بدأت رياح التغيير التي هبت على كثير من أنحاء العلم فغيرت حالها من حسن إلى احسن تتسرب إلى قارة إفريقيا رويدا رويدا حيث بدأ بعض رؤساء الدول الإفريقية "يستحون على وجوههم " كما درج أهل الخليج على القول و ايقنوا أن ما يبذل لهم من حشايا ومطايا وما يوفر لهم من تسهيلات و ما يفرش لهم من سجاجيد حمرا و يعزف لهم من موسيقى و أناشيد وطنية عند زياراتهم الخارجية أمورا لا تهم شعوبهم في شيء و لن تغنِ عنهم شيئا اذا قدر لهذه الشعوب الفكاك من قيودها و الثورة عليهم خاصة و قد بلغ اليأس ببعض أفراد هذه الشعوب حدا دفعهم و عائلاتهم إلى ركوب أمواج كل بحار الدنيا فارين في كل اتجاه طلبا للنجاة مما هم عليهم من سوء حال وبالتالي لم يعودوا يخشون على حياتهم ما داموا يموتون في كلا الحالين. ايقن بعض العاقلين من رؤساء أفريقيا أن عليهم فعل شيء من اجل شعوبهم المغلوبة على أمرها قبل أن تمسك بخناقهم و تدفع بهم دفعا إلى مصير القذافي و حسنى مبارك وزين العابدين بن على. فها هو رئيس جمهورية غانا يعبر عن غضبه الشديد و يخرج على الملأ مهددا و نافثا الكثير من الهواء الساخن و متوعدا بالثبور و عظائم الأمور حين علم بفساد موظفي ميناء تيبا احد اكبر الموانئ ببلاده مشيرا إلى أن اتهامهم بتلقي رشاوى من المستفيدين من خدمة الميناء يمثل خيانة للوطن و المواطنين وأن هؤلاء الموظفين ليسوا أهلا للأمانة التي حملوا لها و اكد على استعداده لتغيير كل موظفي الميناء اذا أثبتت التحقيقات تورطهم في الاتهامات التي وجهت لهم. أما في جمهورية ملاوي تلك الدولة الصندوقية الواقعة في منطقة البحيرات بوسط إفريقيا وتعتمد في 40 % من ميزانيتها على المساعدات الخارجية خاصة من مجلس الكنائس العالمي فتعتزم سلطاتها استخدام 15 مليون دولار حصلت عليها من بيع طائرة الرئاسة نوع داسو فالكون لإطعام أكثر من مليون شخص يعانون من نقص مزمن في الغذاء حسب ما أوردت وزارة الخزانة في ذلك البلد. جاء ذلك بناء على تعليمات رئيسة البلاد جويس باندا التي حرصت على بيع الطائرة ضمن الجهود التي تبذلها لإصلاح الأضرار التي خلفها سلفها الراحل الرئيس بينجو موثاريكا الذي دخل وادخل بلاده في نزاعات مكلفة مع المانحين تركت اقتصاد الدولة في حالة من الفوضى. ولم تقف مجهودات رئيسة مالاوي عند هذا الحد بل إنها ومنذ توليها لمنصبها خفضت راتبها بنسبة 30% وتعهدت ببيع 35 سيارة مرسيدس يستخدمها أفراد حكومتها تقليلا للإنفاق الحكومي فضلا عن اتباع سلسلة من إجراءات التقشف الصارمة لحين تحسن الأوضاع الاقتصادية في بلادها كما ذكر الناطق بإسم الرئاسة. ثم جاء دور رئيس جمهورية تنزانيا الجديد جون ماغوفولي الذي شارك الآلاف من مواطنيه حملة شعبية لتنظيف شوارع عاصمة بلادهم بالتزامن مع ذكرى استقلال البلاد و تجئ هذه الخطوة تأكيدا للوعد الذي قطعه الرئيس للناخبين قبيل الانتخابات التي جاءت به إلى الحكم مؤخرا بمواجهة كافة أنواع الفساد المتفشية في البلاد. و كان الرئيس التنزاني الذي أظهرته صور و مقاطع فيديو و هو يشارك في حملة النظافة بكل جدية و اهتمام قد الغى احتفالات البلاد بذكري استقلالها و ما تتضمنه من حفلات غنائية و استعراض عسكري معللا ذلك أن الاحتفال بهذه الذكرى و بلاده تعاني من تفشي مرض الكوليرا سيكون أمرا مخزيا و غير مقبول داعيا إلى أن يتحول يوم ذكرى استقلال البلاد ليوم وطني لتنظيف العاصمة بدلا من يوم للاحتفالات. الملاحظ أن الرؤساء الثلاثة الذين ابتدروا هذه الإصلاحات جميعهم رؤساء جدد يتولون السلطة لأول مرة و ربما انهم استوعبوا ما تعانيه بلادهم من فساد كما هو الحال في حالة غانا وصرف غير مبرر في بلد يعاني من سوء أحواله الاقتصادية كما في بوروندي و تفشي الأمراض بسبب سوء حال البيئة كما في تنزانيا فضربوا أمثلة في الحزم و العزم و التواضع على حد سواء ، و كأنهم أرادوا في الوقت نفسه أن يقولوا نحن سنكون قادة التغيير. تلك بداية متواضعة لكونها لا تشمل إلا ثلاثة من اربع و خمسين رئيسا أفريقيا ولكنها بداية مهمة يمكن أن تؤسس لأمثلة طيبة في العمل السياسي الراشد الذي حجبت جائزته لدورة عام 2015م( جائزة مؤسسة مو إبراهيم للإنجاز في القيادة الإفريقية) بعد أن فشل منظموها للعام الثاني على التوالي في اختيار فائز بها لعدم الوفاء بمعاييرها والتي من أهمها أن يكون الفائز بالجائزة قياديا بارزا نجح في تطوير بلده وساعد في انتشال أهلها من الفقر. دعونا نتفاءل على كل حال فلعل قادمات الأيام تكشف عما هو أجمل. [email protected]