البيت أعلاه من قصيدة لمادح من القوم أهل الله متفائل ومفعم بالأمل، أظن ولا أجزم أن قصيدته هذي حملت عنوان (يا ذاكر كن ذو فكر)، ويقول في المقطع الذي استعرنا منه العنوان (قوم يا فقير الموية جات تهدر هدير.. جدول كبير وآخر صغير.. حاسب وأوع من الكسر.. بعد الروى أرمي البذور.. حاسب وأوع من الطيور.. أوعَ الجراد أوع القبور.. والبودة خرابة المسور.. إلخ).. لا أعرف متى نظم هذا المادح هذه القصيدة المتفائلة جدا، ولكن يهيأ لي أن ذلك كان في زمن غابر؛ كانت المياه فيه (تهدر هدير) على حد تعبيره، ولم يكن الناس بوجه عام والمزارعين بوجه أخص يخشون غير الآفات من طيور وقبور وبودة وخلافها، ويقيني أنه لو نقحها وأعاد فيها النظر الآن لعكس الآية، حيث أن ما يهدر الآن ليس هو الماء من شدة اندفاعه، وإنما هو الهواء المندفع بقوة من فوهة الصنابير الفارغة، فالناس اليوم لا يجدون ماء الشرب إلا بمشقة دعك من مياه الري للزراعة، والعملاق الذي تقزم مشروع الجزيرة خير شاهد. من تعاسة العاصمة وساكنيها أنها في كثير من نواحيها تعاني هذه الأيام أزمة مزدوجة بتحالف انقطاع الكهرباء المصحوب بانقطاع للمياه أيضا، ولك أن تتخيل مدى التعاسة والبؤس الذي يكابده من يفتقد لهاتين الخدمتين المهمتين وخاصة الماء سر الحياة.. أذكر أن قيادياً (كبير أوي أوي) كان قد عزا ذات سنة سبب القحط والجفاف الذي ضرب البلاد وعدم هطول الأمطار الى الظلم - كما قال، وكان ما قاله صحيحاً ولكن الصحيح أيضاً أن الظلم كذلك هو ما يتسبب في عدم نزول المياه من المواسير، (قولو لي كيف؟)، أقل لكم إن النيل الأبيض الذي يشق العاصمة ما زال جارياً لم تجف مياهه، وكذلك الأزرق الدفاق لم تغيض مياهه ونهر النيل (شرحو) وعشرات الآبار الجوفية لم يصبح ماؤها غوراً بعد، وكل هذه الرحمة الوافرة تكفي سكان العاصمة الآن، بل وتفيض، ورغم ذلك يشكو الناس العطش والحسك، وتصير رائحتهم (طير طير)، إذن الماء موجود وبوفرة أجراه الله على هذه الأرض ولا يحتاج الأمر هنا إلى دعاء يُستجاب أو لا يستجاب، فقط يحتاج إلى الجهة التنفيذية والإدارية والفنية المؤهلة والكفؤة التي تجريه عبر المواسير بلا انقطاع أو (تكدير)، والظلم يقع عندما لا توجد مثل هذه الجهة، والظلم يقع أيضاً عندما تكون خدمة حيوية كالماء الذي لا حياة بدونه لا تجد التمويل اللازم وتقبع في مؤخرة الاهتمامات، والظلم يقع كذلك عندما يوسد أي أمر لغير صاحبه المؤهل المقتدر في الصحة في التعليم ال.. ال..... إلخ، وتلك هي القضية. التغيير