بسم الله الرحمن الرحيم لا يملك المرء إلا أن تتملكه الحيرة والاندهاش ..من اختلاف التقييم والمواقف وأزمنتها بين قادة الفكر في التيار الاسلاموي في السودان..خاصة الأكاديميين منهم..وحيث أنه لا خلاف في أن التيار يعج بحملة الشهادات العلمية الرفيعة..إلا أن الموقف من القضايا المتعلقة بما بعد استيلاء تيارهم عن السلطة ..يربك كل متابع..فمنهم من اتخذ موقفاً ناقداً منذ البداية وآخرون ما بعد المفاصلة ..ونفر بعد أحداث سبتمبر..ومنهم من ظل منافحاً عنه حتى يوم الناس هذا..وسنهمل الاسترسال في آرائهم في البداية ..لأن الاختلاف بينهم جميعاً تراوح بين رفض الوسيلة وتهميش الحركة الإسلامية ورفض الممارسات ..بيد أنهم جميعاً كانوا وبدرجات متفاوتة إما راضين وإما عاجزين عن الجهر على الأقل بمواقفهم بالكتابة على الأقل حتى ظهر كتاب عبد الوهاب الأفندي في الساحة..وما كان بمقدوره إنجازه لولا تواجده بالخارج..عليه فإن الاهتمام بآراء ما بعد أحداث سبتمبر ..هو ما نعنيه في هذا المقال..فعند الإحساس بسفور المعارضة وسقوط المتظاهرين قتلى بالرصاص..وبعيد ذلك ..ظهرت الآراء المتباينة لعقول مقدرة منهم..فخرج عازي بحزبه وجماعته برأيهم في النظام الموسوم لديهم بديكتاتورية الفرد..أما عبد الوهاب الأفندي فواصل فيما جاهر به حتى الوصول في مقالاته الأخيرة بأن على الإسلاميين أن يعترفوا بالفشل ويتركوا الحكم لغيرهم..ويعتبر أهم تقييم لحسن مكي بأن السودان يشهد نهاية الحلف الذي أسس الدولة السنارية بين عمارة دنقس وعبد الله جماع .. أما الترابي وتلامذته فآراؤهم قبل المفاصلة ناقضت ما بعدها..على الأقل في أدبياتهم المنشورة بصرف النظر عن مواقفهم داخل الحزب الذي اسسوه..وإذا كان كل هؤلاء ممن عبروا عن خيبة املهم في التجربة..فإن في المقلب الآخر نفر ما زال ينافح عنها..وأبرز هؤلاء هو خالد موسى دفع الله ..في مقاله المعنون( الانقاذ في عشريتها الثالثة..خاتمة مشروع اليمين السياسي في السودان) بموقع الغراء سودانايل التي نحمد الله على عودتها ونهنؤها على ذلك...والذي يكاد أن يماثل حكمه على تجربة الإنقاذ مواقف المتحدثين بنهاية التاريخ من المعجبين بنظامهم الرأسمالي قبل أن يتضح خطل رأيهم..ففي المقال المذكور يجير كل تجربة الانقاذ لصالح البشير ..باعتباره الثابت عبر حقبتين سابقتبن والمنفرد بالثالثة ..فهو مشارك للترابي في الأولى بخصائصها ومتحالف مع أعداء شيخه من السلفيين بعد المفاصلة قبل أن تكون الكاريزما هي المجبرة لحركته وحزبه على الاستثمار فيها للفوز في الانتخابات الأخيرة..ويلاحظ هنا أنه برغم العنوان ..المركز على المشروع السياسي الذي كان له حملته على مر تاريخ الاسلامويين..فإنه يعيد كل الأمر إلى الرئيس وشخصيته..والذي يجعل التحدي الأساسى الذي يواجهه هو المقدرة على نقل السلطة لجيل آخر بسلاسة..والذي يراه المعضلة التي فشل في التعامل معها صدام والأسد والقذافي..وبذا بطريقة غير مباشرة..يصل للحقيقة التي يحاول أن يتجاهلها عمداً والتي صدع بهار صفاؤه عن الديكتاتورية حيث أن كل من ذكرهم في الواقع هم قمة الديكتاتورية التي وصمت النظام العربي للعقود الماضية ..أما التحدي نفسه فالمعني به هو تسليم الأمر بسلاسة لجيل آخر من الاسلامويين..وإن نجح فيبقى مميزاً عن مماثليه يذكره التاريخ ..فأي ميكافيلية هذه التي لا تدين التجربة ولا الوسيلة كما فعل رصفاؤه ؟ وهو يتحرك هنا من فرضية تضع التجربة في مقام الصالحة للاستمرار لعقود ويكفي أن أنقل النص التالي بكامل لإبراز الموقف من زواياه الفكرية والسياسية والأخلاقية(/ ولكن سيجري حكم التاريخ علي انه غير وجه السياسة في السودان للأبد باعتباره اول رمز للإسلام السياسي في العالم السني وخاتمة المشروع السياسي لليمين السوداني في السياسة والحكم، بما يعني ان حكم الإنقاذ قد دفع بأجندة اليمين السياسي الي نهاياتها المنطقية ومنح تحالفات وتشكيلات اليمين المحافظ في السياسة السودانية من مجموعات دينية وأحزاب وطنية وكتل اجتماعية القوة السياسية والتجربة العملية والقاعدة الشعبية والقدرة والطاقة الحيوية للمحافظة علي السلطة ومواصلة التأثير علي تشكيلة الحكم لعقود طويلة قادمة. ولا توجد ترجيحات موضوعية لتغيير هذه المعادلة إلا بتفكيك هذا التحالف بالقوة الجبرية من غزو خارجي او نصر عسكري حاسم وهو امر مستبعد. وسيضفى التاريخ علي الرئيس البشير لقب أطول الحكام مكثا في كرسى الرئاسة، وانه حافظ علي كيان الدولة السودانية في ظروف بالغة التعقيد انهارت بأسبابها دول أشد رسوخًا في أسس الدولة والمجتمع والسياسة من السودان، ) وعلى هذا المنوال يصير احترام قرار الانفصال من أهم انجازاته التي وعت أن الجنوب هو العلة الأساسية التي أقعدت وكانت ستقعد الدولة السودانية مستدلاً بالصراع في دولة الجنوب..ويماثل موقفه هنا موقف الطيب مصطفى وحزبه.. وتتواصل الآراء حتى يصل إلى قضيه الرفاه الإقتصادي ..فيقع على رأي علي عثمان وقع الحافر بالحافر..عن قفة الملاح وإليكم ما سطره(لكن الذي يهمنا في هذا المقال ليس تحقيق دولة الرفاه الاقتصادي رغم انها الحلم الذي يتطلع اليه الجميع ،ولا الإكتفاء بتحقيق السلام هو مطلب عزيز وأساسي لن تستقر أركان الدولة والحكم دونه، لكن اهم عامل علي الإطلاق سيحكم علي فترة حكم الإنقاذ عامة والرئيس البشير شخصيا هو تمكنه من نقل السلطة بصورة سلسة دون عنف او دماء او فوضي الي جيل جديد. ومهما عظمت إنجازات الإنقاذ في السياسة والاقتصاد والخدمات والمجتمع لكن سيظل موئل النجاح هو نقل السلطة بصورة سلسة دون فوضي او اضطرابات الي جيل جديد.) والجيل الجديد من سياق المقال هو من التيار الاسلامي وتحالفاته..فيظل المشروع الحضاري مقدماً على الرفاه الاقتصادي..والسلام فتأمل. لكن السؤال الأساسي ..إن كان في الرئيس كل الرجاء..فلماذا فشل في خلق الجيل الجديد والقيادة البديلة طوال عقدين من الحكم؟ وكيف جاز أن تكون المداواة بالتي كانت هي الداء؟ وإلام شخصنة الأمور وكنا قد ظننا أننا فارقنا عهد التغني للقائد الملهم منذ انتفاضة أبريل المجيدة لكن السؤال الذي نختم به ..هو ما عنونا به هذا المقال ..في ظل تباينات التقييم بين المفكرين الاسلامويين ....على من يطلقون الرصاص؟ [email protected]