بالأمس افشل الشعب التركي انقلابا عسكريا واستعاد ديمقراطيته وحافظ على بلاده من الانفراط والانفلات السياسي بعدما حاول بعض العسكر المخدوعين الانقلاب على السلطة المنتخبة ديمقراطيا بواسطة الشعب التركي ولم يحدث هذا إلا نتيجة لوعي الشعب التركي وإيمانه بديمقراطية ارتضاها بملء إرادته كوسيلة لتداول السلطة . في عام 1989م سطا بليل من ليالي السودان الحالكات وفي غفلة من رئيس وزراء السودان الصادق المهدي , سطا على السلطة كما يسطو اللصوص مجموعة من العسكر الأراجوزات الذين حركتهم الجبهة الإسلامية القومية بقيادة المرحوم الترابي ووأدوا ديمقراطية كانت تتلمس طريقها وتحاول أن تقف على قدميها النحيلتين . فلماذا لم يخرج الشعب السوداني صباح الانقلاب ليقول لا للعسكر؟ ولماذا توارى رئيس الوزراء الصادق المهدي واختبأ كما يختبئ الفار في جحر؟ وكذلك توارى كل المسؤولين الكبار كل واحد في شق أو جحر .و لما لم يخرج الشعب ليدافع عن ديمقراطية انتفض لها في ابريل 1985م ضد حكومة النميري العسكرية المتقلبة الفكر والسياسة والمزاج وانتزع الشعب حقه في الحياة الكريمة من براثن امن نظام نميري الباطش . لم يخرج الشعب السوداني ضد انقلاب الإنقاذ لأن الجبهة القومية الإسلامية أعملت معاول هدمها في جسد الديمقراطية التي لم تكن تؤمن بها أصلا وترى أنها من عمل الشيطان وهم الشيطان ولكن لا يشعرون . فقد أطلقت الجبهة إعلامها الكاذب المضلل الذي كان( يصنع من الحبة قبة ) ومن الوهم حقيقة حتى صدق الشعب أن الحكومة الديمقراطية التي اختاروها لم توفر لهم الأمن في العاصمة وفي الاقاليم ولم تحسم تمرد الجنوب ولم توفر لهم الغذاء الذي انعدم بسبب السنين العجاف وسوء تدبير المسؤولين ولم يكن لنا مثل يوسف الصديق كما كان لمصر في سنينها السبع العجاف فأصبح جل العامة من الشعب وكثير من الخاصة زاهدا في حكومة ديمقراطية لا تسمن ولا تغني من جوع كما صورها إعلام الجبهة ومما زاد الغبش و الغتامة وضعف الإيمان بالحكومة الديمقراطية في نفوس المواطنين هو قلة حيلة الصادق المهدي وحزبه وحكومته والحزب الاتحادي الذين لا يرون في السودان وأهله إلا ضيعة ومطايا ومتاع لهم . فقد انشغلوا بجمع غنائم نضالهم المزيف ضد النميري وضد الوطن ونزلوا إلى جمع الغنائم ولم تحسم بعد معركة التنمية والتعليم والغذاء فهذا حزب الأمة يطالب بتعويضات وذاك الحزب الاتحادي يطالب باسترداد ممتلكاته ويطالب بوزارات بعينها لشيء في نفسه التي ليست طاهرة كنفس يعقوب النبي . أصبح المواطن البسيط كمن تعلق بسفينة الديمقراطية في محيط متلاطم الأمواج مع ربابنة كثيرون يقودون السفينة وكما يقول المثل :( ريسين بغرقوا المركب ) فغرق بنا المركب وحينها برزت الجبهة القومية الإسلامية كالقشة ولكنها القشة التي قصمت ظهر الديمقراطية ثم قصمت ظهر البلد والناس والدين . فلو إننا كنا نؤمن إيمانا قويا بالديمقراطية لكنا مثل الأتراك في ذاك اليوم ,ولو أن أحزابنا كانت ديمقراطية ووطنية لكانت مثل أحزاب تركيا في ذاك اليوم ولو أن رئيس حكومتنا كان صادقا ومهديا وقويا وحصيفا لكنا له مثلما كان الأتراك في ذاك اليوم . فهل سنكون ديمقراطيين ووطنيين بعد الذي جرى في نفوسنا من هواء الإنقاذ الفاسد الذي أعطب أرواحنا وفكرنا وزعزع إيماننا ليس بالديمقراطية ولكن بالسودان ومستقبله بل ووجوده .فلنستعيد السودان أولا من ايدي هؤلاء والديمقراطية عائدة باذن الله فهي موجودة ما دامت الحياة . [email protected]