الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تقارير: القوات المتمردة تتأهب لهجوم في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    طائرات مسيرة تستهدف مقرا للجيش السوداني في مدينة شندي    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جنوب السودان لم ينفصِل طواعِيَة بل أُكْرِهَ على الآنفصال (9)
نشر في الراكوبة يوم 04 - 04 - 2016

للربطِ، إنتهينا فى الجزءِ الثانى من هذه الحلقة إلى أنّ الرئيس جعفر نميرى قد إلتزم بما إشترطه الإخوة الجنوبيين ليلة إعلان إستقلال السودان فى 19 ديسمبر 1955م وتوصّلَ معهم إلى تسويةٍ جيدة هى"اتفاقية اديس أبابا 1972م"، وبدأ بتنفيذها معهم وأٌقِيمت الآليات، وبدأت العلاقات مع دول الجوار تتحسّن. وتأستت قاعدة ثِقة عريضة بين الجنوب والشمال مهَّدَ لقيام دولة سودانية قابلة للحياة على أعمدةِ متينة شملت: اتاحة الحريات، وهُوِيَّة شاملة تُعبِّر عن جميع المواطنين، ومواطنة متساوية، واقتسام عادل للسلطة وتوزيع مُنصِف للثروةِ وأنْ يشاركَ الجميع فى إدارةِ جهازِ الدولة، ونظام حُكم فدرالى سليم، وتنمية البلد فى الجنوب والشمال وإقرار خصوصيات الجنوب.
ولكن، كلَّ هذه الإنجازات دمّرها النميرى بيديِّهِ لما أقدَمَ على اتخاذِ قرارٍ"كارِثة" قسمَ بموجبِه الجنوب إلى ثلاثة أجزاء "وِلايات"! وذلك بالمخالفةِ لنصوصِ وآضحة فى اتفاق أديس أبابا 1972م حول كيفية تعديل نصوص الاتفاقية.
ولكن لا غَرْوَ ولا عجَب، فالنميرى من طينةِ أهلِ المركز الذين جُبِلُوا على نقضِ المواثيقِ والعهود، ومنْ شابَهَ أباهُ فما ظلَمْ!.
وفى نفسِ الشهر(يونيو 1983م) الذى أصدر فيه جعفر نميرى قرار تقسيم الإقليم الجنوبى إلى ثلاثة أجزاء، أعلن دكتور/ جون قرنق ديمبيور، العقيد بالقوات المسلحة السودانية عن تأسيس الجيش الشعبى لتحرير السودان وجناحه السياسى الحركة الشعبية لتحرير السودان من عناصر حركة الأنانيا (2)، وانطلقت الحرب الأهلية الثانية، وكانت تلك هى بداية النهاية لإتفاقية اديس أبابا 1972م، وفى ذاتِ الوقت بداية نهاية السودان الكبير المُمتد من "نِمولى إلى حلفا". فمتى يدرك أهل المركز أنَّ الأوطانَ تُبنَى بالإلتزامِ والمسئولية.
وبعد أربعة أشهر من قيامِ التمرد بقيادة دكتور/ جون قرنق ديمبيور، أعلن الرئيس نميرى عن تطبيق قوانين إسلامية هى قوانين سبتمبر 1983م. تلك القوانين التى قام الأستاذ الشهيد/ محمود محمد طه بنقدِها ومقاومتِها بشِدَّة، فدفعَ حياته ثمناً لمقاومتِه حيثُ أغتاله نميرى وحُلفاؤه الجُدد، شنقاً، فى 18 يناير 1984م.
ولم يتردّد الأستاذ الشهيد/ محمود محمد طه أن يجعلَ آخر كلامه فى هذه الفانية مُرافعةً قوية ورائِعة أمام محكمة جَلَّاده القاضى/ المهلاوى الذى لم تَكّفَ رُكبَتاهُ عن الإرتِجاف طوال وقت المُرافعة التى أمْلَاها عليه الأستاذ شفَاهةً، وآثقاً بنفسه ومشرُوعِه المُنقِذ. وكانت المحاكمةٍ قصيرة فى جلستين، ولكنَّها تركت أثراً وصِيتاً سيبقى طويلاً. ويجدُر ذِكر أنَّ ممثلَ الاتهام من ديوان النائب العام (وزارة العدل) كان هو المُستشار/ مهدِى بوش. فماذا قال الأستاذ/ محمود محمد طه فى مُرافَعَتِهِ التى لنْ تتكرّرَ مِثلُها فى المستقبلِ القريب؟
قال: (أنا أعلنتُ رأيِّى مِرارَاً، فى قوانينِ سبتمبر83، من أنَّها مُخَالِفَة للشريعَةِ وللإسلامِ.. أكثر من ذلك، فإنَّها شَوَّهت الشريعة وشَوَّهت الإسلام، ونَفّرَت عنه.. يُضافُ إلى ذلك أنَّها وُضِعَتْ، وأٌستُغِلتْ، لإرهابِ الشعب، وسَوْقِه إلى الاستِكانةِ، عن طريق إذلالِه.. ثم إنَّها هدَّدت وُحْدَة البِلاد.. هذا من حيثُ التنظِير.
وأمَّا من حيثُ التطبيق، فإنَّ القضاة الذين يتولّوُنَ المحاكمة تحتَها، غير مؤهلين فنيِّاً، وضَعُفوا أخلاقِياً، عن أنْ يمتنِعُوا، عن أنْ يضعُوا أنفسَهُم تحت سيطرة السلطة التنفيذية، تسْتَعمِلهُم لإضاعَةِ الحقوق وإذلالِ الشعب، وتشوِيِّهِ الإسلام، وإهانَةِ الفِكر والمُفكِرين، وإذلال المُعارضِين السياسيين.. ومن أجلِ ذلك، فإنِّى غير مُستعِد للتعاونِ، مع أىِّ مَحكمة تنَكّرَت لِحُرمَةِ القضاءِ المُستَقِل، ورَضِيتْ أنْ تكوُنَ أداةً من أدواتِ إذلالِ الشعب وإهانَة الفِكر الحُرّ، والتنكيل بالمُعَارضِين السياسيِّين.) إنتهى.
ثُمَّ إشتدَّ الحرب فى الجنوب وتمَّت الإطاحة بحُكمِ الرئيس نميرى فى إبريل 1985م، عبر انتفاضة شعبية(مارس/ أبريل)، وإستلمت السلطة فى السودان حكومة انتقالية من العسكريين والمدنيين بقيادةِ المشير/ عبد الرحمن محمد حسن سوار الدهب.. ولم تكن ردّة فعل الحركة الشعبية تجاه حكومة سوار الدهب ايجابية، لكن تمكّنَ التجمُّع الوطنى للانقاذ الذى قاد الانتفاضة الشعبية من التوصّلِ لاتفاقٍ مع الحركة الشعبية فى إثيوبيا مارس 1986م عُرِفَ باتِفاقِ(كوكادَام).
وإستمرت الحرب الأهلية الثانية حتى يوم 9 يناير 2005م تاريخ توقيع "اتفاق السلام الشامل CPA" فى نيفاشا- كينيا.. الاتفاق الذى تَمَّ فى خاتِمةِ مطافِه انفصال جنوب السودان فى دولةٍ مُستَقِلَّة بإسمِ "جمهورية جنوب السودان" فى يومِ السبت الموافق 9 يوليو2011م.
ملحوظة مُهِمَّة:
اتفاقية اديس أبابا 1972م هى أهمَّ اتفاقيات السلام السودانية. وأرست قواعد، وفِقه، ومرجعيات التفاوض بين الأطراف السودانية/ السودانية لاحِقاً، فى نيفاشا، أبوجا، القاهرة، أسمرا والدوحة، وأخيراً الآنَ فى اديس أبابا مرّة أخرى. فلا يدَّعِى أحد أنّه عرّابَ تفاوض، أو خبيرٌ حاذِق ومُحنّك و"حريف" فى فنونه أكثر من أطرافِ و وُسَطَاء ورآعِينَ، وشُركاء اتفاقية اديس ابابا 1972م.
أقول هذا، والآنَ من يحملون لِواء التفاوض بين حركاتٍ مسلّحة والسلطة الحاكمة فى الخرطوم يُصوِّرُونَ أنفسهم مخلوقاتٍ خارقة يملكُونَ عصا موسى فى فنونِ وحِيلِ التفاوض مع أنهم، فى الطرفين، أفرغَ أدمِغَةً من فؤادِ أم موسى، و أوْهنَ حُجّةً من جناحِ بعُوضة. ويدّعُونَ زِيفاً أنَّهم يُمثّلونَ شُعوبهم، والشعوبُ لهم مُنْكِرُون!. وما ضيِّعَ حقوق الهامش والمركز غيرَ هؤلاءِ الأدعِياء الدجَاجِلة.
وقادة حركات الهامش الذين لا يَملّوُن الذهاب إلى، والعودة من، أديس أبابا و"دبر زيت"، ذهاب وإياب مُستمر بلا هدف أو برنامج أو نتائج، تنطبق على الذين ما زالوا يرْجُونَ مِنهم نَوآلاً، الأية الكريمة فى قولِه تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ(73) سورة الحج.
ثُمَّ، لماذا إنفصلَ جنوب السودان؟
إنفصل الجنوب لأنَّ الرئيس جعفر نميرى الذى توصل مع الجنوبيين لاتفاقٍ نموذجى 1972م لم يكُنْ خالياً من جُرثومةِ أهلِ المركز فى نقضِ المواثيقِ بعد غزْلِهَا.
انفصل الجنوب لأنَّ أهلَ المركز قد جُبِلُوا على العنصريَّةِ والأنانية والهيمنة على كل الدولة السودانية، لا يُراعونَ عهداً ولا ذمَّة.
انفصل الجنوب لأنَّ أنانيةَ أهل المركز وتنظيماته السياسية والعسكرية والإجتماعية المُسيطِرة على المشهدِ السودانى، يختَذِلُون هُوِّية كل أهل السودان فى هُوِّيَتهِم الزائِفة التى تتكون من عنصرين لا غير: العُروبة والإسلام، ويزدَرُونَ ما دون ذلك من تنوّعِ السودان الجغرافى والإثنى والثقافى بما فى ذلك الدين. على أنَّ أهل مركزِ العُروبة فى جزيرة العرب، يزدرُون ويحتقِرُون أهل "مركز" السودان المُلتصِقُونَ بأهدَابِ وجُدُرِ هُوِّيتِهم!! ويلفِظُونَهم كالنَوَاة. لكنَّ إلتصاق مُتماهِىِّ الهُوِّية وخُلعَاءِها بالشخصيةِ التى يتمَاهُونَ فيها هو إلتصاق لا فكاك منه.
إنفصل الجنوب لأنَّ اهلَ المركز يُحبُّونَ أرضَ الجنوب وموارده الطبيعية، ونفطه، ومياه وأسماك النيل الأبيض، وثروته الحيوانية والغابية، لكنَّهم يكرهُون إنسان جنوب السودان وعموم إنسان الهامِش السودانى، ولا يطيقون أنْ يكونوا مواطنين مثلهم فى درجةٍ وآحِدة.
إنفصل الجنوب لأنَّ أهلَ المركز يؤمنون بالمواطنةِ المتدرِّجة ويزودُونَ عنها: هُم فى المقدمة، ثُمَّ المماليك والأرناؤوط والشُوَّام والأرمن وبقية بقايا الأجانب الذين أتى بهم المستعمر الأجنبى، ثم يأتى أبناء الهامش السودانى Indigenous فى الدرجاتِ التالية. وفى أبناءِ الهامش يضع المركز أتباع سيدنا محمد(ص) النبى الخاتم فى مُقدِّمةِ التابعينَ لهم ويليهم بقية المُسلمِين الإبراهيميِّين وهكذا.
إنفصل الجنوب لأنَّ أهلَ المركز قد تثاقفوا وتكوَّن وِجْدَانهم على أنَّهم "عرب" وعلى إنكارِ أمِّهم السودَاء البائنة فى سمْتِهم (هامَتِهم)! ولمَا دانَ لهم حُكم السودان بعد خروج حليفهم الأجنبى، طفقوا يتنكّرُون للسودِ فى السودان يسُومونَهُم سوء العذاب، يريدون نسيانَ الأسود فيهم بأيَّة حال. لذلك تجدهم يكرهونَ السود من أبناءِ السودان، ويشْرُونَ البِيض والبياض بأى ثمن. فنفّرُوا أهل الجنوب لينفصِلوا بنسبة إقتراع 98%!.
والجنوب ليس غنياً بمواردِه الطبيعية فحسب، ولكن بموارده البشرية الضخمة. فأىِّ النساء غير الجنوبيات يلِدْنَ مولانا أبيل ألير وجوزيف لاقو؟ أى النساء غيرَهُنَّ يلِدْنَ العالِم فرانسيس دينق؟ أى النساءِ غيرَهُنَّ يلِدْنَ الظاهرة الكونِيَّة جون قرنق ديمبيور ورفاقِه الميامين؟ وأىِّ النساء غيرَهن يلدْنَ أكولدا مان تير، وبيتر نيوت كوك وتلاميذَهم ميان وول وول، وانطونى/ بيشو فتيا لاقو، وكلمنت؟ أىِّ نساءِ العالَمِين يلِدْنَ إدوارد لينو وجيمس وآنى إيقا وأتيم قرنق وباقان أموم ودينق ألور؟ إنفصل الجنوب لأنَّ أهلَ مركز السودان مصابون بعَمَى الألوان، يستبدلون الجنوب وعموم الهامش بالجنجويد؟ يأتون بهم من أصقاعِ الدُنيا يسكِنُونهم مساكِن السُكّان الأصليون بعد إبادَتِهم وتهجِيرهم لأنَّهم سُود! وبسببِ كُرهِهم لسوادِ لونِهم الظاهر. أهل المركز مُستعدِّوُن لإهلاكِ أنفسهم بإرتكاب كلِّ المُوبِقات إلى حَدِّ جرائم الإبادة والجماعية والتطهير العرقى للقضاءِ على سُودِ البشرة لينسوا الأسودَ السَاكِن فيهم.
إنفصل الجنوب لأنَّ أهلَ المركز مستعدون لدفع أى ثمن لإثباتِ أنَّهم عرب، يكشفون أمتحانات الشهادة السودانية ليس لأبناءِ السودان فى المركز، لكن لأهلِ الشام ومصر والأردن، يتمَسَّحُون بأهدابِهم ليكونُوا عرباً وهاشميِّين! ويستبدِلُون نوابغ مثل فرنسيس دينق بأغبياء لا ينجَحُونَ فى أمتحان الشهادة السودانية إلا بالغِشِ وكشف الغطاء لهم عن مكْنُونِ الأسئلة قبل أوانِها!
إنفصل الجنوب لأنّ إمراةً سوداء، بائعةِ شاى، مثل السيدة/ عوضية كوكو ليست لها قيمة لدى أهلِ المركز سوى أنّها (خادِم) لا تصلح لغير بيع الشاى. ولكنَّ أمريكا الدولة العظمى تنظرُ إليها بعينٍ مُختلفة، تنظر إليها على أنها سيدة عظيمة جداً وإمرأة شجاعة ضمن أشْجَع نساءِ العالم، فتحتفِى وتحتَفِل بها وتكَرِّمُها بجائزةٍ إستلمتها من يدِ وزير خارجية امريكا!! وهى ذات اليد التى يحلمُ بمُصافحتِها رؤوسِ دولة المركز ربعَ قرنٍ ونيف، ولم يظفرُوا بمصافحَتِه ولا برضى أمريكا، ولنْ تظفرَوا ما ظلّوا حاقدين وكارهينَ لأبناء وطنِهم لسوادِ لونهم فقط! وفى تكريم السيدة الجليلة عوضية كوكو لآياتٍ وحِكم كثيرة يا أوُلُو الألباب.
إنفصلَ الجنوب، لأنَّ أهل المركز يحمِلُونَ القُرّآن ويهتفونَ به ولا يعلمُون أحْكَامهُ وحِكَمَه ولا يعقلونه كما حَثّهم الله، هم كالحِمار يحْمِلُ أسفَارَا، وفى سورةِ البقرة آياتٍ بيِّنات:(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)).
إنفصل الجنوب لأنَّ أهلَ المركز ليسوا على إستعدادٍ ليعْقِلُوا القرآن ويتدَبُّروا أياتِه ويتَّعِظوا بقصصِه، فسيدنا يعقوب الذين وردَ ذِكره فى الأياتِ أعلاه "مرَّتين" هو "إسرائيل" وهو بنى بن نبى بن نبى، هو (يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل، الحنِيف، أبو الأنبياء)، وعمّه هو سيدنا إسماعيل بن إبراهيم الخليل الذى رفع قواعد بيت الله مع أبيه إبراهيم. ثُمّ أنَّ يعقوب هو وآلد النبى يوسف وبقية إخوته "الأسباط" الذين نزلت سورة يوسف فى تِبيانِ قصَصِهم العجيبة. وأنَّ اليهود هم شعبُ الله المختار رغم كُفرهم وغلوهم فيه، والكفرُ فى القرآن مُتاحٌ بالمشيئة. ثُمَّ أنَّ اليهودُ هُمْ إخوة العرب ولد إسماعيل عِرقَاً ولحماً ودَمَاً، فهُم جميعاً ولد إبراهيم الخليل!!.. وأهل المركز يقيمون الليل يدعون على أولادِ إبراهيم الخليل المُسلمين الحنفاء، اليهود والنصارى!! يدعون ليل نهار: اللهُّمَ أقتل اليهود والنصارى وأجعلهم وأبناءهم وأموالهم غنيمة (للمسلمين)! دعاء غير مُستجاب طبعاً. فمن أين لأهلِ مركز السودان هذا العداء لمُسلمِين سبقوهم فى الإسلام وجاء القرآن الكريم بتفصيلِ أسْفَارِهم؟ من أين أتى اهل مركز السودان بكراهيةِ وعداءِ اليهود والنصارى، أم إنّهم يتلون القرآن ثُمَّ يخالفونه؟ (لا نُفَرِّقُ بينَ أحدِ من رُسُلِه وقالوا سَمِعْنَا وأطعْنَا...). ومن أين أتى أهل المركز بعبارتِهم التى يكتبونها فى جوازات سفرنا حتى وقتٍ قريب: (كل الدول عدا إسرائل!).. لكُلِّ هذه الجهالات والحَرَج إنفصلَ الجنوب.
انفصل الجنوب لأنَّ نظام "الانقاذ" الحاكِم عندما قفز على حُكمِ البلاد بليل، عشية الخميس المشؤوم 30 يونيو 1989م، صنَّفُوا جنوب السودان "دارَ كُفر"، رُغم أنّهم مسلمون بنصوص آيات سورة البقرة أعلاه!! وقرَّرُوا فتحِهِ جِهادَاً فى سبيلِ الله وضّمِّه للسودان"الدولة المُسلِمة"! وإقتضَى ذلك قتل الجنوبيين وإبادَتِهم وسَبِى نساءِهم وإسترقاقِ أبناءِهم وأخذِ أموالهم غنائمَاً، وقد فعلوا والتاريخ القريب قد شَهِدِ بذلك. فنفّرُوا الجنوبيين فى الإسلامِ وفى السودان، وفى أىِّ شرْعٍ يُبيحُ لأولئِك الأجلاف أنْ يجُوسُوا خلال الديار الجنوبية الآمنة الوَادِعَة، يسُومُونَ الأبرياء العزّل سُوءَ العذاب.
انفصل الجنوب لأنَّ المركز منذُ الإستقلال تخصَّصَ فى سَوْقِ أهلِ الهامش قسراً لبيتِ طاعَتِه، إخضاعاً وتطويعاً ثُمّ إدماجاً، لا يُقِرُّونَ لهم بحقٍ أو ذُمّة. إنفصل الجنوب لأنَّ الجنوبيون ومنذُ أنْ وضعُوا شرطهم للوحدة مع الشمال فى دولة وآحدة عشية إعلان إستقلال السودان فى 19 ديسمبر 1955م لم يتراجعوا عن شرطِهم قيد أنْمُلة. الجنوبيون لم يذوبوا، إلا قليلاً، فى تنظيماتِ أهلِ المركز، ولم يكونوا ملكيِّينَ أكثر من أهلِ المركز مثل بقية أبناء الهامش الذين صاروا أشَدَّ بطشاً بأهلهم من المركز ذات نفسه. أنظر فى فسيفِسَاءِ تنظيمات المركز وستَجِدُ العَجب العُجَاب! المركز يستخدم أبناء الهامش أسوأ إستخدام لتطويع وتركيع وإدماج أهلِهم تحت سلطته. ولن اضربّ مثلاً لأنّى لستُ بحَاجَة، ولا أحْفَلُ بالسيدة التى قررت، مؤخراً، تنفيذ عملية انتحارية لإسكات صوتِ الهامش الرافض للطاعة والتركيعِ والإدماج فى سُلطانِ المركز الذى تعتبره السيدة هو حُكم الله وأمره وشرْعِه فى السودان! كيف نلوم السيدة المسكينة وقد سبقها فى الذى ذهبَتْ اليه من هُمْ أشدَّ منها بأساً بأهلِهم من أبناء الهامش، ومن هم أكثر وَلَآءً للمركز ومشروعه؟! هى أزمة التصُوُّرَاتِ والتَصْوِيرَات فى السودان.
وماذا يساوى مشروع هذه السيدة التى تريد أن تُسْكِتَ صوت الحق والعدل مقابل اولئك الغُلاة الجبَّارِين من أهلِ الإنقاذ أيام غلواءِهم الأولى؟ فالدبَّابين الذين فجَّرُوا أنفسهم فى دبابات التحرير حتى لا تسقط جوبا، ولكنَّ جوبا صارت فى خاتمةِ المطاف عاصمة دولة جنوب السودان!. أولئِكَ الدبابين أغلبَهُم من أبناءِ الهامش المستخدمين من المركز لدرجة بذلِ أرواحِهم رخيصةً لتثبيتِ دولة المركز العنصرية التى تكْرَه أهل الهامش بسبب سوادِ بِشرتِهم.
انفصل الجنوب ليرتاح شعبه من غلِّ وحقدِ وكراهِية وسائلِ إعلام المركز السودانى المُحرِّض دوْمَاً ضد الجنوب وشعبِه، إعلام مركز السودان الذى فرِحَ بإنفصالِ الجنوب فرحاً ذبحُوا له الذبائح (حادثة خال الرئيس وذبح الثور الأسود نموذجاً). ولم يستبينوا أنَّ المال الذى شرُوا به ذلك الثور رمز العنصرية والكراهية والحِقد هو مال نفط الجنوب، فمال تُمور نخِيِّلِهم لا يكفى لممارسةِ كل ذلك الغِل والتشفِّى.
ويجدُر ذكر أنَّ العرب فى مركزِهم لا يكرهون السودانيين ولا الأفارقة السُود، أدعياء العروبة فى مركز السودان هم من لا يطيقون السُود السودانيِّن. وسفير الكويت السيد/ عبد الله السريع قد أقام فى السودان ربعِ قرن، مَكث جُلّه فى جوبا حتى عُرِفَ ب عبد الله جوبا، وأقام فيها مشروعات خدمية مُهِمَّة لصالح أهلِ الجنوب، ومستشفى الأمل للاطفال فى جوبا يقفُ شامخاً يشهد له ولدولة الكويت بإنسانيتهم العالية، والأمثلة عديدة.
لذلك، ردَّ السيد/ باقان اموم على سؤالِ أحد الصحفيين من المركز: ما هو اكثر شىءٍ "ستفتقِدَهُ" لو انفصلَ الجنوب؟ فأجاب أموم بكبرياءٍ شامِخة: (لنْ أفتقدَ شىء! لن أفتقِدَ شىء، لم يترُكُوا شيئاً جميلاً لنفتقِدْهُ). أو كما قال.
انفصل الجنوب، وما زال اهل سودان المركز يعتبرونه ضيعَةً من ضياعِهم، وحقاً من حقوقِهم يتدخلون فى شئونِهِ دون سبب، ويتحدثون فى خصوصياته ما لا يحقَّ لهم الكلام فيه. ما زال هؤلاء يحلَمُونَ فى يقِظتِهم، أنَّ جنوبَ السودان لهم!! اللهُمَّ أجعلهم يلبِثونَ فى سُباتِهم هذا سرْمَدا.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.