"The Kindness of Enemies" إيريكا فاغنر Erica Wagner ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي مقدمة: هذه ترجمة لإستعراض الروائية والناقدة الأميريكية إيركا فاغنر (1967 - ) لرواية ليلي أبو العلا "كرم الأعداء". ونشر هذا الاستعراض في صحيفة "نيو يورك تايمز" في عددها الصادر يوم 15 يناير 2016م. وتعيش إيركا فاغنر وتعمل في بريطانيا محررة لصفحات الأدب في عدد من الصحف والمجلات، وعملت في سنوات متفرقة محكمة لجائزة البوكر المعروفة. أما مؤلفة الرواية (1964 - ) فقد نشرت باللغة الإنجليزية من قبل روايات "المترجمة" و"مئذنة في ريجنت بارك" و"حارة المغنى" ومجموعة قصصية بعنوان "أضواء ملونة"، ترجمت إلى 14 لغة، ونالت عن معظمها جوائز عالمية. ولدت الكاتبة (المقيمة الآن بأبردين في بريطانيا) لأب سوداني وأم مصرية، ودرست حتى المرحلة الجامعية بالسودان، حيث تخرجت في كلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم في عام 1984م، ثم تحصلت على درجات عليا (في الإحصاء) من بريطانيا. ونشرت من قبل عدد من الصحف البريطانية (مثل التلغراف والاسكوتسمان والأندبندنت وهيرالد اسكوتلاند) والأميريكة (مثل الواشنطن بوست) استعراضات (تقويمات نقدية) لذات الرواية والتي صدرت في العام المنصرم عن دار النشر البريطانية ويدنفيلد ونيكلسون (ودار نشر قروف الأمريكية) في 392 صفحة من القطع المتوسط. ولفهم أفضل للرواية يمكن الاطلاع على دليل تاريخي مصور عنوانه: "القفقاس أو القوقاز" لمحمد بشار الرفاعي، مبذول مجانا على الشابكة العنكبوتية: http://www.nashiri.net/latest/books-...-04-15-53.html وكتاب آخر تجد فيه صورا لبعض شخصيات هذه الرواية http://green-man-of-cercles.org/wp-c...dali_story.pdf المترجم. ******* ********* ******** ربما كنا نتخيل فحسب أن الأسئلة المتعلقة بالولاء والانتماء هي أكثر الحاحا في أيامنا هذه من ذي قبل. وتطرح "الحرب على الإرهاب" مسألة التعهد بالولاء: في أي جانب تقف أنت؟ يبدو هذا السؤال سؤالا مباشرا، غير أن رواية ليلى أبو العلا الجديدة تذكرنا بأن سؤالنا لأنفسنا أسئلة من قبيل: من أين أتينا، وما هو الجانب الذي ننتمي له ونعضده، ليس أمرا هينا البتة. تتضمن رواية "كرم الأعداء" (وهي الرواية الخامسة لليلى أبو العلا) قصتين متوازيتين. نجد في القصة الأولى ناتاشا ويلسن – المولودة بالخرطوم، لأب سوداني وأم روسية، حيث كان اسمها ناتاشا حسين. وتعمل ناتاشا محاضرة في جامعة أسكتلندية، متخصصة في تاريخ حرب القوقاز التي نشبت في القرن التاسع عشر، والتي شهدت مقاومة عنيفة من المسلمين للغزو الروسي لداغستان والشيشان وشركيسيا. واكتشفت ناتاشا أن أحد طلبتها (واسمه المختصر أوز) يمتلك في منزله سيفا مشهورا ورثه عن جدوده، يقول إنه للإمام شامل، أحد كبار قادة المقاومة المسلمة للغزو الروسي. وكان أوز يراسلها بالبريد الإليكتروني مستخدما عبارة "سيف شامل" في خانة "اسم المستخدم user name"، ويكتب لها رسائلا تتضمن عناوين مثل "الأسلحة المستخدمة في الجهاد". وعندما زارته في منزل والدته لترى ذلك السيف صادف ذلك قيام وحدة مكافحة الإرهاب بمداهمة المنزل عند الفجر واقتياد أوز للتحقيق معه في مكان مجهول. تتخذ الروائية من ذلك الاعتقال ردا وصدىً لسلسة من الأحداث التاريخية تسردها في الرواية، وذلك بدءا من أحداث جرت في جورجيا القوقازية في عام 1854م، وذلك عندما خطف رجال الإمام شامل النبيلة الجورجية آنا وطفليها الصغيرين (ومعهم المربية الفرنسية مدام درانسي) واحتفظوا بهم كرهائن انتقاما من أسر الروس لجمال الدين طفل الإمام شامل منذ عام 1839م. وصف شامل الرهائن بأنهم "ضيوف" عنده، وطالب بمبادلتهم بولده المخطوف. وتماثل قصة آنا، تلك الغريبة المختطفة في بلاد غريبة، قصة ناتاشا. وتبدأ آنا مع مرور الأيام في التأقلم على العيش في تلك الأرض الغريبة وحياتها الشظفة. أما ناتاشا فهي لا تنتمي لمكان بعينه وتعد نفسها كما ذكرت الكاتبة "هجينا مخفقا مكونا من ذوات صرفة (غير مخلوطة) unalloyed selves". وينطبق ذات الشيء على جمال الدين بن شامل، والذي قضى غالب سنوات حياته في وسط الروس. وعندما أعيد لبيت والده لم يعد يحس بأدنى شعور بالانتماء. هذه رواية ممتعة ومثيرة جدا، خاصة في فصولها المتعلقة بالقرن التاسع عشر. كانت آنا شديدة الارتباط ببلدها الأصلي: جورجيا، وأبدعت ليلي أبو العلا في تقديم عرض نابض بالحياة للأراضي الواقعة حول عزبتها التي كانت تقضي فيها شهور الصيف مع زوجها، والذي كان منحازا لجعل جورجيا جزءا من الأمبراطورية الروسية الكبرى. فبالنسبة له تعد جورجيا "على حافة الحضارة"، وأنه ينتمي حقيقة ل "سانت بيترسبيرج" حيث تقيم عائلته. وآنا هي ضحية ظروفها، فهي محكومة أولا بزوجها، ثم بمن اختطفوها. غير أن لها في الرواية دورا مهما ونشطا. أما جمال الدين فهو متنازع بين الثقافة الروسية التي نشأ عليها وأحبها، وبين شوقه لموطنه الأصلي. هو رجل تتصارع في خويصة نفسه الرغبة في حضور حفل (روسي) للباليه لآخر مرة في حياته، مع الشوق والفرحة لإمكانية رؤيته مجددا لعائلته في وطنه الأصلي. أما الجزء الخاص بأحداث القرن الواحد وعشرين في الرواية فهو أقل اقناعا، ويحس فيها المرء بإقحام رسائل سياسية. فاسم "أوز" الحقيقي هو أسامة، وتلك إشارة قوية heavy - handed gesture. وبالإضافة إلى ذلك قد يشعر القارئ بأن بعض الحوارات بين شخوص الرواية تبدو مثل المحاضرات أكثر منها حوارات أصلية حقيقية، مثل: "كنت أقول إنكم يا رجال الصوفية تقللون من دوركم في الجهاد". وأعد تضمين سير الأحداث في الرواية لبعض المناكفات البسيطة في الجامعة أمرا باعثا على الإلهاء والإرباك من غير ضرورة. غير أن الأمر الأكثر أهمية فهو قيام الرواية باستكشاف سياسة القوقاز المعقدة في وقت تورط فيه الروس والغرب مجددا في حرب كانت من أهم أجندتها الأرض والعقيدة. تلفت رواية "كرم الأعداء" نظرنا إلى تلك الشابكة المعقدة التي تحيك خيوطها العقيدة والوطنية والسياسة والتاريخ.