مدخل: لا نجد مفهوم الوعي الجيني في أي من الفلسفات التي تحدثت عن الإنسانية وتحديدا الفلسفة الغربية، ورغم ظهور اثر الوعي الجيني في كثير من السلوكيات الإنسانية إلا ان الفلسفة الغربية أرجعته إلى مفهوم الطبيعة الإنسانية قياسا على مفهوم الطبيعة البيئة والحيوانية، ونظرت النخب إلى مفهوم الطبيعة الإنسانية على انها تمثل عناصر البقاء الأساسية، اما السلوكيات الاجتماعية والمدنية فقد تم ردها إلى مفهوم التنشئة الاجتماعية التي تحول الفرد إلى عضو اجتماعي أو مدني. ماهية الوعي الجيني: الوعي الجيني بمثابة خريطة هوية إنسانية للفرد تمثل وجود ومكانة الفرد داخل مجتمع محدد وتوضح الذات الكلية بالنسبة للفرد وعلاقته ببيئة محددة، فلا يتم توريث الإنسان هويته أو ذاته الكلية فقط من خلال الجينات ولكن يورث كذلك الاستعداد الجيني لاستجابات محددة مع الطبيعة وكذلك الأثر الايجابي والسلبي لتلك البيئة وطريقة التفاعل معها أي تكامل الفرد مع الطبيعة. اذا الوعي الجيني يمثل إنسانية الفرد الاجتماعية والبيئية فتحقيق تلك الإنسانية يأتي من خلال ممارسة ذلك الوعي من خلال المجتمع المحدد والبيئة المحددة، وتتم ممارسة تلك الإنسانية من خلال سلوكيات تؤكد انتماء الفرد إلى مجتمع ما. والوعي الجيني يظهر داخل الفرد من خلال مفهوم ما يسمي بالإحساس أو الشعور، فهو دافع الفرد نحو فعل سلوكي محدد يحقق من خلاله ذلك الإحساس أو الشعور، ولا يمارس الوعي الجيني ككلية ولكن من خلال الأفعال الجزئية التي في محصلتها تتحول إلى فعل كلي واحد يعبر عن الفرد. أدوات الوعي الجيني: يمثل السلوك الأداة الأساسية للوعي الجيني كما يمثل كبت السلوك أداة أخرى ولكنها أداة سلبية، فمن خلال السلوك يحقق الفرد إنسانيته ويظهر ذاته كجزء من كل، وكذلك من خلال السلوك يحاول الفرد الوصول إلى توازن الخريطة الجينية من خلال إظهارها وترجمتها للذات وللكل المجتمعي. فإذا السلوك كرمز لا يحقق الذات الإنسانية فلا وجود لقيمة سلوكية مطابقة لجزء من الوعي الجيني أي لا وجود لما يمكن ان يسمي بالسلوك المثالي الذي يمكنه ان يحقق الإنسانية في كل الأوقات وعند كل المجتمعات فهو لا يمثل قيمة ايجابية أو سلبية في ذاته، فالسلوك يخضع لمتغيرات البيئة والتحولات الاجتماعية ولذلك فهو أيضا يخضع للتحول والتغير. فلا ينظر للسلوك كقيمة كلية ولكن ينظر إليه كوسيط لتحقيق وتأكيد إنسانية فرد داخل كل مجتمعي، إذا ليست القيمة في السلوك ولكن فيما يمكن ان يحققه ذلك السلوك للفرد من حيث التوازن الكلي وتحقيق الإنسانية، فكثيرا ما نتساءل لماذا يمارس فرد ما سلوك خاطئ رغم معرفته بخطئه دون ان ندرك ان الدافع يكمن داخل الوعي الجيني والتوازن الفردي وتحقيق الإنسانية، فالسلوك لا يخضع للعقل وأدواته ولكن يمكن للعقل ان يستوعبه اذا أدرك اثر الوعي الجيني على السلوك المحدد. اثر الوعي الجيني على التحولات الاجتماعية: كانت المجتمعات الإنسانية في مراحلها الأولي في حالة انعزال تام ولذلك كانت الخريطة الجينية للوعي تتواجد مباشرتا اما الفرد في مجتمع محدد الأبعاد ولذلك كان تأكيد الإنسانية لا يحتاج إلى كثير من الممارسة السلوكية، بل ولم يكن هنالك تضاد أو تنافر سلوكي، ونجد ان تلك المجتمعات كما سمتها الانثروبولوجيا بالمجتمعات المتماثلة أو البسيطة، فهي مجتمعات متماثلة ولكن ليس بالفهم البدائي ولكنها متماثلة لان الكل الجيني كان متماثل من حيث القيمة وبالتالي فان مرآة الوعي الجيني وهو السلوك كان يعبر تماما عن ذلك الوعي. ولكن مع التحولات الاجتماعية انتفي ذلك التماثل والذي كان يمثل التكافؤ للكل الجيني أي للكل المجتمعي دون وجود لتراتبية قيمية، فأوجدت التحولات جينات داخل الفرد ارفع من أخرى بناء على التفسير العقلي الذي اخل بتوازن الخريطة الجينية للفرد وبالتالي للكل المجتمعي وكذلك اختفاء الكل المجتمعي الذي كان يتواجد أمام الوعي الجيني، ونجد ان ذلك اوجد تقاطعات داخل الكل المجتمعي نتيجة لعدم تكامل الوعي الجيني حسب إدراك العقل الذي قاد عملية فرز للكل الجيني فعمل على إعلاء بعض الجينات على الأخرى دون إدراك لوحدة الكل الإنساني داخل الفرد أو داخل المجتمع. وهو ما قاد إلى وجود سلوكيات متقاطعة داخل الكل المجتمعي أو من خلال الفرد الواحد الذي نجده يأتي بسلوكيات مختلفة ومتناقضة في بعض الأحيان، وانتفي بالتالي التماثل الذي تراه الانثروبولوجيا نوع من البساطة ولا تدري ان الإنسانية الآن تبحث عن تلك البساطة دون ان تجد لها سبيلا. ونتيجة للبداية الخاطئة للعقل في استيعاب الوعي الجيني واصلت المجتمعات التحولات الاجتماعية ولكن من خلال التحول الأعمى الذي أصبح يقودها من خلال محاولة استيعاب اكبر قدر من الكل المجتمعي، فالسلوك الذي ينتجه المجتمع بناء على التحول الأعمى والذي لا يخضع للعقل والمعقولية بل من الممكن ان يكون مضاد للعقل نجده يمثل السلوك الذي يحافظ في كثير من الأحيان على جزء كبير من الخريطة الجينية للأفراد وتتمسك المجتمعات بذلك السلوك إلى ان تجد البديل الذي يؤدي نفس الدور، وكذلك اوجد الوعي الجيني قوانين ما قبل العقل والمعقولية وهي قوانين الانتماء البيولوجي الظاهر والذي من خلاله أيضا يمارس الوعي بعض سلطته في المحافظة على اثر التكامل الإنساني. اذا مع التحولات بدا يتلاشي الكل المجتمعي الذي يمثل الحقيقية الذاتية للفرد من أمام الوعي الجيني ولم يستطيع العقل ان يعوض ذلك التلاشي من خلال الاستيعاب، فكان الوعي الجيني ينتج السلوكيات التي تحافظ على ما تبقي من ذلك الكل المتمثل أمامه فقط وهي السلوكيات التي تأخذ طابع القيمي والإلزامي، وضاع إحساس الفرد بذاته الكلية نتيجة لاختفائها من أمام الوعي الجيني وعدم تمكن العقل من استيعاب تلك الذات. [email protected]