إلى أبي في مستقر الرحمة ومستودع الأنفس .... سأكتب هذه الكلمات المرتعشة بالدمع السخين .. فحديث العهد بفقدٍ لا يلوم عينيه إن فاضت شئونهما ! ولن يلومه أحد أن أبدى ما يُخفي .. ولن يسعني بعد ذلك إلا أن أرد خواطري إلى القلب لتٌصبغ بدمٍ قانٍ قبل أن تٌصبغ بمداد الحبر . أبي ... لو أني كتبت لك وبيننا تنوفة من الأرض في دار غربة قد شط بها مزاري ومزارٌك وبعٌدَ فيها جواري عن جِوارٌك لهان علي ما ألقى وما أجد ... ولكني أكتب إليك وقد أصبحتَ رهين لحدِ لا تسمع مناديا ولا تحس ركزا ! قد يقتل الحزنٌ مَنُ أحبابه بعدوا عنه فكيف بمن أحبابه فٌقِدوا ولكن يعزيني عن ذلك كله حسن ظني بالله الرحيم (( إن إلى ربك الرجعى)) ويسرني أن آخر كلماتك كانت (( يا لطيف )) فنجتمع في جنان الخلد وذاك دعائي في كل وقت . والدي .. ما أعجب هذه الحياة ! وأعجب منها من ركن إلى زخرفها فأغراه برق خلب واستسمن ذا ورم ... هذه الدنيا التي استعصت على الجبابرة فبعد أن دانت لهم دالت عليهم ! وأعيت الفلاسفة حتى بان عوار جهلهم .. أعيا الفلاسفة الأحرار جهلهم ماذا يخبئ لهم في دفتيه غدٌ لست منظرا ولا فيلسوفا ( كما كان يحلو لك مناداتي) ولكن تذكرت هذا كله وأنا أمسك بحبل قواي الواهي أستقبل بيت الله الحرام . تذكرته وأنا أقف في عزائك ساهما شارد النظرة مرت الدنيا بأجمعها أمام عيني كشريط مرئي فلم أجد فيها وصفا كوصفك ( ليست بشيء) . أبوي .. لعل هذه الرسالة نكأت جرحا لا زال ينزف وأنّى له أن يندمل وهذا حال جراحات القلوب ؟ لأني أخاطب عزيزا فارق الحياة كان ملء السمع والبصر شغل الدنيا من حوله تسعين عاما جسد فيها هيبةً وصموداً قل أن يوجد في مثل هذا الزمان . وما أجمل قول الأعرابي حين سئل : لماذا تعدون الرثاء أصدق شعركم ؟ فأجاب : لأننا نقوله وأكبادنا تحترق !! فالله يعلم أن لي كبدا حرى وعيناً واكفةً وقلباً له وجيب ولكن لا أقول إلا ما يرضي الله (( إنا لله وإنا إليه راجعون )) أبوبكر أحمد وداد ((||غرة يونيو 2016 م||)) بيشة - المملكة العربية السعودية [email protected]