لا اقول هذا الكلام سخرية أو حسدا – لا سمح الله - وإنما تأكيد لحقيقة يشهد لها العالم ولشعور (بالغبطة) المشروعة. صحيح، ما أؤمن به هو أن يأتى يوم يكون فيه الكون كله متحاب ومتآخ لا فرق فيه بين الناس ولا تمييز بسبب الدين أو الثقافة اللون أو النوع، بمعنى أن يهدى الله (الدواعش) كبارهم وصغارهم الذين قبحوا وجه الدنيا بسلوكياتهم الدموية والعنصرية يظنون وأهمين أن رب العزة راض عنهم وهو القائل فى محكم تنزيله (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون). لكن .. وحتى ياتى ذلك اليوم الذى هو آت لا محالة، فإنى اشعر بعلاقة (خاصة) تربطنا بالشعب الأثيوبى، بل أشعر (يقينا) بأننا كنا فى يوم من الايام شعب واحد، يظهر ذلك فى العديد من الصفات (المشتركة) .. قلت لأحد الأصدقاء ذات مرة إذا ذهبت لإثيوبيا فسوف تكتشف بأن أى سودانى تعرفه له (قرين) أقصد شبيها فى ذلك البلد والعكس هو الصحيح. قد لا يعلم البعض أن النظام القائم فى السودان (الآن) الذى ارجع بلده (للقرون) الوسطى، وعذب شعبه واهانه واذله واباد منه الملايين وشرد اضعافهم، واضاع كل شئ جميل فيه، الخبرات والكفاءات والتعليم والزراعة والثقافة والرياضة والقيم والأخلاق، كان له دور مهم، فى الإطاحة بنظام الجنرال (منقستو) ودعم الثوار الأثيوبيين بقيادة الرئيس الراحل (ملس زيناوى). كنا فى اثيوبيا فى منتصف التسعينات وكان لنا صديق تربطه صلة قربى بسفير النظام السودانى وقتها فى أديس ابابا، حكى لنا قصة لا أدرى إن كانت صحيحة أم لا، قال فيها أن سائق (السفير) اثيوبى كبير فى السن عمل فى السفارة السودانية لسنوات عديدة، وهو يجيد التحدث باللغة العربية، قال (للسفير)، خلال الأيام الأولى من سقوط نظام الجنرال (منقستو) وهروبه الى (زيمبابوى)، سعادتك لقد زرت عددا من المسئولين الجدد، لكنك لم تطلب منى أن اذهب بك لزيارة رئيس الدولة! وقتها كان دكتور اسمه (نقستو جداده) وهو ينتمى لأثنية (الأرومو) لأنها القبيلة الأكثر عددا بين مكونات الشعب الأثيوبى، لذلك تم أنتخابه كرئيس (شرفى) لأن السلطات الأساسية تتركز فى يد رئيس الوزراء، بمعنى أن النظام (برلمانى). فقال لى ذلك الصديق، رد عليه (السفير) قائلا: ((أنا من قمت بتوصيل الرئيس الأثيوبى الى رفاقه، خلال ايام الثورة الأولى وقبل سقوط نظام (منقستو) بصور كاملة، ولا أظنه يعاتبنى فى عدم زيارتى له)). الشاهد فى الأمر ذلك هو الحال فى حوالى عام 1991، وكان فى اثيوبيا وقتها حوالى 3 بنوك وطنية فقط. انظر الحال الآن وقارنه بما يجرى فى السودان .. واثيوبيا يقترب عدد سكانها من 100 مليون نسمة. قبل عدة سنوات كان أحتياطى (اثيوبيا) من العملات الصعبة حوالى 15 مليار دولارا وهى تنفق فى التنمية وفى تشييد السد الذى يتعاملون معه كقضية وطنية عليا، من المؤكد أن ذلك الإحتياطى قد ارتفع الى معدلات أعلى، فى وقت يشكو فيه السودان من شح العملات الصعبة، مثلما يشكو من ندرة المياه وإنقطاع الكهرباء. قبل عدة اشهر تم تدشين (المترو) لكى يغطى مدينة أديس ابابا كلها ومن زار أديس ابابا يعرف كيف انها ذات تضاريس مرهقة ومعقدة، تجعل تنفيذ مثل ذلك المشروع انجازا يصل لدرجة تحقيق (معجزة) والسودان أراضيه مسطحه ومنبسطة .. والخرطوم من أوئل المدن فى المنطقة التى عرفت (الترام)، لكن (السمسمرة) والعمولات وما يعود من عملية شراء (البصات) – بالكمية - لا يجعل مسئولا يفكر فى إعادة ذلك الترام، حتى لو فى العاصمة الخرطوم وحدها. كانت اثيوبيا قبل فترة تصدر (اللحوم) لمصر بالطائرات، وبسعر مغر لا يستطيع أن يقدمه السودان الأكثر قربا لمصر والأقل تكلفة فى جانب الترحيل، دليلا على توفر اللحوم فى اثيوبيا وإهتمام الدولة بعملية التصدير، أعتقد لم يتوقف تصدير اللحوم لشحها أو بسبب زيادة تكلفتها، وإنما بسبب الخلافات السياسية مع مصر، التى زادت حدتها بعد مضى (أثيوبيا) قدما فى تشييد (سد النهضة). الآن لإثيوبيا شركة طيران، إذا لم تكن هى الأولى افريقيا، فعلى الأقل هى الثانية حيث تصل غالبية العواصم الأفريقية بل والعديد من مطارات العالم، وفى هذا الجانب علينا أن نستحى وأن نطأطئ رؤوسنا، إذا اردنا أن نتحدث عن الخطوط الجوية السودانية أو أن نقارنها مجرد مقارنة بالخطوط الأثيوبية. ومعلوم أن عدد كبير من التجار ورجال الأعمال السودانيين يستثمرون فى اثيوبيا، وقيل أن حجم إستثمارتهم يصل الى حوالى ال 20 مليار دولارا، فما هو السبب الذى جعلهم يهربون من وطنهم ويستثمرون فى دولة مجاورة؟ خبر صغير مكتوب على أحد المواقع أدهشنى وحرضنى على كتابة هذا المقال، تقديرا لذلك الشعب وللنظام الحاكم فيه الذى حقق المعجزات وجعل من دولة كانت (صغيرة)، أن تصبح لها أهمية واضحة فى المنطقة،، يقول ذلك الخبر أن (اثيوبيا) تفكر فى بناء (ميناء) خاص بها فى (السودان)، يعنى لا تفكر أثيوبيا فى (أيجار) ميناء تبنيه الأيادى السودانية فتستفيد منه أثيوبيا وتستخدمه وفى ذات الوقت يدرعائدا جيدا بالعملات الصعبة للسودان، مثلما تقرأ من وقت لآخر، بأن (مصر) مثلا سوف تزرع ملايين الأفدنة فى السودان بدلا من أن يقوم السودان بزراعة تلك الأراضى، ويصدر لمصر ما تحتاجه من منتوجات بسعر مناسب، يرضى (مصر) وشعبها ويستفيد من خلفه المزارع السودانى، ويؤدى الى إعمار مناطق الزراعة وتتوفر المستشفيات فيها والمدارس، ويدر على الخزينة عملات صعبة. ولا زال النظام متشبثا (بالسلطة) .. وبحوار وثبة (البشير) الذى (فش) غبينته فى وجه (عبد الله مسار) .. فإذا بعبد الله مسار، يقبل بتلك الإهانة - ويمسحها - فى وجه السكرتارية ويقول أن كلام (الرئيس) لم يغضبه .. اليس هذا الموقف يعيد قصة الجندى (كاجيولا) الذى اصبح بقدرة قادر (امبراطورا) على عرش روما ، فوصل به (الطغيان) والديكاتورية والجنون أن يأمر أعضاء (البرلمان) بأن يقبلوا حذاءه ، ثم يشكرونه على أنه سمح لهم (بتقبيله) .. ولا زال البعض متمسك (بالبشير) حاكما مطلقا، لا يرى إمكانية أن يحكم السودان رجل أو إمراة أفضل منه، لا تدرى غباءا، أو عباطة أو إرتزاقا .. أما من ناحية (الدين) الذى يخدع به المغرر بهم .. (وهى لله)، فيكفى ندم (يوسف عبد الفتاح) الذى قال: "لوعادت بي الأيام لن أشارك في انقلاب الإنقاذ بعد ما رأيته"!! .. وأضاف "الإسلام بريء من نموذج الإنقاذ". لا يهم إذا كان صادقا أو كاذبا، لكنه على اى حال، لم يكن الإعتراف الوحيد فمن قبل سبقه عدد من (الإنقاذيين) النادمين. تاج السر حسين – [email protected]