لأن تعطش الخرطوم و يلف خاصرتيها نهران عذبان فذاك عار على المسؤلين .. و لأن تغرق الخرطوم في ظلام دامس لشح بل انعدام في الكهرباء فذاك فشل من القائمين على أمر الكهرباء سيما أن(السد الرد) يقف جدارا أسمنتيا (عقبة) ليشهد بخبث الإنقاذيين. ثمة مناداة بإقامة صلاة الاستسقاء طلبا لمطر السماء بعدما انقطع و كأني بالوالي الهمام الجديد يحمد الله لانقطاعه لأن المطر دأب على منح شهادة الفشل لقيادات الولاية طوال سنوات حكمهم و لن يكون عبدالرحيم محمد حسين اسثناء. لا بأس أن نذهب للصلاة كما أمرنا بذلك رسولنا الكريم و لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: من ذاك الطاهر العفيف الأمين المؤمن الذي يتقدمنا في صلاة الاستسقاء؟ هل عانى من عطش و سعى في الطرقات ليأتي بحمار يجر عربة (كارو) ليستقي من براميل ماء صفتاه الكدر و الطين؟ هل عاش إمامنا سويعات في ظلام و جحيم الحر بسبب انقطاع التيار الكهربائي طوال أيام رمضان و قبله و لا نزال؟ هل المصلون راضون عن إمامهم أم هم كارهون له مجبرون عليه؟ يحكى أن في مدينة ماء تم الإعلان عن صلاة الاستسقاء فيها و قبل يوم صعد الشيخ إلى السطح بغرض الترميم و الإصلاح فلما سُئل أجاب أن الله ماطرهم غدا عقب صلاتهم! يل لك من رجل ظنك بربك قوي! يا لك من رجل ثقتك بخالقك كاملة! إن كان الأئمة أمثال عصام البشير و الكاروري فنقول يا الله أكفنا عنهم بالصلاة خلفهم فإنك تعلمهم. نريد أئمة يتقدموننا في الصلاة من عامة الناس .. أئمة ذاقوا الويل و جفت حلوقهم من العطش .. أئمة يبست زروعهم و ماتت ماشيتهم عطشا .. أئمة إذا ارتفعت أكفهم و خشعت قلوبهم و تحركت ألسنتهم فبما أحسوا من فقدان المطر و توابعه. عندما نسمع أن الخرطوم تعاني فما ظنك بمدن الولايات و قراها؟ و عندما تسمع عن التشيكلات الوزارية .. ترى جيشا جرارا تحت إمرة الوزير و قد تفوق مخصصاتهم التي لا تنقطع و لا تتأخر قد تفوق الملايين و لكن بلا مقابل يلمسه المواطن و صدق ذاك الرجل الذي قال لمحصلة رسوم الماء (و الله إنتي بتجينا أكتر من الموية). و المضحك المبكي في آنٍ معا أن ترى إمعانا في الذل أنهم يرفعون قيمة رسوم الماء على انعدامه! تخصصت حكومة التدمير التي نعقت كثيرا بأنها حكومة تعمير تخصصت في تدمير ما هو قائم .. كان السودان موحدا فقسمته قسمة ضيزي .. كانت الجزيرة خضراء بيضاء صفراء بزروعها و لوز قطنها و سنابل قمحها فأحالوها يباسا هبابا و سبّ الرئيس أهلها و نعتهم بتربية الشويعيين .. كانت الخطوط الجوية السودانية جوّابة آفاق السماء فلم تبقى غير طائرة واحدة .. كانت المؤسسة العسكرية فخرنا و فخرنا بلادنا فأحالها الانقاذييون إلى مليشيات و نعتوها بأسماء تارة الدعم السريع و أخرى الجنجويد و ثالثة الدفاع الشعبي و لا تكاد تميز بينها .. كانت الميادين متفسحا للصغار و الشباب في الأحياء فانتزعوها و صارت ضياعا لهم .. الجنسية و الجواز السوداني صار متاحا للعامة من دول العالم يملكها من يريد و بأبخس الأثمان .. لم يعد من يجد جنيها ملقى مهللا شأن من يجد قرشا في السبعينات .. لم تعد هناك خطوط بحرية تذكر .. لم يعد هناك سكة للحديد .. لم يعد هناك سمعة للسودان .. لم تعد له حدود و ملامح واضحة .. لم يعد للسودان انسانه المعروف فقد عمد الحكام إلى جعله بائسا يدعو للشفقة و الرثاء. و ها هو النيل يتمدد بسخاء و إنسانه يشكو الظمأ و زرعه يشكو اليباس و مدنه تشكو الظلام. إذا انهمر الماء فعلى الفقراء و إن انقطع فعلى الفقراء .. أنتم لا هم لكم غير أن تمطروا خزائنكم بأموال الغلابة و المساكين اللهم نسألك أن تعجل بذهابهم و ترينا فيهم عجائب قدرتك فأن قوي جبار منتقم شديد العقاب. [email protected]