تنبع أهمية التكنولوجيا من كونها تعتبر العامل الحاسم للتطور وحل المعضلات الاقتصادية. وكذلك باتت التكنولوجيا تدخل في جميع مناحي الحياة، فلم تعد التكنولوجيا تستخدم كأداة أو وسيلة لزيادة الإنتاج وتحديثة بل أصبحت تستخدم في تسهيل الخدمات الإنسانية كالصحة والتعليم والمواصلات والاتصالات ومعظم الخدمات الأخرى المتصلة بالإنسان. وفيما يتعلق بالمشكلات الاقتصادية يستفاد من التكنولوجيا في نواحي عدة أهمها استخدام الأساليب والوسائل والمعارف الحديثة في تحديد هذه المشكلات ثم تحليلها بأحدث الطرق والتقانات للتوصل إلى أفضل الحلول ولا أدل من ذلك إلا ما نشاهده في هذه المرحلة من تطور في تكنولوجيا إنتاج النفط العالمي وما يحدثه هذا التطور من تغير في خارطة العرض والطلب العالمي للنفط. وبالرغم من أن الدول الغربية تحاول منذ فترة طويلة إيجاد بدائل للنفط التقليدي الحالي وبالرغم من الخطوات التكنولوجيه التي حققتها في بدائل الطاقة مثل: الغاز والطاقة المائية والطاقة الشمسية والكتلة العضوية وطاقة الاندماج النووي وغيرها إلا أن الدول الغربية وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية نجحت تكنولوجياً في إنتاج النفط الصخري كبديل اقتصادي مؤثر للنفط الحالي. ونجاح الولاياتالمتحدةالأمريكية في تحقيق هذا الهدف لم يأت من فراغ وإنما كان بفضل تسخير التكنولوجيا نحو إنتاج النفط الصخري حتى يصبح سلعة اقتصادية منافسة النفط للتقليدي الحالي. ودخلت التكنولوجيا بغزارة في حل المشكلات الإنسانية القديمة والمعاصرة. وأهم ملح حديث للتكنولوجيا في العصر الحالي، هو سهولة عبورها للقارات وتقريها للمسافات، ويعود ذلك الى التطور التكنولوجي في مجال الإلكترونيات. وفي مجال المواصلات والاتصالات سبقت التكنولوجيا حتى تنبؤات كثير من حكماء العصور القريبة. وعندما قال الحكيم السوداني المعروف فرح ود تكتوك (فيما معناه) أنه في آخر الزمان سيكون السفر بالبيوت والكلام بالخيوط (يعني أنه سيأتي زمن سيكون فيه السفر بالسيارات بدلاً من الدواب وكذلك الحديث بين الناس سيكون بالتلفونات التي تحمل الكلام عبر الخيوط) لم يكن في مخيلته أن التقدم التكنولوجي سيفوق تصوراته، فالسفر لم يعد بالبيوت التي تمشي على الأرض، بل فاق ذلك، فأصبحت البيوت تطير في الجو وتذهب من قارة إلى قارة، وكذلك الاتصال لم يعد عبر التلفونات القديمة الموصلة بالخيوط، بل أصبحت تستخدم الأجهزة الهوائية الذكية والتي تؤدي أكثر من مهمة في آن واحد. وإذا نظرنا إلى خارطة التكنولوجيا في العالم وربطنا ذلك بالتقدم الاقتصادي، نلاحظ أن الدول المتقدمة هي الأكثر تقدماً في إنتاج وتطوير التكنولوجيا، بل أصبح يطلق عليها الدول الصناعية. وتعد التكنولوجيا العامل الحاسم في التنافس الاقتصادي والتجاري في السوق العالمي اليوم خاصة وأنها لم تعد تدخل في السلع الصناعية فقط، بل طالت السلع الزراعية والخدمات. ولم يأت التطور التكنولوجي للدول الصناعية من فراغ بل جاء نتيجة لاهتمام هذه الدول بالتكنولوجيا، ويؤكد ذلك ارتفاع نسبة إنفاقها على البحث العلمي بصورة عامة والبحث العلمي التكنولوجي بصورة خاصة. وأعتقد بأن الدول النامية ومنها السودان إذا أرادت أن تخطو خطوة جادة وفعالة نحو تطوير اقتصادياتها فإنه لابد من الانتباه للتكنولوجيا واعتبارها عاملاً حاسماً للتقدم والازدهار. وإذا نظرنا لتطور التكنولوجيا في السودان، نلاحظ أنها لا تختلف كثيراً عن تلك التطورات الكبيرة التي حدثت للتكنولوجيا على مستوى العالم منذ العصر الحجري ومروراً باستخدام الآلة ثم الثروات التكنولوجية الحديثة. ولكن نلاحظ أن التكنولوجيا في السودان في مرحلة من المراحل كانت تعتمد بدرجة كبيرة على المواد الأولية الزراعية والغابية والحيوانية والتعدينية. وحتى اليوم فإن المباني والأثاثات المنزلية على نطاق واسع في الريف تعتمد على المواد الخام الزراعية والغابية. وأيضاً تستخدم كثيراً من المدخلات الحيوانية في احتياجات الإنسان الريفي. وحتى اليوم لا يحدث تحول تكنولوجي كبير في مسألة المباني الريفية والأثاثات المنزلية. أما فيما يتعلق بالمدن - حتى وقت قريب - فإنه من الملاحظ أن المباني والأثاثات المنزلية تعتمد بدرجة كبيرة على المواد الخام المحلية. ومعظم التطورات التكنولوجية التي حدثت في هذا المجال؛ اعتمدت على التكنولوجيا المستوردة. وأخيراً نشير إلى أن المرحلة القادمة في السودان تحتاج إلى الاستفادة من عدة محاور متعلقة بالتكنولوجيا وهي التكنولوجيا نفسها والبحث العلمي واقتصاد المعرفة. التغيير