من حق كل من أنجز مشروعاً تنموياً أو قام بترقية احدي البني التحتية، أن يحتفي بإنجازه ويتباهى باعتباره صاحب الفكرة أو منفذها. وربما لا يسأل حتى إذا لامست منصرفات احتفاليته حدود البذخ لو أن تلك الأعمال جاءت مكتملة ومطابقة وملبية للتوقعات. ولكن أن يحدث الزخم الافتتاحي بقص الشريط التقليدي وحشد الجماهير وضرب الطبول والنحاس وتوزيع الضيافة مع بث الأناشيد الوطنية وتدبيج الكلمات الرنانة لمشاريع لا زالت تحت الإنجاز، أو تم دفع المنفذين لإظهارها بما يوحي بالكمال لتلحق تاريخ الاحتفالية، فهذا عين الخطأ الذي يجعلنا نتساءل عن سبب العجلة في الافتتاح. هل لأن من بدأها سيغادر موقعه ولا يود أن يتباهى بها الآخرون من بعده، أم ماذا؟ وحقيقة أن هناك بعض الأعمال التي ربما لا تكتمل في عهد من بدأها وعاصر مراحلها حتى شارفت على الانتهاء وبالتالي قد يجيء البديل ليجدها شبه جاهزة فيقوم بإقامة احتفالية صاخبة ويقص الشريط دون مجرد الإشارة لمن وضع أساسها. في هذا المقام تسمح لنا شجون الحديث أن نستدعي من الذاكرة جلبة افتتاح كبري شمبات الذي شيدته حكومة عبود حيث تزامن توقيت افتتاحه في العهد الذي جاء بعد ثورة اكتوبر. لقد أثار هذا الأمر جدلاً وتجاذباً كبيراً حول هل يتم افتتاحه بواسطة الرأس السيادي أم الرأس التنفيذي وهما من حزبين متنافسين. وحينها تداعت الاقتراحات حتى أن البعض قال بأن الحل الأمثل يتمثل في التقاء السيادي مع التنفيذي وسط الكبري ليقصا معا الشريط التقليدي هناك وكفى الله المؤمنين شر القتال، علما بأن كل ذلك حدث وهما يعلمان أن الكبري لم يشيد بواسطتهما. أما عن التعجل في الافتتاح نذكر أن مصنع سكر النيل الأبيض حين تقرر افتتاحه وتمت الدعوة للضيوف بمن فيهم أعضاء السلك الدبلوماسي، كان هناك بعض القصور التقني الذي يتوقف عليه دوران حركته، فلماذا كان التعجل أصلاً. وكنموذج أخر للتعجل تم بالأمس القريب، وبعد انتظار قارب السنتين، افتتاح جسر ود البشير المشيد عند تقاطع الشارع مع شارع العرضة بأم درمان. غير أن من يعبر الجسر يرى بقايا الأنقاض وبعض الأخاديد والحفر في الشارع المؤدي للجسر مع الغباب الكامل لإشارات المرور التي من المفترض أن تكون تحت الجسر لتنظيم حركة مرور السائقين القادمين من شارع العرضة باتجاه سوق ليبيا وغرب أم بدة وبالعكس خاصة عندما يكون هناك من يسير في الطريق الأرضي ويود الاتجاه من ناحية الجنوب إلى الغرب أو من الغرب إلى الشمال أو من الشمال إلى الشرق أو من الشرق إلى الجنوب. وكنتيجة للافتتاح المتعجل دون إشارات المرور تم قفل الطريق أمام القادمين تحت الجسر من الجنوب والشمال وتوجب عليهم أن ينحرفوا مع شارع العرضة شرقا لو جاءوا من الجنوب أو غربا لو جاءوا من الشمال، ثم يعودوا عند تقاطعات الدوران العكسي (يو تيرن) لتحقيق رغباتهم. لا خلاف حول أن الجسر بوضعه الحالي خفف كثيراً من الاختناقات، ولكن سيكون إضافة حقيقية لو اكتملت الإشارات. أما فيما يتعلق بالمشاريع التي قد لا ترقى لمستوى الافتتاح الاحتفالي بواسطة كبار المسئولين ترصد الذاكرة العديد منها. فعلى سبيل المثال تم قبل بضعة شهور افتتاح جسر لعبور المشاة قامت به شركة خاصة كهدية في إطار العمل الخيري وأعلنت عن ذاتها وخدماتها فيه وهو شيء مستحق لكن لا أرى سببا للاحتفالية لأن أمثاله من المشاريع وربما أكبر منها تنجز في الدول الأخرى بكل هدوء. ولكننا تعودنا على اقتناص الفرص للإعلان عن أي عمل ما لدرجة أن أحد المعتمدين بواحدة من الولايات افتتح لافتات إرشادية للمرور وقد بثت له المواقع الاسفيرية – لو صح الأمر - صورة إلى جانب لافتة (قف) وهو سعيد غاية السعادة كأنما هذا العمل انجاز حطم به صخرة الاعجاز. فلو أن ما ينفق في مثل هذه الاحتفاليات تم توجيهه لمشاريع أخرى لكان أجدى وأنفع. أليس كذلك؟ [email protected]