حينما ركزت الصحافة السودانية العام الماضي على قضايا الفساد التي تسللت ووجدت طريقها إلى الصحف وكانت جميعها مدعوم بالمستندات التي لم تدع مجالاً للتبرئة، والتي كشفت أخطر قضايا مال عام في السودان، وقتها كان رئيس البرلمان أحمد إبراهيم الطاهر، يجتهد بكل ما أوتي من قوة لتبرئة منسوبي الحكومة، بل قطع بأن التدين العالي بين قيادات الحكومة يمنعها من ارتكاب أي مخالفات، دع عنك جرائم مال عام تسمم البصر والسمع، كان ذلك إعمالاً لفقه السُترة الذي سنته الرؤوس الملهمة في الحزب والحركة كترياق مضاد للحرب الإعلامية التي وقودها المعلومات الكثيفة بشأن فساد لحق بقطاعات واسعة داخل مؤسسات الحكومة. حينما كشفت قضية الأقطان الشهيرة عن تفاصيلها ولم تترك مساحة لتبرئة متهميها، تقدم القيادي البارز الذي هو على رأس الحركة الإسلامية بنصيحة لأطراف القضية الذين هم من ذات البيت، نصحهم أن يلجأوا إلى التحكيم وإغلاق القضية لقطع الطريق أمام "المتربصين" بسمعة الإسلاميين، لبت الأطراف نداء النُصح وتحاكمت، لكنها فجرت قضية أخرى انتهت بإقالة رئيس المحكمة الدستورية. قبل يومين عزز ديوان المراجعة القومي تأكيداته بشأن حصانات نوعية تمنحها بعض المؤسسات لنفسها وتحجب نفسها عن المراجعة، وبعبارة أشد وضوحاً فإن هناك شركات تمارس "الملاواة" مع ديوان المراجعة وتتحفظ على حساباتها، لكن ديوان المراجعة القومي متفائل بقانون الشركات الجديد الذي قال إنه سيجبر الشركات المتمردة للانصياع للقانون. لكن نعود ونقول، ما الذي يجعل القانون الجديد مجبِرا لهذه الشركات أو غيرها كي تنصاع إلى القانون، وهل المؤسسات التي انصاعت للقانون القديم وكُشف عن تجاوزاتها، هل ردّت أي منها جزءا من المال العام التي استولت عليه، وهل خضع كل من ارتكب هذه الجرائم إلى أي محاسبة، أم الذي حدث هو العكس. القضية ليست في مزيد من القوانين طالما أن الكبار يحمون وأن الفاسدين يترقون إلى أعلى المراتب، إذا كان البرلمان السوداني أجاز قبل فترة اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد، وإذا كان هو ذات البرلمان الذي يدافع ويتستر على قضايا المال العام ويتهم الإعلام بتشويه سمعة "الأنبياء". الذين سنوا فقه السُترة بمقدورهم أن يتلفوا حول كل قانون جديد أو قديم، ويمارسوا ذات الملاواة ويتحفظون على الحسابات ويحجبون الجرائم الكبرى، لا تحدثوا عن قانون جديد يُمكن أن يكون عصا موسى، طالما أن الحماة موجودون. التيار