بسم الله الرحمن الرحيم تشخيص و روشته السير/ روبرت هاو للسودان والسودانيين في خطبته الأخيرة عزيزي القارئ هذا جزء من خطاب السير" روبرت هاو " آخر حاكم عام للسودان خلال حفل وداعه : "إنكم أيها السودانيون (شعوب مختلفة) في شمال البلاد وجنوبها، وفي غرب البلاد وشرقها. شعوب ذات (أصول) مختلفة و(عادات) متباينة. وهذه الاختلافات قد تمثل (نقطة قوة)، وقد تمثل في ذات الوقت (نقطة ضعف). وقد تمثل نقطة قوة إذ أن (التنوع يولد حيوية عظيمة)، وقد تمثل نقطة ضعف، إذ أنها قد تفضي إلى (نزاعات مدمرة). وأود أن الفت نظركم في كلمتي القصيرة هذه إلى اختلافات شعوب السودان. لقد كان من حسن حظي أن تشرفت بقيادة الحكم في هذا البلاد (لأعوام ثمانية) كانت هي أخصب سنوات البلاد، وأكثرها غِنىً بالأحداث التاريخية الهامة. و أتيحت لي في سنواتي زيارة كل مناطق السودان عدا منطقة "الناصر" و "البيبور"، وأدراك مدى اتساع الاختلافات والفروقات بين شعوب السودان في مناطقه المختلفة إدراكا تامّاً. وأستطيع القول هنا إن (هذه الاختلافات والفروقات) هي مصدر (تحدي) كبير للبلاد وحيويتها، و(ستظل كذلك) في ما يقبل من سنوات. وتتطلب (مواجهة) هذه التحديات (التزاما صارما ينبذ الأنانية) من أجل تحقيق هدف مشترك هو (التنمية الشاملة) للأمة السودانية (بكل مكوناتها)، وأكرر هنا وأؤكد على "كل مكوناتها". ولابد من (توفر أكبر قدر من المهنية والتجرد وسلامة المقصد عند الجهات الحكومية والإدارية) عند مواجهة هذه الاختلافات بين شعوب السودان. ويتطلب حل المشاكل المترتبة على هذه الاختلافات قدرا كبيرا من (الحنكة والفهم والتسامح )." هزتني هذه الخطبة القصيرة من أعماقي. أشعرتني بأننا جميعا (خونة) وأغبياء وأنانيون وفاشلون اداريا وضعاف فكريا!!! كيف لرجل أجنبي حكمنا و عاش بيننا ثمان سنوات فقط أن يفهم كل شيء عنا ويحلل ويشخص تشخيصا دقيقا جدا حالتنا أثناء وجوده ومستقبليا ويكتب لنا وصفة (روشتة) بهذه الدقة منذ أكثر من 60 عاما، رغما عن ذلك نقبع ضمن أكثر الدول فشلا حكومة وشعبا. يذكرني ذلك (بالطالب الخائب) الذي سلمت له الاجابات النموذجية أثناء الامتحان وطلب منه نسخها كما هي، وأصر على أن يكتب من رأسه وهو يعرف أن اجاباته كلها لا تستحق حتى الصفر. الرجل اعترف بأننا كسودانيين نتكون من عدة شعوب مختلفة، ذات أصول مختلفة وعادات متباينة في ذلك الوقت. كما قال أنها قد تشكل تحدي لسنوات قادمات، عليه نصحنا بأن نلتزم التزاما صارما بنبذ الأنانية مع التنمية الشاملة لكل مكونات الدولة ، وكررها، وركز على المهنية والتجرد وسلامة المقصد مخاطبا الجهات (الحكومية والادارية) مع التسلح بالحكمة والفهم والتسامح. هذه الأسطر الأربعة أعلاه هي روشته الخروج من كل مشاكل السودان والسودانيين، وتستحق أن نتخذها مقدمة لدستورنا (الدائم). وتستحق أن تكون الديباجة الأساسية لدستور أي حزب ونظامه الأساسي. فان لم نأخذ بها بعد الاستقلال لسبب أو لآخر، فما هو عذرنا الآن بعد 60 عاما من الاستقلال؟ هل لأننا لم نقتنع بها؟ أم هي تشخيص خاطئ وروشتة غير مناسبة لأمراضنا؟ أم عناد ومكابرة كالعادة؟ أم لأنها أتت من المستعمر الخواجة؟ هل نحن أكثر (تعددية) من ناحية الأعراق من الولاياتالمتحدة التي جاءت بسكان من أكثر من 200 دولة، وكل دولة من هذه الدول في الأصل بها عرقيات تتراوح ما بين 5 الي 500. كمثال، السودانيين بالولاياتالمتحدة أو انجلترا أو أي من دول المهجر ينتمون الي كل قبائل السودان التي يقال انها تفوق 500 قبيلة، وأكثر من 300 لهجة، وثقافات متعددة ومختلفة. لكنهم هناك هم سودانيون وأمريكان ولا توجد خلافات أو تباينات بينهم، وبينهم وبين بقية الأجناس المكونة للولايات المتحدة أو المملكة المتحدة أو استراليا ونيوزيلاند. بل التنوع بالولاياتالمتحدةواستراليا وكندا ونيوزيلاند هو سبب رئيسي من أسباب قوتها وتنوع ثقافاتها وعلومها مع أنها دول بلا تاريخ!!! الكثير من دول الجوار الافريقية تشبهنا في كل ما جاء أعلاه، لكنها بدون روشته هاو توصلت الي ما تريد بحكمة حكمائها وحنكتهم وارادة شعوبها والتخلص من الأنانية، وأقرب مثال هو دولة جنوب افريقيا في عهد الحكيم نيلسون مانديلا. أن كنا نجد العذر لحكامنا في ربع القرن الأول بعد الاستقلال (لسبب أو لآخر)، فما عذر الذين أتوا من بعدهم؟ وما عذر من حكمونا 26 عاما وتبقى لهم خمسة أعوام أخرى؟ فقد اصبح المناخ أفضل مما كان عليه أثناء العقود الثلاثة الأولى بعد الاستقلال نتيجة التداخل بين الشعوب (القبائل) والتزاوج والمصاهرة والتعليم والانفتاح على العالم والاعلام المكثف وتوفر سبل المواصلات والاتصالات مما قرب بين الجميع. فالتعليم توسع وعلى اعلى المستويات ، وأصبحت الجامعات والكليات في كل مدينة وقرية. هل السبب هو الحكومات، وعدم اعترافها بوجود التنوع والاختلافات؟ أم أنها لم تعرف كيف تحدد هذه التنوعات والاختلافات بدقة تجعلها تستطيع أن تتعامل مع كل منها بالطريقة المناسبة و تستغلها الاستغلال الأمثل؟ أم أن السبب الرئيسي هو عدم تعاملها بحكمة وفهم وتسامح؟ وان كان هذا الأخير هو السبب، فمصيبتنا كبيرة. أين من ندعي بأنهم حكماء السودان؟ أين ساستنا المحترفين منهم والأكاديميين؟ لماذا لا نتسامح ونحن ندعي بأننا مسلمون ومسيحيون؟ أم هي شعائر فقط ولا مكان لها على أرض الواقع (تجارة دينية)!!! هل كان للاعتماد علي القوة المسلحة، كإحدى الحلول السودانية التقليدية والعقيمة والمعروف نتيجتها مسبقا، الدور الأساسي فيما نحن عليه الآن؟ فجيشنا لم ينعم بالسلم أو الهدنة منذ الاستقلال حتى تاريخه وأنهكه السياسيون بحروب لن ولم نحصد منها سوى الخراب مثل ما حدث من فصل للجنوب والمشاكل بالمناطق الثلاث المعروفة نتيجة عدم التزامنا بنصيحة روبرت هاو (بالتنمية الشاملة) لكل المكونات والتي كررها مرتين!!! ونتيجة لعدم تعامل السلطات الحاكمة بحكمة وفهم وتسامح. الآن، هل نراجع هذه الخطبة القصيرة حكومة وأحزاب وفصائل محاربة ومواطنين من أجل الوطن وبحكمة وبصدق مع بعضنا البعض ومع أنفسنا. يجب أن نقرر هل كانت وصفة روبرت هاو وصفة تأخر استخدامها؟ أم لا زال لدينا الفرصة لتطبيقها لإنقاذ ما يمكن انقاذه؟ وعلى رأس هذه المطلوبات السودان الذي يجمعنا، وهويتنا التي هي سودانيتنا، ونطبق (عدل) الله فينا، وهو مخرجنا من كل أزماتنا التي هي من فعلنا نحن وبأيدينا مع الاصرار والترصد. فلنحب بعضنا البعض أولا، ويجب أن يلجأ حكامنا الي (الحلم والرأفة) حيث أن الله يحب الامام الرحيم الرؤوف، ونحتكم للحكمة، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا. بالمناسبة الحوار بطريقته المقترحة أتوقع أن تكون نتيجته صفر كبير، وقد يؤدي الي تفاقم الأزمات. أللهم نسألك اللطف (آمين).