النيابة والشرطة والقضاء علاقات تناحر ام تعاون؟ وهل المحامي كبش فداء لكل منهم ؟ (2 -2 ) عبد العزيز التوم ابراهيم وفي معرض تشريحنا للعلاقات للعلاقات الحاكمة بين الأجهزة العدلية في السودان وخاصة الشرطة والنيابة خصلنا الي نتيجة مفادها ان التعقيدات السيكلوجية والاجتماعية بالاضافة للتراكمات التاريخية التي ساهمت في تكوين هذه الأجهزة لها الدور الأكبر علي صعيد الممارسة الوظيفية والسلوك العملي اليوماتي للمشتغلين والعاملين في هذه الاجهزة ،وما حادثة حبس وكيل النيابة بواسطة ضابط الشرطة ! حجة قوية ودليل بارز تعزز صحة حكم الفرضية في مسار العلاقة بين الشرطة والنيابة !. أما العلاقة بين المحاماة والقضاة ربما تكون الأكثر تعقيدا وخطورة لاتصاله المباشر باعتبارات العدالة ، وكما تكمن الخطورة في ان القضاء هي الجهة الوحيدة المنوطة في عملية احداث خلق توازن للمجتمع الذي يحكمه قانون المتناقضات من أجل ابقاء وضمان ووضع هذه المتناقضات بحيث تعمل معا في الجسم الاجتماعي دون ان يتضرر اي طرف من تصرفات الاخر ...وحتي تتولي القضاء هذه المهمة الجبارة لابد لها ان تتسم بالحيادية والاستقلالية والنزاهة ولأهميتها قد أولت الاممالمتحدة الاعتبار الاكبر بوضع مبادئ موجهة لمساعدة دول الاعضاء في تشكيل مبادئ وقواعد لضمان استقلالية وحيادية الانظمة القضائية ، وفي السياق السوداني والانظمة االعسكرية التي تعاقبت علي سدة الحكم وخصوصا نظام الانقاذ له نصيب الاسد في تقويض أسس وبناء النظام القضائي الذي يكتمل بنائه بعد ! حيث قام نظام الانقاذ بفصل الكادر المؤهل تعسفيا عند قيام الانقلاب والاستعاضة عنه بكادر مشبع بشحنات ايدولوجية تدين بالولاء الاعمي للنظام الحاكم ! .....اُبتدعت فكرة المحاكم الخاصة حيث تصفي فيها الخصومات السياسية تحت زيف وقناع العدالة ! ، ومُنح سلطات واسعة لجهاز الأمن في ممارسة الضبط واصدار احكام لاتقل وزناً وقيمةً قوةً والزاماً عن الاحكام التي تصدرها السلطة القضائية !، غياب الرقابة القضائية لكثير من أعمال السلطة التنفيذية التي حصنت نفسها بترسانة من الحصانات امتدت لتشمل حتي اللجان الشعبية ! وفي مثل هذه الظروف انه عصي علي العقل ان يقرر باستقلالية القضاء نظرا علي ان الدستور الانتقالي لسنة 2005 الذي ولد عن طريق ولادة قيصرية ينص في المادة 128 منه ب " مبدأ الاستقلالية " وفي الدستور نفسه ينص علي تكوين المفوضية الوطنية للخدمة القضائية والتي تتولي الادارة العامة للقضاء في السودان علي ان يحدد سلطاتها وصلاحياتها بالقانون ، وتفحصا للمفوضية الوطنية للخدمة القضائية المنشاة بموجب قانون الخدمة القضائية الوطنية لسنة 2005 نري عدم وجود ما يشير علي انه جهاز معني باستقلالية القضاء بل انحصرت دورها فقط في تقديم التوصيات ! علي الرغم من أن الفلسفة من وراء قيامها هي ان تعمل كهيئة اشرافية علي عمل القضاء وتحقق علي الاصلاح والاستقلال القضائي حتي يستطيع ان يطور أدوار جديدة يستوعب الاحكام الدستورية لاصلاح القضاء! وبتنزيل ذات المعضلة المذكورة آنفا والتي اعترت كل اجهزة الدولة فنجد ان القاضي رغم ادراكه التام ان المحكمة في اي نظام عدلي تتكون في قاض وأطراف(الخصوم) ومحامي، وان المحامي يلعب دور محوريا في ارساء قيم العدالة وذلك بتذكيره دائما للمحكمة بمكامن القصور وخاصة في حالة عدم اعمال تطبيق القانون تطبيقا سليما او خطا في الاجراءات.....الخ كما يدرك القاضي انه والمحامي هما جناحا العدالة يعملا جنبا الي جنب في سبيل اظهار الحقائق وكشف الشبهات حتي تأتي الاحكام معبرة عن نصرة الحق ورفع الظلم وحماية الحقوق وصولا لعلياء العدالة ....... وكما يعلم القاضي ان قانون المحاماة لسنة 1983 يمنح اي محامي مقيد في سجل المحامين حصانة كاملة متي ظهر أمام اي محكمة سواء بصفته كمحامي او اي صفة أخري ،وفي الوقت ذاته حدد أجراءات محاسبة المحامي عند صدور اي فعل منه يشكل اخلالا بواجباته المهنية والجهة التي تتولي نظر الادعاء هي مجلس محاسبة المحامين ........ كما يدرك القاضي جيدا انه لا يجوز طرد اي محامي أثناء مباشرة عمله من قاعة المحكمة علي حسب القانون ذاته بتعديل 2014..... وكما يدرك القاضي وعلي حسب قواعد السلوك المنظمة لعمله علي الا يستقل القاضي سلطته او نفوذه لجلب لنفسه منفعة او دفع مفسدة ،كما لا او له فيها مصلحة ،اي الا يتولي النظر في اي دعوي يكون هو طرفا فيه....... ومع علمه بذلك كله ...لماذا يريد القاضي ان يجعل من المحكمة مسرحا يتحكم فيها هو بنفسه وينصب نفسه بطلاً لها !!! وفي كل الحواداث الشاذة التي ظهرت وذلك بمخالفة صريحة لنصوص القانون واجهاض للعدالة يؤكد بؤس وعقم هذه العلاقة !!! حيث تعرض عدد من المحامين لاحكام بالغرامة والسجن والاعتداء الجسدي أثناء تأدية عملهم بالمحاكم !!! ولا يعقل منطقا وعقلا ان يامر القاضي الشرطة لضرب واهانة زميله الذي كان يشاركه في مقاعد الدراسة بكليات القانون لاخراجة من قاعة المحكمة !حقا لم نسمع بمثل هذا السلوك الا في زمن الانقاذ الذي دُمرت فيه كل القيم ! وما حادثة الاستاذ خالد ابو عرب الذي كُسر يده بواسطة شرطة محكمة شرق النيل بأمر من القضي تظل وسمة عار في جبين العدالة السودانية !!! وكذلك حبس الاستاذ" سمير مكين" والعشرات بمثل هذه الحالات ...ولا يمكن تفسير مثل هذه السلوكيات الا باعتبارها مشروعا اجراميا منظما يستهدف اسكات الصوت الحر الذي لم يرضخ ولم ينكسر لجبروت الانظمة الشمولية ....تظل الحقيقة هي الحقيقة مهما تطاولوا عليها وعمل مدبرو الزيف والخداع لتشويهها ..انها الحقيقة ! [email protected]