روح الإنسان هي الروح في كل زمان ومكان .. والنفس البشرية عزيزة لا يجوز قتلها إلا بالحق .. والدم هو الدم فلا يمكن أن يكون غالياً في حالة معينة ولاعتبارات خاصة ... ويصبح ماءاً في حالات أخرى ! نعم الإنسان ظل يقتل بعضه بعضا منذ نشاة الخليقة بدءا بصراع هابيل وقابيل .. ولن يتوقف مسلسل القاتل والمقتول الى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. لكن الله ألهم البشر نعمة تحكيم العقل ليهتدوا الى ميزان العدالة حتى لا تحكم الدنيا قوانين الغاب و تعم الفوضى ..فلايصبح الفقير فيها مظلوماً حيال نفوذ الغني أو مقتولا ولو كان في حالة الدفاع عن نفسه أمام قوة القاتل الذي يفوقه بمتانة البنية و مضاءة السلاح وسطوة السلطة! لا أحد يمكنه أن يتصور فداحة الفقد على ذوي القتيل وبذات القدر مصيبة أهل القاتل ..فلكلٍ منهما قيمته الإنسانية لديهم بل ولدى المجتمع كله ! ونحن في السودان وفي غمرة فجيعتنا في كل الذين سقطوا مغدورين من الأيد الأثمة التي تدفع بأدواتها من الشباب المغرر بهم وهم أيضا ضحايا غيرهم من أولئك القتلة الحقيقين ..فإننا نمثل أوليا الدم المكلومين في شباب ورجال ونساء وأطفال.. هم المقتول والقاتل في آن واحد ..سواء في ساحات الحروب أوفي الصراعات على السلطة أو ما أستجد من تصاعد في العنف الجامعي التي كرست له هذه السلطة بتأصيل ثقافة قتلانا شهداء في الجنة وقتلى أعدائنا فطايس في النار.. وهي المسئؤلة في النهاية عن دماء الجميع مهما تنكرت أو تعامت ! فكيف يكون القبض على الذي يمت من جماعتهم ولو كان مغيراً متعديا .. قبل أن يهال الثرى على جثمان فقيدهم .. أما قاتل عدوهم فهو مجهول الهوية وسرعان ما ينثر التراب على كل ما يثبت أثاره في مكان الجريمة أو يعجلون في طمس معالم بصماته على سلاحها .. فيجعلوا راس من يبحث عنها يدور في حلقة مفرغة .. ظناً منهم أن الزمن سيُنسى أهل الفجيعة فقدهم ! لا يسوؤنا بالطبع كبشر يفترض أننا أسويا أن تسري العدالة على من يثبت تورطه في إزهاق روح ما أيا كانت تبعية صاحبها فهو سوداني وقطعة من كبد هذا الشعب .. ولكن أن ينصف أهل بعض أولياء الدم بسرعة القبض على القاتل و يطلب منهم قولهم في الآمر بعد أن تتم محاكمة المتهم وتحشد ضده كل الأدلة والشهود الجاهزون لمحاصرته بجريمة قد يكون ارتكبها مضطرا وإن كنا لا نبررها.. ثم تغيب هذه العدالة عندما يُرمي بجثث طلاب كما الخراف أو الكلاب في مجاري المياه ويقيد البلاغ الذي لم يفتح ملفه اصلا ضد مجهول أو أن السيارات التي تجوب شوارع العاصمة في رابعة النهار إبان هبة سبتمبر فتقوم بسحق الحواصل الزغب من الآولاد والبنات و تمزق معهم كباد أهلهم و تدمي قلوب مجتمهم وتدمع أعين أوطانهم عليهم و التي تنتظر غدهم ! وتقول لجنة التحقيق الحكومية غير المحايدة .. دون خجل أو إحترام لعقول الناس .. أنهم كانوا مخربين لما هو أغلى على السلطة من أرواحهم التي إسترخصها حتى رئيس النظام الباطش الذي تباهي بفعالية الخطة الثالثة في حصدهم .. ثم تأتي الحكومة محاولة إغراء أهل الفقد الجسيم لتجفيف دموع مآقيهم المحترقة التي تتقطر حسرة و غبينة بأوراق بنكنوت عملتنا التي يسخر منها حتى ورق الحمامات لكونه أغلى عنها قيمة ! وهو إعتراف ضمني يدين السلطة ولكنه لن يرضي أهل الضحايا ما لم يعرفون القاتل الذي وجه السلاح ومن كان وراء توجيهه الى ذلك الفعل الشنيع ..! وهذا ما يجعلنا جميعا كشعب سوداني أولياء دم كل من قتلوا غيلة وتجني.. ولن نتنازل حتى تتحقق العدالة التي يصبح حيالها المقتول من أبناء البطة البيضاء و بنات البطة السوداء متساوين أمامها ..! وهي إن لم تتنزل في ساحة التاريخ الدنيوي ولو بعد حين .. فإن تلك الدماء لن تضيع هدراً يوم يقف الكل أمام قاضٍ تتساوى حياله كتوف الحاكم بغروره في الزائلة مع من كان مغلوباً على أمره فيها. [email protected]