الكثير من السودانيين يتعاملون بحساسية شديدة تجاه كل نقد موضوعى أو مفارق للموضوعية ، أو سخرية وتهكم فى شأن يخصهم عندما يأتى من خارج الحدود،وبذات القدر تجدهم يتعاملون بشيئ من الهيستريا تجاه كل ثناء وحمد وتقريظ يأتى كذلك من الخارج. فالناقد والساخر تعلن عليه التعبئة العامة ، ويخرجون له كل الأسلحة، الماضية منها والصدئة ، ويدلقون فى الطريق الى نقده وذمه حبرا كماء المحيط ، وتنقر فى شتائمه كيبوردات ، كما يضرب الفلاح بفأسه أرضا بورا، فى باطنها صخر وحجارة، فترى الشرر يتطاير مع كل ضربة ونقرة . أما الحامد ، المثنى على الخير والصفات والأفعال، فهذا يرفع مكاناً عليا، وتنشد من أجله الأشعار ،وتجوب المواقع الإلكترونية أقواله وأحاديثه، فهو عندهم نبى، لا يأتيه الباطل ولا ينطق عن الهوى . تلك حالة محيرة ومقلقة فى ذات الوقت، وهى ليست وليدة اليوم،بل بلغ عمرها عشرات السنين. قد يظنها البعض ضربا من ضروب الوطنية وواجبا ، وزودا عن الحمى، واعترافا بالفضل واكراما، وهى فى رأيي ليست كذلك، بل فيها انعكاس لايبشر بخير، إذ أن الإفراط فى الذم أو الثناء للناقد والمتهكم والمادح ،وبافتقار تام للموضوعية والحجة الناصعة والبيان، وبقدر متساو ،يوضحان ما رسخ فى النفوس تجاه الآخر ، وأولية التصدى للغث قبل السمين عند هؤلاء . والمحير فى الأمر، بل والمقلق كذلك، أن ترى بعض المثقفين والمثقفات ينجرون خلف حديث ومقال ينضح بالجهل ، يصدر من شخصيات ليست بذى أثر ولا وزن. رغم ذلك تجدهم يجارون الجاهل فى جهله، ويتعقبون حديثه وكلماته حرفا حرفا، حتى يحفظونها حفظا ،وينشرونها للملأ، ثم يدبجون فى شأنها المرافعات والخطب الحماسية والثورية المملؤة بالشتائم، وما أن حمد لهم السابلة فعلهم، وأثنوا على صنيعهم وحسن وطنيتهم، وشكروهم على جزيل العطاء ،تنفس أولئك الصعداء، وعلت شفاههم ابتسامة النصر، وخمد اللهب الذى استعر فى نفوسهم، فيضعون على رؤوس أقلامهم أغطيتها، ويطفئون هواتفهم وحواسيبهم، قانعين بنصرهم الكذوب، ولا يدرون أبدا أنهم بصنيعهم هذا يعلون من شأن الجاهل، ويرفعون قدر من لا رفعة له، ويساهمون فى تجهيل هذه الأمة ، وقيادتها إلى الأسفل ، لا إلى الأعلى، الشئ الذى جعلنى شبه موقن، أن آفة هذا الوطن تكمن فى مثقفيه أو من يدعى الثقافة منهم ! إمرأة كويتية، لم نسمع لها من قبل سميا، لا تفرق بين الشعب وحكومته، استدعت من الذاكرة يوماً قبل ست وعشرين سنة ، ناصرت فيه الحكومة السودانية الرئيس العراقى الراحل/ صدام حسين ،وأيدته فى غزوه للكويت، طلبت هذه السيدة فى تغريدة لها على المواقع الإلكترونية من الحكومة المصرية -كرد فعل يستند على جهل ليس إلا - أن تسعى للمطالبة بضم السودان بحجة تبعيته التاريخية لمصر! فى حين لو أستخدمت تلك السيدة الفاضلة محرك قوقل ،لا الكتب والمراجع أو الصحف القديمة، لتبين لها أن الشعب السودانى بأكمله قد استهجن ذلك الإعتداء و أدان حكومته على تلك المناصرة، واعتبرها سبة فى الجبين ووصمة عار ، يومها كانت الحكومة السودانية مترعة بالآمال أن يدك صدام الخليج دكا حتى تحمل هى لواء الإسلام ،وتتقلد أمارته ،أحلامهم كانت كأحلام العصافير ، تلك عقولهم، وذاك هو تكوينهم النفسى، فما ذنب الشعب، وماهو فاعل مع أقدار الله فى خلقه؟! ماذا لو اخبروها بالأمر بنفس بارد وهدوء وتروى، موضحين لها الحقائق التاريخية ،والفرق ما بين الشعب وحكومته؟ فلعلها فهمت وعلمت واعتذرت، ثم نفعت بعلمها غيرها ! هل يضرب المعلم تلميذه ويشتمه كونه قد جهل بدرس أو معلومة، أم يجلس معه شارحا له ما استعصى على فهمه؟ إن استوعب الدرس ، فخير وبركة، وإن عجز المعلم عن افهامه ويئس من خير فيه، فما عليه إلا أن يطالب بفصله من المدرسة، أو أن يرسل فى طلب ولى أمره مخبرا إياه أن لا أمل يرتجى فى الطالب أكاديميا، وعليه إلحاقه بحرفة أو صناعة،فذلك خير و أجدى ! التحية والتقدير لأبناء وشعوب كل الدول الشقيقة، من علم منهم ومن جهل. ونسأل الله كذلك (الهداية والعلم والرشد) لحكوماتهم وحكومتنا. محمود، ، ، ، ، ، [email protected]