مثل شهاب مضيء اختفى عن سمائنا.. ظلّ هناك طيلة سنوات عمره مشرقاً ومتوهجاً وحنوناً وبارّاً بأهله ووالديه وعشيرته الأقربين والأبعدين.. رغم الظلمة ورغم العتمة لم تنطفئ ابتسامته المشرقة والمضيئة، وهو يمزّقه الألم ظلّ يبتسم في وجوه محدّثيه، ومحبيه.. وكان قلب الأب يتمزّق ألماً على هذا الشهاب المضيء الذي بات يخبو بسبب «جرثومة لعينة في الأمعاء». عندما تنهار صحة البيئة وتتراجع الخدمات الطبية ينهار وطن، ويصبح العلاج «بازاراً» كبيراً الذي ينجو منه هو الذي يدفع أكثر أو تكون لديه القدرة على السفر إلى خارج السودان، حيث يتوفر له الحدّ الأدنى من الرعاية الصحية التي يمكن أن تنقذ حياته وتعيده معافىً إلى أهله. هنا يقفز سؤال يفرض نفسه.. وهو من المسؤول عن الأرواح التي ضاعت نتيجة العبث والاستهتار وعدم المساءلة..؟ تحدث كثيرون بمرارة عن انهيار التعليم ونتحدّث الآن عن انهيار الخدمات الصحية، عن المسؤول عن ضياع أرواح الناس سُدى. الكارثة أنه لا أحد من المسؤولين يقف ليسأل عن الأسباب، «جرثومة المعدة» من أين أتت؟ وكيف يمكن العلاج منها؟ لا أحد يسأل نفسه كطبيب أو يسأل الذي يليه ويتساقط الناس رجالاً ونساءً، الواحد تلو الآخر دون أن يسأل أحد متى يتوقف قطار الموت؟ صلاح العوني هو الشهاب الذي انطفأ قبله بالطبع قائمة طويلة وبعده كذلك قوائم أخرى لأبرياء لم يجدوا العلاج ولا الوقاية وباتوا يتساقطون في طابور طويل حتى تكبر المأساة في عيون الناس ويصابوا بالشلل من العجز والخوف.. ويصبح الدعاء هو الملاذ الأخير. إلى متى يمكن أن تستمر هذه الانهيارات في كل شيء وكل مجال..؟ وهل يجب أن تحترق السفينة لتحملها الرياح إلى أقرب شطّ يمكن أن نجد فيه الخلاص..؟ فاستمرار العذاب ليس قدراً مقدراً ولا بد من وجود منافذ للخروج من المحنة والخروج من هذه المحنة يحتاج إلى حكمة الجميع وليس فقط النخبة التي عجزت عن إدارة شؤون البلاد والعباد.. الشأن العام يهمّ الجميع وعلى الجميع أن يتداركوا الوضع قبل غرق السفينة وتوهانها في الظلمات حيث لا عودة في القريب. يجب أن تكون هناك مساءلة لكل إنسان في موقعه، لمعرفة الأسباب ولماذا حدث ما حدث؟ غياب المساءلة يقود إلى العشوائية وإلى الفوضى والتسيّب.. معرفة الأسباب ضرورية لعدم تكرارها.. وأعتقد أن هذا هو الترياق الأول لوقف انهيار الخدمات الصحية.. وإن توفرت لنا الصحة والعافية يمكن أن نلتفت لوقف انهيار التعليم ووقف ضياع الوطن بحاله في ظلّ هذه الظروف الكارثية. على الأطباء معرفة كافة الأمراض التي تفتك بالناس حتى يمكن وقفها أو الحدّ منها، وكارثة أن نبقى مندهشين فقط، ونسأل الله السلامة للجميع. [email protected]