لحظات قلق وترقب وحذر عاشتها ملايين المصريين وهم يحبسون أنفاسهم انتظاراً لبيان القوات المسلحة مع انتهاء مهلة اليومين التي منحتها للأطراف السياسية والرئاسة للتوصل إلى حل بشأن الأزمة الحاصلة في البلاد. وبعد مخاض عسير وانتظار استمر لساعات طوال جاء بيان القوات المسلحة ليدخل فرحة عارمة في نفوس المعارضين لمرسي بإعلان وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي عزل محمد مرسي من رئاسة البلاد وتعطيل العمل بالدستور على أن يدير رئيس المحكمة الدستورية العليا شؤون البلاد، وتشكيل حكومة ائتلاف وطنية لحين الإعداد لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. حنكة الجيش حرص الجيش المصري على إعلان خارطة طريق المرحلة المقبلة، بحضور شيخ الأزهر أحمد الطيب وبابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية تواضروس الثاني، في ظل وجود محمد البرادعي الذي اختارته جبهة الإنقاذ الوطني المعارضة ليكون مفوضاً باسمها في حوار الجيش، ولم يغب عن هذا المشهد التاريخي شباب حركة (تمرد) الذين كانوا وقود قاطرة التحركات الجماهيرية الأخيرة في الشارع المصري وحزب النور السلفي. الجيش المصري بالفعل كان ذكيا بما يكفي ليغير المشهد لصالحه، وهو يجمع كل هذه التيارات الدينية والسياسية والشبابية لكي ينفي عن نفسه تهمة الانقلاب العسكري، وهو يؤكد أنه سيظل بعيداً عن العمل السياسي. حرق الجماعة ميادين تظاهر المعارضين الذين تكدسوا في ميدان التحرير وقصر الاتحادية وقصر القبة ووزارة الدفاع بالملايين، تعكس حالة الفرح والابتهاج بعد سماع هذا البيان، بإطلاق المواطنين الألعاب النارية في الهواء وترديد الأغنيات الحماسية على وقع دقات الطبول وسماع زغاريد النساء؛ وما تمر المروحيات العسكرية في سماء هذه الميادين إلا وتقابلها هذه الحشود برفع الإعلام وهتافات (الجيش والشعب يد واحدة)؛ إنها في رأيي رسالة للمصريين أراد منذ البداية إيصالها للشعب عندما تركه ليخوض تجربة حكم الإسلاميين عندما كانوا يرددون (يسقط يسقط حكم العسكر)، الآن تنعكس الصورة ليكون الجيش هو طوق النجاة الذي تستنجد به ذات التيارات التي هتفت ضده قبل فترة ليست ببعيدة؛ لقد كان سيناريو معداً من قبل الجيش المصري منذ البداية بحسب مراقبين للأحداث في مصر كان هدفه استعادة الثقة والهيبة لمؤسسته ولحرق جماعة الإخوان المسلمين سياسياً بعد تعاطف الكثيرين معهم نسبة لما وجدوه من معاناة وتضييق وسجن وهم يرفعون شعار (الإسلام هو الحل)، ذلك المفتاح الذي يسهل الدخول به لأبواب البسطاء من الشعب المصري. مشهد الجماعة على الجانب الآخر يخيم الهدوء على أنصار ومؤيدي الرئيس محمد مرسي المحتشدين في ميدان رابعة العدوية بمدينة نصر وميدان النهضة بمحافظة الجيزة؛ هدوء يبدو أنه مشوب بالحذر والغضب منطلق أعين الموجودين هناك وخيبة الأمل التي علت الوجوه؛ لكن الأمر لن يمر بهدوء وسلام كما يظن المعارضون للرئيس السابق محمد مرسي، فهذه الجماعات المنظمة لا تتخذ قراراً فردياً ولا تصدر منهم ردود فعل مفاجئة، وإنما ينتظرون الأمر من مرشدهم الذي بايعوه على الطاعة، وكأن رد الفعل الأول هو الدخول في نوبات بكاء شديد. وهم يرددون عبارات (حسبي الله ونعم الوكيل) وأعلن العشرات منهم الجهاد في سبيل الشرعية التي جاءت بمرسي كأول رئيس مدني منتخب بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير. لم يكن المشهد انهزامياً إلى هذا الحد فقط، فقد امتد لإغلاق وتوقيف بث القنوات الدينية كقناة 25 من يناير وقناة الناس، كما تم إلقاء القبض على عدد من الإعلاميين وسياسيين منتمين لجماعة الإخوان المسلمين؛ حاولت مراراً وتكراراً الاتصال بقيادات إخوانية لكن جميعهم أغلقوا هواتفهم ويبدو أنهم دخلوا في حالة الصمت القسري، فقد انقلبت الطاولة عليهم وانسحب البساط من بين أرجلهم وأيديهم. المخاوف تتصدر المشهد من ردود فعل عنيفة أو اغتيالات من قبل أنصار مرسي وقد بدأت بالفعل بتكسير بعضهم للمحال وحرق السيارات في مناطق متفرقة واشتباكات في أماكن أخرى في القاهرة والمحافظات. عصبية مرسي بحسب مصادر مقربة من الرئاسة؛ علمت أن الجيش أبلغ مرسي بأنه لم يعد رئيساً حوالي السابعة مساءً أي قبل إعلان بيان القوات المسلحة بساعتين؛ وما جرى في دهاليز مقر الحرس الجمهوري، حيث كان يقيم مرسي منذ أمس الأول، كان كالتالي: فقد كان مرسي متوتراً منذ ساعات الصباح الأولى بعد توافد الآلاف من المعارضين إلى مقر الحرس الجمهورية، وهو المنشأة العسكرية التي انتقل إليها مرسي بعد حصار المعارضين له للقصرين الرئاسيين القبة والاتحادية؛ ليجعلوا من مقر الحرس الجمهوري مقراً جديداً لتظاهراتهم لممارسة مزيد من الضغط عليه بعد أن أعلنوا أنهم سيلاحقونه في كل مكان؛ ومع مرور الساعات، دخل مرسي في حالة غير طبيعية وتقول بعض المصادر العسكرية بأنه كان عصبياً مع كل من حوله، وقد وصلت قوة خاصة من الجيش لتضعه تحت الإقامة الجبرية، وانقطعت كل اتصالاته مع قيادات جماعته ليصبح في عزلة تامة، حيث إن المتظاهرين أمامه وقوات الجيش من حوله، واستمر هذا الوضع لساعات حتى تم إخراج مرسي من مقر الحرس الجمهوري من باب سري تحت حراسة وحماية القوات المسلحة دون الإعلان عن مكانه الجديد. وقد صدرت أوامر بوضع 270 قيادياً بجماعة الإخوان المسلمين في قائمة الممنوعين من السفر من بينهم مرسي والمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر وغيرهم لتنطوي بكل هذه التطورات التاريخية صفحة حكم الإخوان المسلمين لمصر، والتي لم تزد عن عام، وتبدأ صفحة جديدة يؤدي فيها رئيس المحكمة الدستورية العليا اليمين ليتولى إدارة شؤون البلاد، ليطل ألف وألف سؤال حول مستقبل هذه المرحلة المفصلية في تاريخ مصر المعاصر، وكل ما بقي من مرسي هو بيان يدعو فيه الناس لعدم السماح للجيش بالانقلاب على الشرعية دون أن يجد آذاناً صاغية. السوداني