في السادس من آب تم افتتاح تفريعة قناة السويس الجديدة .. صحب ذلك المهرجانات الضخمة في الأقوال والتهليل في جميع القنوات وأعمدة الصحف ،إضافة إلى استعدادات ضخمة في الجيش والشرطة وعلى كافة أصعدة وزارتي الدفاع والداخلية وكذا الإعلام .لأننا أمام الحدث الكبير الذي سيرفع مصر عاليا ..وان تنفيذ هذه التفريعة يساوي بناء الإهرامات لدي قدماء المصريين !! *وأنني إذ أتحدث عن حفر التفريعة الجديدة لقناة السويس وقد سبقتها تفريعات من قبل ،لا أدخل في تفصيلات طولها وعمقها وما يمكن ان تدره على بلد منهك وفقير ، يحتاج إلى مليارات المليارات حتي* يستطيع أن يرتقي بمواطنه المسحوق في القاهرة وكذا في الأرياف والقرى البعيدة ، بلد يحتاج إلى كتل من الخدمات على كل المستويات أقلها توفير مياه الشرب النظيفة ..والاكل الخالي من المواد السامة ، فمصر تعاني من الأمراض بصورة مرعية ومخيقة .. فهل تفريعة قناة االسويس ستفكك جبال المعاناة والمشاكل والهموم ؟! الحديث عن تفريعة قناة السويس ياخذنا الى المشاريع الوهمية التخديرية في الوطن العربي ..فما أكثر هذه المشاريع التي لم تسمن ولم تغن من جوع ..مشاريع يصحبها الضجيج الآعلامي بصورة لا تصدق ،وصرف بذخي يكفي لحلحلة مشاكل بعض الفئات المسحوقة بالمعاناة وبالهموم والسموم .. الضجة والتهليل والصراخ والتهويل إنما تصب في صالح تلميع رئيس لا يستطيع أو ربما لا يريد ان يحل أي مشكلة من المشاكل ولا أن يفتح أي ياب للديمقراطية .. فيبدا فريق التسويق معه ليطرح أي مشروع يتم تسويقه لصالح الرئيس حتى يتخدر الشعب ويعيش الأماني السندسية بالوظيفة والعلاج المجاني المتكامل وتحسين الخدمات ..وتمر السنوات وإذا بكل الذي جرى من ضجة إعلام وتسويق إنما هو هباء منثورا ..وان المشروع الذي قدم لم يأخد البلد إلى أي تطور أو تقدم أو نماء .. وإن رجعنا للوراء خمسين عاما حينما تم إنشاء السد العالي ..وما تم تسويقه لصالح الرئيس جمال عبد الناصر ..فكأنما هو المنقذ لاقتصاد مصر ..وإن مما قيل من كلمات فضفاضة وامال خادعة ليجعلك تعتقد ان مصر صارت دولة صناعية كبرى على قرار دول العالم الاول ..فكابلات الانارة وصلت لكل القرى الهجر وان الماء النظيف ينساب* سلسبيلا عبر شيكات المياه ..المصانع الكبرى دارت عجلة الانتاج فيها ..ولكنك تصدم عندما ترى السد عبارة عن بناء عال ضخم في تكلفة إنشائه هزيل في مردوده ..وإذا كل هذا الضجيج قد ذهب مع الريح ..وإنك ما إن تخرج من أسوان وحتى أسيوط لا تلقى أي مشروع يشير إلى آثار ما تركه السد في حياة المصريين ..واليوم فكأن المصريين يبدأون من الصفر ليدخلوا في مشروع جديد ياخذهم من العنت والفقر والأمراض والعشوائيات والفرقة والشتات !! ثم نذهب بعد السد العالي لندخل في مشروع توشكي الزراعي ..هل قدم للمصريين شيئا ..وهل نجح المشروع أصلا لينهض على قدميه .. وقد تم التسويق له على أنه مشروع قومي ضخم يقدم مليوني فرصة عمل ويعمل على توطين 16مليون مواطن باسرهم ..وتمضي الايام فإذا المشروع الضخم والذي كانت تكاليف إنشائه تتراوح بين70الى 100مليار دولار أمريكي ،يفشل وتتقلص المساحة المخصصة له إلى حوالي 2% ؟!! أصبح إضافة فعلية إلى المشاريع الضخمة المتبخرة والمتناثرة في الهواء ..أما اصحاب التهليل والتطبيل والتضليل التلميع للقائد ،ليظل على ااكرسي ..فقد اثروا .. ويا ليت القائد الهمام يعمل بصمت لنرى آثار ما قدم ولكن تطول مدته فوق رؤوسنا بلا فائدة ..وإذا به قد اصبح من أصحاب المليارات والثروات والعقارات .. ولك أن تراجع سيرة مبارك وزوجته وأولاده ، وبن على وزوجته وأهلها ، والقذافي واولاده ، وأمضي إلى البشير وأعوانه وزوجاته وإخوانه .. وإذا استرسلنا في موضوع المشاريع الضخمة سنصل إلى مشاريع الإنقاذ الوهمية بدءا بطريق الانقاذ الغربي وليس انتهاء بسد مروي .. فسد مروي الذي سمعنا فيه معلقات من المديح والتهويل والتهليل ..وإنك إذ تسمع ذلك يخيل إليك أن السودان عاد سلة غذاء العالم ..وأن كل القرى والمدن مضاءة وأن فاتورة الكهرباء صارت في ادنى مستوياتها ، وصار السودان من الدول الصناعية الكبرى ويتاكد لك ذلك -ان كنت من الحالمين-بما تراه من ميزانيات ضخمة وقروض ربوية صرفت علي السد ..و لكنك بعد أعوام قليلة من بدء تشغيل السد ترى الكهرباء لا تزال تواصل مسلسل القطوعات الكبيرة ..وان الحكومة تتجه لزيادة تعرفتها 100% ..وأن المياه اصبحت مأساة اخرى تضرب المواطن ..مواطن الخرطوم وليس القرى البعيدة فحسب .. ولك أن تسال أين تلك الكلمات الضخمة من أفواه المروجين للمشروع فقد قال البشير أن سد مروي أهم إهرامات السودان ..وهو أهم مشروع تنموي في تأريخ السودان الحديث ،كما قال عوض الجاز -وزير الطاقة حينها-وأهم من البترول ..وغيرها الكثير مما لا يسمح المجال بذكره ..ونحن لا نأكل من هذه الترويجات ولا ننخدع باي مواد تجميلية لصنع مكياج لنظام سيء سارق..فآه ثم آه من التخدير والوهم .. ولك ان تنطلق إلى أضخم مشروع تخديري* ألا وهو مشروع النهر الصناعي العظيم ..والذي قيل فيه ما قيل من الكلمات الرنانة ..فهو الذي سينقل خمسة ملايين متر مكعب من المياه الجوفية المخزونة في الصحراء جنوب الجماهيرية ،ليروي 185 ألف هكتار وتربية مليوني رأي من الغنم وربع مليون رأس من البقر وإقامة ألف مزرعة ..وقد روج للنهر الصناعي العظيم بانه مخاوبة تاريخية جادة ومواجهة جريئة لتحديات عصر الصراعات المائية وحروب الغذاء ،وبأنه آخر المحاولات لإنفاذ الحياة ! وبأنه سيحيل الصحراء الليبية إلى جنة خضراء كعلمها الأخضر ! رويدا رويدا تكشفت الحقائق بأن تكلفة المشروع من اكبر تكاليف المشاريع التنموية في العالم وأن التكلفة الاحمالية تقدر ب 35مليار دولار أمريكي -وهو رقم ضخم جدا بحسابات تلك الفترة - على ان يكون التمويل من الخزانة العامة وعلى إثر ذلك خفضت ميزانيات الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي وفرضت رسوم اضافية على المواطنين ..وقبل ان يكتمل المشروع بدات بوادر الفشل بتشقق الأنابيب الناقلة للمياة وصدأ المضخات ..والمضحك حد البكاء أن القذافي تنصل عن المشروع ..وكان أن قدم شهادة الوفاة للمشروع بقوله : المشروع مشروعكم وهو مشروع فاشل ،وقد سبق ان نصحتكم دون فايدة؟!!** وقبض الناس الريح ..فلا مشروع النهر تم ولا بقيت المياه الجوفية بارضهم ... وباختيار ثلاث دول لا نحصر المشاريع الوهمية التخديرية فيها ولكن نقدمها كنموذج لما استخدمه الطغاة في عالمنا العربي لتكريس استبداهم ..سوقوا لمشاريع وهمية بتكاليف ذات أرقام فلكية ،يشترون بها ولاء الناس وصمتهم على نزواتهم التي لا حدود لها ..وليس أسوأ من اختلاط الأمل بالوهم لدي العامة ففيه من السذاجة ما تضيع معه كثير من جهود الاصلاح سدى ..وفيه من الغباء ما يمهد طريق الاستبداد للطغاة .. (العربي الجديد) [email protected]