الحزب الحاكم الذي سعى سعيا حثيثا لاقامة الانتخابات وصرح بأن لامجال لتأجيلها وتناسى واسقط كافة الدعوات المنادية بالتريث في قيامها في هذا التوقيت فالانتخابات ذات الثقل والوزن المعتبر تنبع حقيقة من القلب وتتجه نحو القلب وحالها حال الامة وتشبه مرتكزاتها وقيمها وانعتاقها وبحثها عن الحرية والتنمية أما أن تساق الأمة سوقا اليها أو تفرض عليها عنوة عبر شعارات براقة اساسها الفراغ الدستوري والديمقراطية والاستحقاق الدستوري بينما هي خاوية على عروشها من المضمون والمحتوى الحقيقي فهذا مالايستقيم مع العقل والمنطق ومالايتفق مع معايير العدالة والوجدان السليم والحقيقة ومالايشبه اهل السودان بارثهم الحضاري والثقافي الضارب في جذور التاريخ فالتجربة التي نشاهدها الان هي تجربة مبتورة وناقصة ومشوهة وتشبه المسخ المشوه لأنها تخالف مارسخ في وجدان وقناعة الشعب السوداني بكافة طبقاته ومثقفيه ومفكريه ولأنها لاتشبه الانتخابات والتجارب الديمقراطية في العالم الحر سيفوز رمز الشجرة الرئيس البشير فوزا ساحقا ونعتقد أنه الانسب لقيادة البلاد في هذه المرحلة تحديدا وتلك نتيجة افرزها واقع الامة السودانية منذ انتهاء ولاية الرئيس السابقة وستبتهج اجهزة اعلام الحزب الحاكم وتملا الدنيا ضجيجا وطربا بهذا الفوز الهزيل الخالي من المنافسة الحقيقية وستستمر الانقاذ في حكم السودان وسيظل الشعب السوداني كما هو قابضا على جمر القضية بذات المستوى من الفهم والمرتكزات التي سبقت الانتخابات ولكن يبقى السؤال الرئيس قائما ماذا بعد فوز الرئيس البشير بدورة رئاسية جديدة ؟ ماالذي سيتغير ؟ سيناريو جديد لحوار وطني جديد اثبت فشله وعدم جدية ومصداقية القائمين عليه ؟ ام تكتيك جديد لحوار وطني آخر برؤية وزاوية مختلفة تسبقها نشوة الفوز والغطرسة والتعالي على الاخرين، أم امتداد متواصل للبؤر الملتهبة والحروب والنزاعات ؟ أم معارضة بشكل جديد مختلف عن أحزاب حكومة الوحدة الوطنية ؟ أم ترهل أضافي ووزارات جديدة وضيق في المعيشة وهدر للمال العام وترضيات ومحاصصة ؟ أم سياسات جديدة وتغير وتبدل مواقف والاطاحة ببعض الحلفاء الرئيسين، أم أعادة سيناريو الاعتقالات وبيان باريس واعتقال فاروق ابوعيسى ومكي مدني ؟ هل سيتغير حال المواطن السوداني البسيط ؟ هل سيجد قوت يومه بكرامة وشرف؟ هل سيحظى بالتعليم والعلاج بعد الانضمام للمعسكر الخليجي في عاصفة الحزم ؟ أم هل ستتوقف اعداد المهاجرين الكبيرة ؟ وتتعدل تبعا لذلك كل مرتكزات المؤتمر الوطني وسياساته ، أم سيفعلها الرئيس المنتخب بمفاجأة مذهلة غير متوقعة بالاستجابة لراي الشعب وتوجه منظماته واحزابه ببدء حوار وطني جاد وحقيقي وفعال ينتهي الى مؤتمر دستوري جامع وحكومة انتقالية تقرر شكل ومستقبل الحكم في السودان اتمنى أن تحدث معجزات ومفاجات بالفعل بعد اعلان فوز البشير ، وان يسعى في دورته هذه لفعل ماعجز عنه طوال سنوات حكمه السابقة بالتصالح الحقيقي مع الذات ومع مكونات الامة السودانية الشامخة بجميع الوان طيفها السياسي والفكري والثقافي والمجتمعي ، والاستجابة لتطلعاتها وطموحاتها ومصالحها المتمثلة بالدرجة الاولى في تمكينها من العيش بشرف واللحاق بركب العالم المتطور ، وان يفسح مجالا واسعا للحوار والحريات المنضبطة ، وان يقيم حكما ديمقراطيا راشدا يقوم على اسس الشريعة والمواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات والحريات بعد أن انتهى عهد التمكين حسبما أعلنها في اكثر من مناسبة اعتقد ان الوقت مناسب جدا لاستغلال خيرات وطنننا وموارده ولاستقلال الانسان السوداني المتميز الاستقلال الحقيقي والامثل لأقصى مدى ممكن في التنمية البشرية وبناء السودان الذي اقعدته الحروب والمناوشات والاختلافات السياسية والحزبية لفترة طويلة من الزمن ،وقد نقلت لنا الصحافة والاعلام بالامس خبر القبض على عصابة انشات مصنعا حديثا لانتاج حبوب الكبتاجون المخدرة المدمرة لطاقات وطننا وشبابه كما اتمنى قيام الرئيس المنتخب باسدال ستار من حديد على مسرحية الانتخابات الحالية بالتاطير منذ اعلان فوزه لانتخابات قادمة شفافة نزيهة حرة تنبع من مفردات وقيم واختلاف ومرتكزات الامة السودانية بدلا من هذه التجربة المشوهة المبتورة الناقصة التي شاهدها العالم ، مع ضرورة التداعي الحميم لاحتواء كل النزاعات المسلحة في دارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان ، واكمال الحوار مع قطاع الشمال بدون اية شروط مسبقة ، وأهمية التضحية والتنازل عن بعض مايعتقد به بعض المتنفذين والمقربين من دوائر صنع القرار والا فالطوفان قادم لامحالة. [email protected]