كأني بالحكومة عبر ذراعها المسمى (أمن المجتمع) قد وضعت على رأس روزنامتها الخاصة بإحياء ذكرى المناسبات، بنداً يقرأ (إحياء ذكرى البنطلون)، البنطلون الواحد دا لا غيره، ولهذا نجدها تصر إلحاحاً على أن تحيي ذكراه وتعيد قضيته سيرتها الأولى مرة بعد مرة لتشغل بها الناس، ففي الأنباء أن عسس أمن المجتمع قد أغاروا على شارع النيل وأماكن أخرى واقتادوا عدداً من الفتيات وقدموهن للمحاكمة بتهمة ارتداء البنطلون، بل إن معتمد الخرطوم (ركب مكنة وزير خارجية) وعلى طريقة (حلة مريكيكا تحذر أمريكا) طالب سفيري إريتريا وإثيوبيا بمنع رعاياهما من النساء من لبس التيشيرتات والبناطلين.. هذا البنطلون الذي تحرص الحكومة للغرابة على إحياء ذكراه بدلاً من أن يكون لها عبرة وذكرى مريرة للنسيان، تعود حكايته للقضية التي اشتهرت عالمياً باسم (بنطلون الصحافية لبنى)، فقبل نحو سبعة أعوام كانت قضية بنطلون لبنى تملأ الدنيا وتشغل الناس في مشارق الأرض ومغاربها، ما اجتمع اثنان إلا وكان ذاك البنطلون ثالثهما، وما التأم جمع إلا وكان جماع حديثهم عن البنطلون، الفضائيات، الإذاعات، الصحف رصينة وصفراء، الأسافير، الجمعيات، المنظمات، العرب والأعاجم، السكسون والأنجلو سكسون والفرانكوفون والشعوب الصفراء وشعب الإسكيمو والهنود الحمر وبلاد تركب الأفيال، الكل في أركان الدنيا الأربعة علم بحكاية هذا البنطلون وأدلى بدلوه في حكايته، فقد طغى حديث البنطلون على كل حدث وأصبح حديث الساعة، وصار اسم لبنى يتردد على كل لسان وصورتها على كل الشاشات والمطبوعات، في (البي بي سي) و(السي إن إن) و(الإم بي سي) والفرنسية الأولى والفرنسية (24) والعربية والجزيرة وسكاي نيوز والقنوات الروسية والألمانية وغيرها، مما نعلم ولا نعلم من قنوات وفضائيات، وكذلك الصحف والمجلات التي لو حاولنا حصرها لضاقت عنها هذه الصفحة بأكملها. حتى إن هذا الذيوع والانتشار العالمي لخبر لبنى وبنطلونها جعل إحدى السيدات تتمنى حالها هذا فتقول (بنطلون لبنى أريتو بنطلوني). وباختصار تدوّلت القضية وتعولمت وخرجت تماماً من نطاقها المحلي الضيق وصارت قضية أممية بحجم سعة الكون، وكل ذلك بسبب أن كل هؤلاء العالمين في فجاج الأرضين، قد اندهشوا وفغروا أفواههم وضيقوا ما بين حاجبيهم تعجباً من ما يجري مع هذه الصحافية السودانية التي ستحاكم بالجلد والغرامة أو إحداهما أو العقوبتين معاً، لا لشيء سوى أنها ارتدت البنطال، ثم لم يكتفوا بالدهشة والتعجب بل اصطفوا إلى جانبها يدعمونها ويؤازرونها بعد أن حوكمت بالغرامة التي دفعها من وراء ظهرها اتحاد الصحافيين، وكان بعدها ما كان بعد أن تسللت لبنى إلى خارج البلاد وأصدرت كتابها الموسوم (أربعون جلدة لارتداء البنطلون)، وخلفت وراءها ندوباً سوداء على وجه الحكومة ما تزال تعاني آثارها... [email protected]