1- قبل البدء في الكتابة عن أخر كلمات وردت من الشهداء:الرائد هاشم العطا..الرائد بابكر النور..الرائد فاروق حمدناالله قبل اعدامهم في مثل هذه الايام من شهر يوليو عام 1971، اتقدم الي أسر الشهداء الكرام بالاعتذار الشديد ان قمت بفتح جراحات قديمة، مجددآ اعدت احزان قديمة قد تكون اندملت. اكتب اليوم بمناسبة مرور الذكري الاربعة واربعين عامآ عن ابطال مازالوا في ذاكرة الملايين. 2- إعدام الرائد هاشم: *********** في غرفة قرقول سلاح المدرعات قضى هاشم العطا الساعات الاولى من اعتقاله موثوق اليدين ، مستلقيا على ظهره ، كان رغم الارهاق هادئآ في كل تصرفاته، ثابت الاعصاب، باسم كعادته، وعندما حنت منه التفاته الى بعض الضباط المعتقلين ، بعد لحظات دخل الي الغرفة الملازم كمال سعيد صبرة، الذي بدأ يستفز هاشم العطا بصورة وقحة غير لائقة، نظر اليه هاشم في سخرية واستخفا، اغتاظ الملازم كمال من تجاهل هاشم له فبادر بسحق نظارة هاشم التي كانت ملقاة على الارض الي جانبه وحطمها بحذاءه. ***- حاول النميري في مكتبه بمعسكر "الشجرة" ان يبدأ التحقيق مع هاشم العطا وجهآ لوجه، رفض هاشم رفضآ باتآ اجراء اي لقاء مع النميري، واعلن في اصرار شديد انه لن يدلي باي اقوال الا في محاكمة علنية، قال هاشم العطا بكل وضوح انه يرفض مقابلة مع اي مسؤول في المعسكر (لانكم ستشوهون اقوالي وتحرفوها) . واضاف:( انا اتحمل كل المسؤولية وليست لديكم حجة في محاكمة الضباط والجنود والصف). ***- اقتيد هاشم قسرآ وهو مقيد الي مكتب النميري الذي كان في حالة هياج اثناء اللقاء بينهما وكان يتكلم بصوت عالي اشبه بالصراخ، قال احد كبار الضباط الذي حضر اللقاء، ان النميري ما ترك كلمة بذيئة في قاموس الشتائم الا وجهها الي هاشم العطا، كانت مفاجأة شديدة لم يتوقعها النميري عندما قاطعه هاشم العطا بحدة وقال له: ( لست نادما على ما قمت به، وان كان لي ان اندم فلانني اعتقلتك ثلاثة ايام وعاملتك معاملة كريمة)..هنا بلغت حالة الهياج حدآ جعلت النميري يقفز من مقعده في محاولة للاعتداء بالضرب، لكن في عجالة سريعة تم سحب هاشم العطا من المكتب الي غرفة اخري. ***- كان هاشم خلال الساعات الطويلة التي قضاها قبل اعدمه يردد مقطعا من نشيد صلاح بشرى ويضيف الى المقطع: (جاءكم هاشم فاعدوا المقصلة)، الضباط والجنود المعتقليين معه رددوا المقطع من خلفه، زجر هاشم بصوت عالي كل الضباط والجنود الذين حاولوا الاعتداء عليه، وكان مهابا شجاعا وهو في قبضتهم. ***- بدرت من هاشم العطا ضحكة تلقائية وهو في طريقه الى ساحة الاعدام، اغتاظ احد الجنود من الضحكة وعلق: (وتضحك كمان؟!!)، فضحك هاشم ضحكة عالية وقال له :(يا ابني الميت مايبكي)، اتجهوا بهاشم نحو (دروة المورس) لتنفيذ حكم الاعدام رميآ بالرصاص، كانوا الجنود في حالة من الفزع والاضطراب، لم ينتظروا وصوله للدروة ، بل عاجلوه من الخلف باطلاق 800 طلقة على ظهره حتى انفصل نصفه الاعلى قبل ان يسقط على الارض، وظلوا يطلقون الرصاص علي جثمانه حتى بعد استشهاده ، واصلوا اطلاق الرصاص على جثته حتى افرغوا الاربعة صناديق من (الجبخانة). 3- إعدام بابكر النور: ************* في البداية تمت محاكمة بابكر النور برئاسة العميد تاج السر المقبول، اصدرت المحكمة العسكرية قرارها بالسجن اثني عشر عاما، ورفض النميري قرار المحكمة العسكرية، ارجع الاوراق الي المحكمة العسكرية ، اعيدت مرة اخري المحاكمة وصدر قرار الحكم بالسجن 30 عاما، رفض النميري قبول قرار المحكمة للمرة الثانية، وعندما وجه النميري اعادة المحاكمة للمرة الثالثة،رفض العميد تاج السر ان يتراس المحكمة، - وكنوع من الاحتجاج ايضآ- رفضوا كل الضباط الكبار الذين كلفوا برئاسة المحكمة العسكريةالاستمرار في عملهم كقضاة على اعتبار ان نميري يريد قسرآ فرض حكم الاعدام، علق احد الضباط بغضب عن حالة بابكر النور:(دا كان عضو في مجلس "الضباط الاحرار" تحاكموه كدة؟!!)، اتصل النميري بالمقدم صلاح عبد العال تلفونيا وكلفه برئاسة المحكمة العسكرية، حضر صلاح وتسلم اوراق المحكمة، وفي نفس اليوم صدر قرار حكم الاعدام بابكر النور رميآ بالرصاص. ***- عندما اقتيد بابكر النور لتنفيذ حكم الاعدام ، كادت كلمات خطبته القوية في الجنود ان تعطل حكم الاعدام، حتى تدخل النميري وتوجه شخصيآ ومعه مجموعة من الضباط الي ساحة الاعدام كنوع من الارهاب الي الجنود المكلفين تنفيذ الحكم ، تراجع بابكر النور بخطواته قليلة الي الوراء كي لا يتم اطلاق الرصاص على ظهره، كان الشهيد قد ارسل قبل يوم واحد من اعدامه خطاب صغير في ورقة علبة سجائر الي اسرته يؤكد فيه ان نميري سيعدمه. كانت اخر كلماته انه هتف عاليآ باسم السودان. 4- في تحقيق صحفي يروي الضابط (شاهد عصر) على إعدامات نميري لقيادات انقلاب هاشم العطا يروي حكايات مثيرة..! ****************************** سؤال: أين كان مكان الإعدام وما هي تفاصيل الأحداث هناك ومن هم الحضور ؟. ---------------------- الاجابة: ***- وصلنا إلى منطقة الحزام الأخضر جنوبالخرطوم وقفز كلاهما ووقفا من تلقاء نفسيهما بابكر النور وفاروق حمدنا الله، في المكان المعد للضرب «دروة ضرب نار» اصطف كل من المقدم حقوقي عبد المنعم.. والملازم محمد إبراهيم الشايقي..والملازم صديق عبد العزيز محمد.. و«شخصي».. وأخيراً الملازم إسماعيل الجاك طه، وفي محاذاتنا كانت تصطف فرقة تنفيذ الإعدام «الضاربين». ***- بدأ بابكر وفاروق يهتفان بصوت قوي وعالٍ «عاش السودان حُراً مستقلاً، عاش كفاح الشعب السوداني، عاشت ثورة مايو». يهتف أحدهما ويردد الآخر.. ومرة اخري هتف بابكر النور (عاش السودان حُراً مستقلاً).. (الله اكبر ولله الحمد)..رددها ثلاث مرات، التفت الرائد فاروق تجاه الملازم الشايقي وقال له: (تضحك يا محمد إبراهيم أنا عارفك وعارف قضيتك كويس.. والله تجي تقيف نفس الوقفة دي وتنضرب نفس الضرب دا أنت ونميري، لكن وين تلقو الرجالة دي؟!! )، ***- المشهد كان حزيناً وكئيباً جداً في تلك اللحظات للمقدم حقوقي عبد المنعم الذي كان اكثر حزناً وبؤساً، وكان يقف ممسكاً بملف مطأطأ الرأس وينقر الأرض بقدمه اليمنى، لم أقوَ على احتمال ذلك المشهد، وكان أهون علىَّ أن أهرب إلى داخل الغابة أو أشجار الحزام الأخضر، فالتفت إلىَّ السيد المقدم وأشرت عليه أن يحسم الأمر. نادى المقدم عبدالمنعم على «الضاربين» وأمرهم بالاستعداد بأمره «ضاربين استعد».. هنا كان هتاف بابكر وفاروق مختلفاً نوعاً ما وصاحا: (ضاربين اضرب اضرب..مرحب يا موت.. مرحب يا رصاص)..وصارا يرددان هذا الهتاف حتي اخر رمق فيهما. ***- هناك رواية اخري موثقة في كثير من المواقع عن اعدام فاروق حمدنا الله: ( عندما نزل فاروق حمدنا الله من الطائرة وهو معتقل في مطار الخرطوم قادمآ من ليبيا بحراسة مدججة من الحرس الليبي،قال للضباط والجنود السودانيين الذين حضروا لاستلامه:(ازيكم يا شباب ، الغريبة انو الليبيين حاقدين علينا اكثر منكم)!!.. ثم ضحك، نقلوه الى معسكر "الشجرة" هناك خلال حديث نميري معه قال للنميري : (يا نميري انت في 25 مايو دورك كان صفر ، ما كان عندك دور نحن النظمنا 25 مايو وجبناك عشان رتبتك وكان ممكن نجيب غيرك ، كنا حنجيب محمد الشريف الحبيب او مزمل غندور، لكن وزير دفاعك خالد حسن عباس الجالس جنبك دة قال يا جماعة مزمل غندور طموح وحيسيطر علينا افضل نجيب نميري لانه بليد ونقدر نمشيه زي ما عايزين).. ***-وحاول النميري ان يساومه ليتبرأ من صلته بجماعة 19 يوليو فرفض ، وطلب منه النميري ان يدلي بما لديه من معلومات فرفض، وعندما اقتادوه الى منطقة الحزام الاخضر لاعدامه استفزه النقيب محمد ابراهيم وقال له " يا(...) ،فرد عليه فاروق: (انت كمان تقول لي يا "..." ؟!!شوف الرجال يموتوا كيف الليلة ، لما يجيبوك محل الموت اثبت زيهم)، ثم التفت الى الجنود وقال لهم : (الراجل ما بضربوه في ضهره وان ما بديكم ضهري)..ظل يتراجع في خطوات ثابتة للخلف فاتحا ازرار القميص كاشفا صدره للرصاص وهو يهتف بحياة الشعب السوداني وسلطة الجبهة الوطنية الديمقراطية. ***- م تنفيذ حكم الإعدام في فاروق حمد الله وبابكر النور رمياً بالرصاص في الساعة السادسة والنصف من مساء الاثنين 26 يوليو لعام 1971م. 5- ضابط كبير شاهد عيان يحكي اعدام عبدالمنعم هاموش: *************** اول شئ لفت انتباهي ساعة دخولي لساحة "الشجرة" هو منظر ضابط طويل القامة اسمر يقف في وضع استعداد وهو يرفع رأسه لاعلى بفخر واعزاز، وعندها دفعني الفضول دفعا لمعرفة من هو هذا الضابط العظيم الذي يقف بكل هذه الشجاعة وهذا الفخر في وجه السلاح المصوب اليه لقتله، وعندما اقتربت وجدته عبد المنعم الهاموش القائد العسكري لانقلاب 19 يوليو 1971م ، كان يقف في وضع استعداد وهو يرفع رأسه بفخر شديد وشجاعة وينظر للسلاح بثقة، كان يضع سيجارة مشتعلة على شفتيه، ارتجف العسكري الذي كان سيضرب النار عليه وعندما اتى صوت الضابط المشرف على تنفيذ حكم الاعدام اضرب صوب الجندي السلاح على بطن الهاموش، صاح فيه الهاموش عاليآ صيحة جعلت السلاح يرتجف بشدة في يد العسكري وهو يصيح فيه بحدة :(اضرب صاح يا مستجد ارفع السلاح لأعلى).. وانطلق الرصاص على صدر عبد المنعم الذي اخذ نفس من سيجارته وجثا على ركبتيه وهو يصيح: (عاش السودان حرا مستقلا ويسقط الظلم والجبروت)، وبعدها هوى الى الارض جثة هامدة والسيجارة ما زالت مشتعلة. ***-يكمل الضابط الكبير كلامه: ايضا من المشاهد التي لن تفارق رأسي ابدا مشهد بشير عبد الرازق الذي جاءوا به الى "الشجرة" وهو متلفح بثوبه، كان يعمل على اصلاح عمامته وهو متوجه نحو ساحة الموت ذاهب للقاء عزيز. بكري الصائغ [email protected]