لم تضع اتفاقية نيفاشا ، ضوابط فيما يتعلق بالجنسية ، ولذلك تبنت دولة جنوب السودان قواعدها الخاصة ، وتبنى السودان قواعده الخاصة ، ويمكن أن نقول أن خيار الانفصال قد سبب صدمة في الشمال ، مما نتج عنه تعديل لقانون الجنسية عام 2011 ، وجاء هذا التعديل كرد فعل سايكولوجي أكثر منه تنظيمي ، ولم يراع الضوابط العدلية والاجتماعية والدولية التي تكبح جماح أن تكون قواعد الجنسية مجرد رد فعل نفسي. فقد جاءت المادة العاشرة فقرة اثنان المعدلة ناصة على الآتي: "تسقط تلقائيا الجنسية السودانية إذا اكتسب الشخص حكماً أو قانوناً جنسية دولة جنوب السودان" ولا شك أننا نرى في هذه المادة كم البغض الذي بنيت عليه ، فلأول مرة يكون سقوط الجنسية تلقائياً ، أي بدون قرار إداري أو حكم قضائي ، وأن يكون السقوط لمجرد الاكتساب الحكمي لجنسية دولة الجنوب ، أي لمجرد الانتماء القبلي أو قابلية الشخص لاكتساب جنسية الجنوب نتيجة مصاهرة أو نسب ..الخ. وتناسى واضعوا القانون الحالات الكثيرة التي يجب معالجتها ، كحالة التداخل الأسري أي شخص من أب شمالي وأم جنوبية أو حالة التداخل الحدودي كحالة دينكا نوق في أبيي ، وحالة الذين قضوا دهراً طويلا في الشمال حتى تحولت ثقافتهم إلى ثقافة الشمال. وفي الوقت الذي لا يمنع فيه القانون من أن يتمتع شخص بالجنسية السودانية إلى جانب الأمريكية أو الإسرائيلية –وهناك مسؤولون في الدولة يحملون فيه جنسيات أخرى - نجد أن من وضعوا هذا القانون وقد تعاملوا برد فعل وبغير روح العدالة مع القضية بشكل تحكمي وقسري وفيه الكثير من التعنت ليكون أي شخص منتم لقبيلة أو ذو سحنة جنوبية مهدداً باسقاط الجنسية عنه . ومن هنا نتجت الحالة الأكثر خطورة ، وهي حالة انعدام الجنسية ، وتناست هذه المجموعة التي وضعت التعديل القانوني أن هناك اتفاقيات دولية تضع ضوابط وشروط وحماية من ناحيتين: الناحية الأولى وقائية ، والناحية الثانية علاجية ، أما الناحية القانونية فهي تقييد حق الدولة في تجريد الشخص من جنسيته منعاً للوجود في حالة إنعدام الجنسية ، وهي حالة خطرة جداً ، حيث يفقد الشخص –بناءً عليها- كل أو أغلب حقوقه السياسية والمدنية . وحالة انعدام الجنسية هي الحالة التي لا يكون فيها الشخص متمتعاً بجنسية أي دولة. أما الناحية العلاجية فهي محاولة جبر الضرر أي بإيجاد حلول لمن وقعوا في فخ انعدام الجنسية بالفعل. أما الناحية الأولى فقد نظمتها إتفاقية خفض حالات انعدام الجنسية لسنة 1961، إن المبدأ الأساسي الذي نهضت عليه هذه الإتفاقية هو عدم جواز إسقاط الجنسية تلقائياً إلا بعد أن يكون الشخص قد اكتسب جنسية أخرى بالفعل ، أي بناءً على قرار إداري أو حكم قضائي ، وهذا ما نصت عليه صراحة الماد 7/1 والتي ذهبت إلى أنه "إذا كان تشريع الدولة المتعاقدة يرتب فقدان الجنسية أو التخلي عنها ، لا يجوز لهذا التخلي أن يفضي إلى فقدان هذه الجنسية إلا إذا كان الشخص المعني يحوز ، أو اكتسب ، جنسية أخرى" ، وكذلك نصت المادة 7/2 على أنه "لا يفقد مواطن أي دولة متعاقدة جنسيته إذا طلب التجنس في بلد أجنبي ما لم يكتسب جنسية هذا البلد الأجنبي أو يحصل على تأكيد باكتسابه لها". وهكذا استمرت الاتفاقية في منع الإسقاط التلقائي بناءً على الاكتساب الحكمي ، من أول مادة وحتى آخر مادة في الإتفاقية. وذلك منعاً لإيقاع الشخص في حالة إنعدام الجنسية. يؤدي الاسقاط الحكمي إلى امتناع الموظف العام عن تسجيل الشخص في السجل المدني لمجرد انتمائه لإثنية معينة حتى ولو كان منتمياً للشمال قبلياً كدينكا نوق وغيرهم من القبائل على الحدود أو حالات التصاهر والنسب ، وفي هذا إسقاط على أساس عنصري ، منعته الإتفاقية ، في المادة التاسعة التي نصت على أنه "لايجوز للدول المتعاقدة تجريد أي شخص أو أية مجموعة من الأشخاص من جنسيتهم لأسباب عنصرية أو إثنية أو دينية أو سياسية". ثم أن المادة العاشرة قد وضعت نصاً صريحا لحالة الدول الجديدة أو ما اسمته بنقل الإقليم ، فقد اشترطت ألا يترتب على هذا النقل تعرض الأشخاص إلى انعدام الجنسية . الناحية العلاجية : ما ذكرناه هو الناحية الوقائية ، ولكننا الآن أمام حالة واقعية هي وجود أشخاص عديمي الجنسية من المنتمين لإثنيات جنوبية أو لمجرد الانتماء الحكمي كالمصاهرة والنسب، هنا لابد من الخضوع لأحكام إتفاقية 1954 المتعلقة بوضع الأشخاص عديمي الجنسية ، ومن أول هذه الضوابط هي المعاملة الدينية؛ فالمادة الرابعة قد نصت على أنه "تمنح الدول المتعاقدة عديمي الجنسية الموجودين داخل أراضيها معاملة توفر لهم على الأقل ذات الرعاية الممنوحة لمواطنيها على صعيد حرية ممارسة شعائرهم الدينية وحرية توفير التربية الدينية لأولادهم" ، واستمرت الاتفاقية في سرد ضوابط حقوق عديمي الجنسية ، كالاحوال الشخصية وملكية الأموال المنقولة والعقارية ، والحقوق الفنية والملكية الصناعية ، وحق الانتماء للجمعيات ، واللجوء إلى القضاء ...الخ. ولكن من أهم هذه الحقوق ، نذكر ما نصت عليه المادة السابعة والعشرين قائلة بأنه "تصدر الدول المتعاقدة بطاقة هوية شخصية لكل شخص عديم الجنسية موجود في إقليمها لا يملك وثيقة سفر صالحة". كما أن المادة الحاديه والثلاثون قد حظرت طرد شخص عديم الجنسية إلا لأسباب استثنائية مما يجعل الطرد الجماعي غير وارد. أما المادة (32) فقد نصت على أنه "تسهل الدول المتعاقدة بقدر الإمكان استيعاب عديمي الجنسية ومنحهم جنسيتها ، وتبذل على الخصوص كل ما في وسعها لتعجيل إجراءات التجنس وتخفيض أعباء ورسوم هذه الإجراءات إلى أدنى حد ممكن". فهل سيلتزم السودان بهذه الحقوق أم أنه ؛ وبناءً على رد فعل نفسي أيضاً سيتجاهلها؟ هذا ما ستجيب عليه الأيام. [email protected]