الشاعر السوداني الهادي عجب الدور انموذجا ماجدولين الرفاعي كاتبة وصحفية سورية مقيمة في هولندا لطالما شاكست صديقي الشاعر السوداني المقيم في بروكسل الدكتور الهادي عجب الدور أمام الأصدقاء حيث أقلد طريقته في إلقاء قصائده بمفرداتها التي تستحضركل التضاريس الأفريقية وبطريقته الموسيقية المتميزة التي تعتمد على رتم خاص ينفرد به الدور: على ضفاف بحر الجبل غمرتنى بالفرحة كأنوار المدن الجمیلة وتحت غابات المانجو غسلتنى برحیق الكلمات الندیة وعبق الشجون ورسمتنى وشم طقوس على زخات المطر الاستوائى وكنت كلما استمعت أو قرأت قصيدة له تدهشني المفردات التي يستخدمها في قصائده وتأثير البيئة السودانية الكبير في قصائده، حيث تكاد دارفور بكامل تضاريسها وعاداتها وطبيعة مناخها تطل من بين المفردات المغمسة بالمطر الاستوائي وبرائحة الأبنوس والصندل وحبات المانجو وعندما سألته عن سر استخدامه المكرر لتلك المفردات قال لي مبتسما: أنا ابن البيئة السودانية يسير في دمي وأعماق أعماقي تراثها الإنساني وموروثها الثقافي وتنوعه حيث تشكلت قصائدي من تأثير بيئتها القارية وغاباتها الاستوائية وسافانا السهول الطرية ووحل المستنقعات وصلابة الأبنوس وحنو النيل ورائحة المطر عندما يعانق الأرض السمراء معشوقتنا الأزلية وأردف قائلا بحزن عميق: تخيلي كل ذلك الانصهار في تضاريس الوطن وأعيش حالة اغتراب عنه فبأي حزن أرثي ذلك الغياب المترع بالشوق واللهفة إلى أمي ومراتع طفولتي إلى الطبيعة الأولى التي نهلت منها معارفي . لا أنكر أن الشاعر الهادي عجب الدور قد لفت نظري االى لتأثير الكبير للبيئة في قصائد معظم الشعراء فالشاعر السوداني الهادي يلحظ القارئ لقصائده أنها موشاة بمفردات استقاها من البيئة السودانية بطبيعتها الاستوائية الحارة وغاباتها وأشجار المانجو والصندل والسافانا التي تتكرر في عدد كبير من القصائد وعلى الجانب الآخر فآن الشعر السوري مثلا يحفل بالورد والياسمين والسنديان والبلوط ورائحة القهوة في معظم قصائده او ربما أغلبها ففي معظم قصائد الشاعر الكبير نزار قباني تحضر الوردة والياسمينة والبيت الدمشقي: جئتكم .. من تاريخ الوردة الدمشقية التي تختصر تاريخ العطر .. ومن ذاكرة المتنبي التي تختصر تاريخ الشعر .. جئتكم.. والأضاليا .. والنرجس الظريف التي علمتني أول الرسم بينما لاتخلو قصيدة فلسطينية من الزعتر والبيلسان والصفصاف وبيارة البرتقال كما في قصائد الشاعر الفلسطيني محمد درويش: ثم وحدي... آه يا وحدي؟ وأحمدْ كان اغترابَ البحر بين رصاصتين مُخيَّماً ينمو، ويُنجب زعتراً ومقاتلين وساعداً يشتدُ في النسيان ذاكرةً تجيء من القطارات التي تمضي أنا أحمد العربيُّ – قالَ أنا الرصاصُ البرتقالُ الذكرياتُ وجدتُ نفسي قرب نفسي فابتعدتُ عن الندى والمشهد البحريّ تل الزعتر الخيمةْ وأنا البلاد وقد أتَتْ وكما يتمايل النخيل على ضفاف دجلة في قصائد شعراء العراق كما في قصيدة السياب: أكاد أسمع النخيل يشربُ المطر وأسمع القرى تئنّ ، والمهاجرين يصارعون بالمجاذيف وبالقلوع ، عواصف الخليج ، والرعود ، منشدين : " مطر ... مطر.... بينما يخترق النيل معظم الشعر المصري تعبيرا عن الهوية والانتماء كما في قصيدة حافظ ابراهيم : نظرت للنيل فاهتزت جوانبه يجري على قدر في كل منحدر كأنه ورجال الري تحرسه قد كان يشكو ضياعا مذ جرى طلِقا وفاض بالخير في سهل ووديان لم يجْفُ أرضا ، ولم يعمد لطغيان مُملك سار في جند وأعوان حتى أقمت له خزان أسوان ولابد من الاشارة هنا بأن شعراء السودان اشتركوا مع شعراء مصر في التيمن بنهر النيل والكتابة عنه كما في قصيدة النيل للشاعر السوداني ادريس جماع النيل من نشوة الصهباء سلسله وساكنو النيل سمار وندمان وخفقة الموج أشجان تجاوبها من القلوب التفاتات وأشجان كل الحياة ربيع مشرق نضر في جانبيه وكل العمر ريعان تمشي الاصائل في واديه حالمة يحفها موكب بالعطر ريان وللخمائل شدو في جوانبه له صدي في رحاب النفس رنان ولكن ومن باب الانصاف أيضا فأن شعراء كثر لم يكونوا من أبناء المناطق التي عايشوها ولكنهم كتبوا عنها أجمل الأشعار فالشاعر السوري الكبير نزار قباني كتب عن العراق وفلسطين ولبنان وغيرها من المدن أجمل الأشعار وأحلاها : وأعلنتْ بغدادُ – يا حبيبتي- الحدادْ عامينِ.. أعلنتْ بغدادُ – يا حبيبتي – الحدادْ حُزْناً على السنابل الصفراء كالذهَبْ وجاعت البلادْ.. فلم تعُد تهتزّ في البيادرِ سنبلةٌ واحدةٌ.. أو حبّةٌ من العنبْ.. مما يدل من جديد على تأثير البيئة على الشعراء إن كانت بيئة مكان الولادة ام البيئة التي يعايشها الشاعر فيعشقها ويوثق عشقه لها بالأشعار الخالدة التي تخلده وتخلد الأماكن التي أعطاها من روحه وابداعه وحلاوة حروفه . [email protected]