"قل لي ما يدهشك أقل لك ما يستوجب الدهشة فيك" .. الكاتبة ..! (1) لعلك تتفق معي على أن الذي يثير اهتمام مجتمع ما - حد الحزن والبكاء - قد يضحك آخر ..وما زال عالمنا الثالث يذكر كيف أضحك شعوبهجدًا ذلك الزخم الإعلامي الذي صاحب خبر موت أرنب رئيس جمهوريةلاتفيا الذي نشرته أهم وأكبر صحف العالم الأول باهتمام واحتفاء كبيرين .. وكيف أنليسيس - وهذا هو اسم الدلع لأرنب فخامة الرئيس ذي الخمسة أعوام – قد نفق إثر إصابته باكتئاب حاد بسبب انتقاله إلى العيش في القصر الرئاسي مكرهاً لا بطل، بعد أن قام البرلمان بتعيين صديقه الجرّاح السابق والسياسي المغموررئيسًا للبلاد .. أدهشت قراءنا أخبار الصحافة المحلية في جمهوريةلاتفيا التي أطلقت علىليسيس لقب "الأرنب الأول".. لكن المؤكد أيضاً هو أن قراءً آخرين في العالم الأول قد رفعوا حاجب الدهشة كثيراً وطويلاً من جل أخبارنا..وأن كنت في شك من هذا، فتخيل نفسك مواطنًا أوروبيًا يقرأ خبرًا عنرفضواستنكار بعض أعضاء الحزب الحاكم في بلادك لتصريح صدر عن رئيس الجمهورية بعدم رغبته في الترشح لانتخابات رئاسية قادمة ..! (2) حينما تصدّرتعناوين الصحف الأوروبية أخبارعن تقديم موعد زفاف أمير موناكو بسبب اجتماع للجنة الأولمبية الدولية كان سينعقد في مسقط رأس عروس الإمارة - وبطلة السباحة - التي فضّلت تقديم موعد عُرسها حتى تتمكن من حضور تلك المناسبة الرياضية، مؤكد أن مائة سودانية – على الأقل - قد رفعت حاجب الدهشة من اهتمام أي عروسفي العالم بحدث رياضي مقارنة بليلة العمر وما يليها من حجز الصالة والفنان وترتيبات الصبحية وتدريبات "رقيص العروس" .. لكن المؤكد هو أن دهشة نظيرتها في العالم الأولستكون أكبر بسبب أخبارقروض الزواج التي تروجلها بعض البنوك في بلادنا، والغرض ليس تأثيث عش الزوجية أو تغطية النفقات الضرورية كما قد يتبادر إلى أي ذهن - بل لمجاراة أسعار تكلفة الولائم وإيجار الصالات وسيارات الليموزين ومراكز التجميل ..! (3) الكاتب الإيرلندي الأشهر برنارد شو أخذته الحماسة يوماً فقال "لو كان محمدٌ حياً لحل مشاكل العالم بينما يشرب كوباً من القهوة" .. والرجل معذور في حكاية القهوة تلك لجهله بالمزاج الغذائي الذي كان سائداً في صدر الإسلام،شأنه في ذلك شأن وسائل الإعلام الروسية التي مايزال العالم يذكر كيف نقلت مشهد الرئيس الشيشاني قديروف "الابن" وهو يحمل كوباً حجري اللون، قالوا إن رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم - كان يشرب منه، ثم تناقله أحفاد آل البيت قبل أن يحط رحاله في العاصمة الشيشانية ويستقبله رئيس حكومتها في موكب مهيب، وهو يجهش بالبكاء، مرتجفاً من هول الموقف العظيم .. وبعد نوبة البكاء تلك مباشرة، أعلن ذات الرئيس عبر ذات الوسائل عن استعداده لاستقبال المغنية الكولومبية الراقصة شاكيرا التي كان لها الفضل الأعظم في نشر موضة البلوزة الضيقة والتنورة القصيرة التي يسمونها– في أسواقنا المحلية - "فصل الدين عن الدولة" .. وكذلك حال مضيفها الحاكم الذي رفض تطبيق الشريعة في بلاده! .. ملايين المسلمين في عالمنا الثالث رفعوا حواجب الدهشة من تلك الإزدواجية في معايير الحكم في دولة مسلمة .. لكن المؤكد أيضاً هو أن الدهشة الأكبر تبقى من نصيب العالم الأول كلما راجت أخبارمجتمعات الإسلام السياسي التي تنتهج الفصل التام بين أداء العبادات والسلوك الأخلاقي .. فتصوم وتصلي وتحج وتُزَكِّي ثم تفسد في الأرض ..! آخر لحظة