هل يحي الامام الصادق المهدي حوار الوثبة الذي دفنه في "مقبرة أحمد شرفي" و يجرب المجرب و بذات أدوات التفاوض القديمة؟ و يدفن مكانه "إعلان باريس" و ينفض يده من الجبهة الثورية التي دب الخلاف بين قيادتها العسكرية و قيادتها السياسية؟ أم أن الأمام الصادق المهدي استفاد من أخطائه السابقة و المتمثلة في دخوله في السابق في جولات حوار مع حزب المؤتمر الوطني بلا سقف زمني لبداية و نهاية الحوار، و بلا ضمانات محلية و اقليمية و دولية، و بلا برنامج بديل لبرنامج حزب المؤتمر الوطني. جميع التجارب في سنوات نضال الإمام الصادق المهدي و اتخاذه من المنافي الاختيارية منصات لإتفاقيات سياسية و مصالحة مع نظم انقلابية و التي أطاحت بالديمقراطيتين الثانية و الثالثة. افتقدت كل اتفاقياته لعنصر التنفيذ من قبل الحكومات الانقلابية الشيء الذي مهر اتفاقيات الاٌمام بأنها اتفاقيات غير قابلة للحياة لتعجل الامام العودة للوطن على حساب سد الثغرات و الحصول على ضمانات دولية تضمن تطبيق ما اتفق عليه فالتاريخ القريب يحدثنا أن النظام الاخواني ما كان لينفذ اتفاقية نيفاشا مع الحركة الشعبية لولا الضمانة الدولية التي احتمت بها الحركة الشعبية لحظة توقيع الاتفاقية. لقد تعودنا من الامام الصادق المهدي أن يفاجئنا باتفاق مع النظم الشمولية ، و ما أن تتعثر الاتفاقية حتى نجده يقول إن الاتفاقية وافق عليها مجلس التنسيق (جسم تنسيقي داخل هيكل حزب الامة القومي ) و الذي لا صلاحيات دستورية ، إنه يفعل ذلك للتأكيد بأنه قد شاورهم و انهم وافقوا!! تذكروا اتفاق بورتسودان مع المشير جعفر نميري سنة 1977م و الذي سمي بالمصالحة الوطنية و الذي تبعه دخول السيد الصادق المهدي المكتب السياسي للإتحاد الاشتراكي هو وقادة حزبه ، ففي حين أوفى السيد الصادق المهدي بما إلتزم به نجد أن المشير نميري التزم جانب المماحكة و المماطة في تطبيق التزاماته مما اصاب السيد الصادق المهدي بيأس عارض فحمل عصى الترحال إلى دول الاتحاد السوفياتي المسلمة خاصة طشقند و ازربيجان ثم يمم وجهه شطر مدينة قم معقل الحوزة الايرانية حيث التقى الامام الخميني و عاد ليبشر بالتعايش و التقارب بين المذهبين السني و الشيعي فالاوضاع المتفجرة منذ نهاية السبعينات و حتى الآن بين السنة و الشيعة تؤكد أن الخلاف بينهما عميق و لا تطوية أماني هنا و هناك. ايضاً يحدثنا التاريخ أنه في عام 1999 و على إثر تفجر الخلافات داخل قيادة التجمع الوطني للمعارضة أن السيد الصادق المهدي خرج من تجمع المعارضة و اتجه الى جيبوتي التي وقع فيها اتفاقية مع المشير البشير (اتفاقية جيبوتي) و ايضا بلا ضامن اقليمي او دولي فعاد السيد الصادق المهدي عودة افضت إلى انتاج قنبلة ناسفة اسمها حوار النظام الذي افضى الى برتوكول مشاركة في حكومة المؤتمر الوطني ، و مرة أخرى يفشل اتفاق جيبوتي و ينشق حزب الامة بين تيار اللا مشاركة بقيادة السيد الصادق المهدي و بين تيار المشاركة بقيادة السيد مبارك المهدي و الذي كون حزب الامة - الاصلاح و التغيير و إنشقت معه قيادات شابة ، و يطرب الفريق البشير بتسجيله للهدف الثاني في مرمى السيد الصادق المهدي ، إذ حين تبرجت السلطة و اظهر مفاتنها استهوتها قلوب الشباب فمالوا إليها منشقين في اكبر خطيئة سياسية ، بينما رفض تيار الحكماء مجرد النظر للسلطة المتبرجة بادية المفاتن ، و لعله من نافلة القول ذكر أن بعض القيادات التي انشقت مع سيد مبارك قد وشى بها الرئيس البشير بعد ربع قرن من انقلابه إذ سمى القياديين الشابين (الزهاوي و عبدالله مساوي ) من حزب الامة القومي اللذين باركا الانقلاب و اشادا به كمخلص للحزب من انسداد افق الحلول أمامه و لم ينف أي منهما ما وشى الرئيس البشير. استحضرت هنا اتفاقيتين فاشلتين وقعهما السيد الصادق المهدي مع نظامين شموليين و لم يفطن إلى أهمية أن يكون هنالك تفاوض مشروط و بضمانة دولية ، فمن انقلب على شرعية بلد بحاله يهون عليه ان ينقلب على اتفاق ثنائي مع حزب متلهف لتحقيق انجاز سياسي يتوج به معارضته لربع قرن من الزمان ، فهل يتنبه الإمام الصادق المهدي إلى ضرورة ألا ينفض يده من حلفائه ، و أن يحصل على ضمانات دولية لرعاية الحوار الوطني و تكون ضامنة لتطبيق الاتفاق السياسي الذي ستسفر عنه جولات الحوار. كما نرجو ان يستعصم الامام الصادق المهدي بأقوى كرت تفاوضي منحه له الشعب السوداني الذي قاطع انتخابات الزيف التي تمت تحت سقف التعديلات الدستورية التي يصعب تقبلها و التي اطلقت يد جهاز الامن و الذي تحول من جهاز قومي إلى جهاز امن حزبي و اصبح اداة طيعة في يد حزب المؤتمر الوطني ، لذلك على الامام الصادق المهدي و من معه أن يتمسكوا ببضرورة الحصول على الضمانات الدولية و ألا يعتمدوا على ضمانات من الاتحاد الافريقي الذي مرغ البشير كرامته حين رفض ان يرسل وفده في 29 مارس 2015 لحضور الاجتماع التحضيري للحوار الوطني مما اسقط في يد الوساطة الرفيعة و في يد جماعة إعلان برلين و الذي مثل نقطة ضعف بقبولها التفاوض بدون شروط مع نظام عرف عنه الحنث العظيم. نذكر الامام الصادق المهدي ...أنه لم يعد أمامه سوى شهرين إثنين فقط إما أن يكون له فيها انجاز سياسي و وطني و إلا انطبقت عليه كل السيناريوهات الكامنة تحت جمر الخلاف داخل التحالف الذي يقوده الآن ، إذ هنالك قيادات إرتابت في مسعى الامام الصادق المهدي إذ آثرت الانتظار على كنبة الاحتياطي لترى النتائج لتقييمها إن كانت تتسق مع الأهداف الوطنية التي تسعى لتحقيقها أم إنها نتائج تخدم مصلحة حزب المؤتمر الوطني. حمد أبوإدريس [email protected]