تحدثنا فى المقالة السابقة عن التجمع بشكل عام كفكرة وتنفيذ والجوانب السلبية والايجابية فيه .هذه المرة سنلج الى بعض تفاصيل القضايا والاحداث الرئيسة فى مسيرته . وقبل ان نبدأ ، نود ان نؤكد ان الهدف ليس بحال هو تجريح الاشخاص او الجماعات ، وانما هو محاولة لمراجعة ماحدث ليكون هاديا للعمل القادم بعد ان قطعت المعارضة شوطا لابأس به فى طريق الوحدة وتنوير الرأى العام العالمى على وجه الخصوص . وقبل ان نبدأ الحديث عن موضوع اليوم : الحركة الشعبية ودورها فى التجمع سلبا وايجابا ، أود ان أشير الى الموقف الاخير الذى أتخذه السيد الصادق من محاولة أعتقال البشير بجنوب أفريقيا لما له من صلة بموضوع وحدة المعارضة الذى هو الاساس المتين لاى عمل آخر تنوي ان تقوم به. لست بصدد صحة أو خطأ الموقف ، ولكنى بصدد أثره على وحدة المعارضة . لقد عبرت كافة الاطياف الاخرى عن تأييدها لاعتقال البشير للاسباب المتفق عليها من الجميع ، بمافى ذلك السيد الصادق . وأظن ان الموقف الصحيح فى هذه الحالة هو الصمت على الاقل حفاظا على مظهر الوحدة . لقد وقف الصادق مدة طويلة خارج قوى الاجماع مقتنعا بان النظام جاد فى دعوته للحوار ، الذى لم تكن قوى الاجماع ضده ولكنها طلبت ان تسبق الحوار اشياء مهمة وليس شروطا ، فمن غير المعقول ان أحاور وأنا مغلق الفم ، أو وانا معرض للاعتقال اذا أدليت برأى مخالف لرأى السلطة ، كما حدث للسيد الصادق نفسه ، مماجعله يخرج من السجن الى التحالف مع حاملى السلاح فى قفزة واحدة ! نعود الى موضوع الحركة الشعبية : وكما قلت سابقا ، فان انضمامها الى التجمع كان مصدر قوة خصوصا لقوى اليسار داخل التجمع لتقارب الرؤى فيما يخص معالجة قضية السودان الاساسية : التهميش . ولكن فى نفس الوقت جعل قوى اليسار مقيدة تجاه قضايا كثيرة حتى لاتفقد التحالف .ومن ناحية أخرى فان قيادة التجمع الممثلة فى مولانا الميرغنى قد جعلت من نفسها الحليف الاقوى تجاه الحركة لنفس الاسباب ،مماجعل الحركة هى القائد الحقيقى للتجمع ،وهناك الكثير من الادلة على ذلك . من ذلك تأجيل اجتماعات هيئة القيادة أكثر من مرة انتظارا لقرنق عندما يكون لديه مايمنع من الحضور. ومنها الحصول على مبدأ تقرير المصير دون أى مقابل يضمن استخدام المبدا فى ظروف تعبر بشكل موضوعى عن رأى الشعب الجنوبى. ثم عدم بذل جهد حقيقي من طرف الحركة للضغط فى اتجاه اشراك التجمع فى المفاوضات التى أدت الى الاتفاق على حق تقرير المصير للجنوب . وبهذا فقد يكون هناك حق لدى من يقولون بان الحركة قد استغلت التجمع لتحقيق اهدافها . والحقيقة فان شخصية قرنق وافكاره بل ومواقفه التى كانت تؤكد وحدويته بما قد لايدع مجالا للشك ، ربما يكون لها دور فى قبول الآخرين للامور على علاتها. وقد وضح طبعا من تتابع الاحداث بعدها ،ان الاعتمادعلى فرد لايمكن ان يكون عملا سياسيا ناضجا . فبالاضافة الى حالة قرنق الذى اختفت كل آثاره بمجرد رحيله ، هناك حالة مولانا الذى قاد ثورة التجمع "سلم تسلم " ثم قاد ثورة " الاستسلام والاستلام " المضادة ! هذا ماكان يحدث والتجمع فى الخارج ، فماذا حدث بعد اتفاقية نيفاشا ورجوع الحركة الشعبية ثم التجمع الى السودان ؟ كان المتوقع بشكل طبيعى مع وجود التجمع بشقيه بل وباطرافه الخارجية والداخلية مع الشعب صاحب الوجيعة ، ان يواصل العمل المعارض من داخل وخارج البرلمان وان يقلب الطاولة على النظام ومن كان وراءه فى الوصول الى الاتفاق . غير ان الذى حدث على العكس تماما . مات قرنق وانتقلت القيادة الى اغلبية ساعية الى الانفصال . من ناحية أخرى ظهرت النوايا الحقيقية للجبهة بمافى ذلك تكوين حزب الخال الرئاسى الداعى نهارا جهارا للانفصال ! ولكن هناك العديد من الاسئلة التى كان لابد ان تخطر على بال لاعبى المعارضة وقتها : كيف قبلت الحركة الشعبية بنسبة 28% فى البرلمان وهى شريك قوى فى المفاوضات ولها أكثر من ظهير ؟ كيف قبل التجمع بنسبة 12% لاتودى ولاتجيب حتى مع افتراض وقوف الحركة والقوى السياسية الجنوبية معه فى صف واحد؟ كيف توقعت الحركة والتجمع ان تعمل حكومة الجبهة على جعل الوحدة جاذبة ؟ وأخيرا لماذا قبل التجمع العودة الى الداخل باتفاق لا يحمل أى ضمانات حتى لتنفيذ أفضل ماجاء فى اتفاقية نيفاشا وهو شرط تنفيذها فى بيئة ديموقراطية حقيقية . أقول ان التفسير لكل هذا موجود فى اعطاء السيطرة على التجمع منذ البداية لمن ليس ضد النظام من حيث المبدأ وقد وضح هذا تماما فى تطور الاحداث اللاحق . ولو كان التجمع يعلم الغيب لفعل غير مافعل ؟! غيران أمر السياسة لايحتاج لعلم الغيب وانما لتحليل الواقع كما هو وليس بالامانى أقول ماقلت لان الحال قابل للتكرار مع وحدة المعارضة الآن : هناك المعارضة المدنية الضعيفة والمحاصرة من النظام والتى تحالفت مؤخرا ،مع شئ من التردد ، مع الجماعات الحاملة للسلاح . وهو وضع طبيعى وضرورى والشعب السودانى يواجه نظاما مجرما كاذبا. ولكن بغير وجود اتفاق واضح لكل فصائل المعارضة على الاستراتيجية والتكتيكات المختلفة حتى ازالة النظام ومابعد ذلك ، فانه سيكون واردا فى أى لحظة ان تنتكس الوحدة ولو بعد القضاء على النظام ،و نعود مرة أخرى الى المسلسل المتكرر . عبدالمنعم عثمان [email protected]