لماذا تحول العملية التعليمية إلي سلعة تجارية عصية علي الفقراء ؟؟ الباحث عن أسباب فشل الحكم الإخواني في السودان يبدو كمن ينظر إلي المشهد المأساوي من زاوية ضيقة إذا إختزل تلك النظرة في حالة الفساد التي تفشت في جسد الدولة المعافي كما يتفشي السرطان دون الغوص في الجوانب الإجتماعية الأخري التي تبرز أهميتها كضرورة لخلق مجتمع إسلامي معافي يسود فيه المساواة بين الفقراء والأغنياء في الحقوق والواجبات وتزول موجبات النظام الرأسمالي الذي تسمو فيه قيمة المال علي قيمة الأخلاق. ويكتشف الدارس للتطور الطبيعي للعملية التربوية والتعليمية في مملكة الإخوان أن الخدمة التعليمية تحولت في مشهد درامتيكي من حق دستوري مستحق إلي سلعة تجارية باهظة حتي أصبح الحق في التعليم مقصوراً علي الأغنياء دون الفقراء ومن يشكك في هذا الفهم عليه تصفح دليل القبول للجامعات والمعاهد العليا الذي تتم طباعته سنوياً فيما يتعلق بالقبول الخاص لتصدم عينيه الأرقام الفلكية للرسوم الدراسية للكليات والمطلوب توفيرها من كل أسرة سنوياً لينال أبنائها حظاً من التعليم وبهذا الفهم المادي إنتقل حق التعليم من حق للمواطن علي الدولة إلي سلعة تجارية وسباق محموم بين الجامعات والمعاهد الحكومية نحو الكسب السريع وبهذا التطور دخلت المؤسسات التعليمية العامة في منافسة مع الجامعات والكليات الخاصة وأصبح إهتمام إدارة الجامعات بتحقيق الربح يتفوق علي جهودها في الإرتقاء بالمستوي الأكاديمي لمنسوبيها ورفعت الدولة يدها عن التعليم ومؤسساته وإنصرف وزرائها ورموز حزبها الحاكم إلي تكديس الأموال في خزائنهم الخاصة وتعليم أبنائهم في جامعات خارجية بنفس مفهوم العلاج بالخارج لقناعتهم التامة أن ثورة التعليم والصحة التي تبنوا إنجازها لم تكن في حقيقتها سوي (أسماء مملكة في غير موضعها) فتمكنوا بنفوذهم وأموالهم من حماية أبنائهم من فشل التعليم بالبلاد . فشل النظام ليس في تطوير التعليم بالبلاد بل تخطي الواقع المرير إلي الفشل كذلك في الحفاظ علي المستوي الذي وجدوه حتي تراجع ترتيب الجامعات السودانية في سجل الترتيب العالمي للجامعات آلاف المراكز (ترتيب جامعة الخرطوم أكثر من ألفين وخمسمائة مرتبة عالمية) وحذت الجامعات الولائية حذو الجامعات قديمة الإنشاء في هبوط المستوي الأكاديمي وعانت نقصاً حاداً في هيئات التدريس المؤهلة مما أفرز فوضي عارمة في العملية التعليمية برمتها وتدني المستوي الأكاديمي للخريجين من تلك الجامعات . وواقع الأمر أن ذلك الإخفاق الذي طال المنظومة التعليمية برمتها طال كذلك المفهوم الأخلاقي للتعليم فصارت الأسر لا تطمئن إلي مستوي التحصيل الأكاديمي لأبنائها في المدارس وصار اللجوء إلي الدروس الخاصة ومعاهد التقوية الصيفية مدفوعة القيمة ضرورة حتمية لضمان تحقيق الأبناء لنسب تؤهلهم لدخول الجامعات وتحول مفهوم المعلم الأخلاقي من مرتبة الرسل إلي مراتب التجار وغدا التعليم وسيلة لكسب المال السريع مستغلين ضعف المستوي الأكاديمي الذي يقدم في المدارس علي وجه العموم. وحقيقة أخري ربما لا يعلمها كثير من الناس ويدركها بعض الذين فرضت عليهم ظروف التوزيع الديمغرافي للسكان وجودهم في مناطق طرفية وتتمثل تلك الحقيقة في التساهل الواضح في عملية مراقبة الإمتحانات في تلك المراكز التي تكون بعيداً عن الرقابة المركزية وينسحب هذا الفهم علي المدارس الخاصة التي يتم إختيارها كمراكز للإمتحانات والتي تطغي رغبة إداراتها في إرتفاع نسبة النجاح والتحصيل علي حرصها علي عدالة الفرص والمساواة بين جميع الطلاب والطالبات الممتحنين وهو إنتقال كارثي يكرس إلي إنهيار المنظومة التعليمية برمتها ويؤدي في نهاية الأمر إلي مأساة السقوط الأخلاقي . ويري بعض المتخصصين والخبراء في العملية التعليمية أن تدني المستوي الأكاديمي للطلاب وخاصة في مراحل التعليم الأساسي قد تدني إلي درجة أن أبنائنا وهم يخطون أولي خطواتهم في التعليم يجدون معاناة شديدة في تعلم القراءة والكتابة حتي مراحل متقدمة في سنوات التعليم الشيء الذي ينذر بكارثة ويدق ناقوس الخطر ينذر بالهاوية الخطيرة التي تنحدر إليها المنظومة التعلمية برمتها . وخلاصة الأمر أن التعليم في ظل هذا النظام الإخواني يهوي إلي الدرك الأسفل من الفشل الأكاديمي والأخلاقي ولا تحرك الدولة ساكناً لإنقاذ منظومة التعليم مع ضرورتها في تطور ونماء وتقدم الدول ويبدو نشاط الدولة في إقامة الإنتخابات الزائفة والإجتهاد في إخفاء ملفات الفساد أكثر أهمية من إصلاح النظام التعليمي المتهالك ويداوم أهالي الطلب علي قبض الجمر وبذل التضحيات حرصاً علي مستقبل أبنائهم ويبقي الضحايا لهذا النظام المتهالك الغالبية العظمي من أبناء هذا الوطن الذين يجدون صعوبة مادية وتمنعهم ظروفهم الأسرية الضاغطة في تأهيل أبنائهم بطريق التحصيل الإضافي مدفوع القيمة لتبقي المنظومة التعليمية سلعة تجارية في متناول الأغنياء عصية علي الفقراء والمساكين وهذا في تقديري قمة الفشل للدولة ودليل دامغ علي سقوطها الأخلاقي في عدالة الفرص بين مواطنيها. عمر موسي عمر - المحامي [email protected]