قبل سنوات توافقنا في هيئة تحرير "التيار" على نشر زاوية يومية بعنوان شارع الصحافة.. الفكرة كانت تحاول كشف أخبار متنوعة تدور في كواليس الصحافة.. كنت اكثر الناس حماسا بهذا الشارع وذلك لأنني افترض أن الصحفيين شخصيات عامة من حق الجمهور أن يتتبع أخبارها المفرحة والمحزنة والحسنة والمسيئة.. من شدة حماسي لشارع الصحافة حتى تم ربطه بشخصي الضعيف وهو أمر غير دقيق لأن مادته يقوم بإعدادها جمع متفرق من الصحفيين.. والحقيقة في أوقات كثيرة أقوم بإعادة تحرير المادة.. ليست تلك القصة.. الزاوية وجدت رواجا بين الناس وغضبا من الزملاء الصحفيين الذين يفترضون أن البطاقة الصحفية تمنح حاملها حصانة من تناول أخباره غير السارة.. بسبب تلك الزاوية لاقينا عنتا وتجنيا بل ومقاطعة من بعض الزملاء. قبل عدة أشهر نشرنا في شارع الصحافة أن دكتور علي بلدو يعكف على كتابة مسلسل بعنوان: (بيت الجالوص) ويعينه في ذلك زميلنا الصحفي معاوية السقا.. تذكرت بيت الجالوص قبل أيام حينما علمت أن الأستاذ الزبير عثمان مدير هيئة الإذاعة والتلفزيون أمر بوقف بث حلقات المسلسل.. شعرت بحزن خاصة أنني قد مررت بتجربة مماثلة في برنامج صالة تحرير الذي كانت تبثه قناة أم درمان الفضائية قبل إيقافه لاحقا.. ولأنني بعيد عن أرض الوطن هذه الأيام لم أشاء التعليق على الأمر بسبب حساسية الموقف التي تحتاج لمهارة لاعب سيرك. حزني تحول لغضب حين علمت أن إيقاف المسلسل جاء بسبب احتجاجات من مؤسسات صحفية على شاكلة اتحاد الصحفيين ورموز صحفية في حجم الدكتور محيي الدين تيتاوي الصحفي المعروف وأستاذ الإعلام في الجامعات السودانية.. احتجاج الصحفيين وصل إلى قناة الخرطوم التي منعت بث حلقة من برنامج (مختلف جداً) الذي يقدمه الإعلامي المتميز خالد ساتي.. الحلقة الموؤودة كانت تناقش ملابسات الإيقاف عبر استطلاع وجهتي نظر الدكتور بلدو مؤلف المسلسل وللأستاذ تيتاوي الذي تولى كبر الاحتجاج. في تقديري.. يخطيء الزملاء الصحفيون المحتجون على مسلسل (بيت الجالوص) ..اولا العمل الدرامي ليس سردا لوقائع التاريخ ولا تتبعا علميا لواقع الحال.. في نهاية الأمر العمل الدرامي على مسؤولية صاحبه ويعبر عن وجهة نظر محددة.. ثانيا الذات الصحفية ليست منزهة من النقائص وهنالك الكثير من النماذج التي يعلمها القاصي والداني عن تحالفات مصلحية ربطت بين بعض الصحفيين وعدد من السياسيين.. إلا أن الجريمة الأخلاقية التي لن تغتفر أبدا أن يكون لاتحاد الصحفيين دورا في وأد حرية النشر.. وأن يطالب أساتذة في قامة محيي الدين تيتاوي بإعدام عمل درامي بحجة أنه يسيء لصورة الصحفيين . بصراحة.. العقلية المتربصة بالإبداع تقدم أفضل دعاية لمسلسل بيت الجالوص ..أتمنى ألا يستسلم فريق بيت الجالوص بقيادة دكتور علي بلدو فلابد لليل أن ينجلي.. الآن لا أحد يستطيع حجب ضوء الشمس برفع كفة يده. التيار