حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    تحولات الحرب في السودان وفضيحة أمريكا    طائرات مسيرة تستهدف مقرا للجيش السوداني في مدينة شندي    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد مستشفى الجكيكة بالمتمة    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكراه الدائمة : شيخ الذاكرين...شيخنا

الصورة مليئة بسخاء الطبيعة وخصوبة الخيال الفني مثلما هي عابقة بعبير العراجين وغناء القمري ورحيق التلاوات وسموات المديح النبوي ، تصبح الصورة أشد نصاعة ووضوحا لاسراب تلاميذ مدرسة البرصة الصغري وقتها بعمائمهم وجلاليبهم البيضاء وهم منطلقين علي حمرهم المسرعة اما فرادي او مترادفين نحو المدرسة . ان اتضاح المدرسة كمعلم يتجلي رويدا رويدا لدي الناظر للمشهد ككل عندما تكون قبة شيخنا محمد علي العجيمي هي الحكم في أنك قد وصلت الي المدرسة المجاورة ، ومع انكشاف تلال الرمل وتلك الربي والجداول والوهاد و استمرار سير الحمر المسرعة نحو القبة أو خاصرة الجبل أو المدرسة ، يزداد اعلي القبة ظهورا ويبدو يبدو لك جسمها المخروطي الفضي الصقيل كصاروخ معد للانطلاق نحو السماء. ثم أن الصورة تكون أكثر اكتمالا حينما يدخل الي الحلبة جبل الصلاح " كلنكانكول " من ميزات جبل الصلاح " ، ان امتداده خلف القري الواقعة علي ضفتي النهر من أعمال مركز مروي –بالمديرية الشمالية هو بمثابة الصدر في الجسم او الذراعين. يتبادل هذا الجبل مع النهرعبر صدره أوذراعيه مهمة ضم القري ضمة عاشق.. الدليل علي ذلك انك تري هذا الجبل من جميع النواحي فهو لا يغيب عن ناظريك وعندما تقف علي شط النهر ، تري جبل الصلاح مطبوعا علي صفحة الماء ، وعندما تكون علي متن لوري من بعيد ، يبدو سنامه الملهم عنوانا لك بأنك تقترب من رحاب السادة البديرية الدهمشية العباسية ودائرتهم في قرية البرصة .
ان الجبل اذن هو سيد المشهد وهو المسيطر علي جماليات هذه الصورة لأن هذه السيطرة ليست جديدة علي حتمية سلطة الجبال في الارض أو وظيفتها الايكولوجية حيث جعلها الله تعالي أوتاداً للأرض حتي لا تميد بالناس حين تتجاذبها أهواء حممها الغاضبة أو يعربد علي ظهرها شيطان مارد . وربما كانت ذاكرتهم الشعبية واعية لهذه السلطة حينما غني مغنيهم
كلنكانكول أبو الصلاح ويابا
يا جبلا تطل فوقو السحابا
تواريخك بدت قبل الصحابا
سجل الخالدين منك بدابا
طريتك يا الجبل كاسياك مهابة
طريت بلدي وطريت ناسنا التعابا
عندما تقترب أكثر من موقع القرية والجبل، تنضم لوحة أخري ملهمة الي المشهد . تلك هي قبة العارف بالله تعالي السيد محمد علي العجيمي التي تضم قبره. نوافذها الملونة وجسمها الصقيل المصنوع من الحجر وبابها الأخضر هي صور نمت معنا ومع زملائنا من طلاب مدرسة البرصة الصغري . من تلك الربوة التي تضم القبة والمدرسة ، تري بوضوح مآذن الدائرة ومسجدها وخلاويها وبرنداتها وأشجار الدوم والنيم العالية التي تطرز المكان أو تحف به.لكن هذه اللوحة ترتديها لوحة اجمالية وجمالية أخري أشمل وأكبر . تلك هي بساتين النخل التي تحيط بالدائرة وتطرز خديها شرقا وجنوبا ومن سرة النيل يتخلل تلك البساتين جدول يتمدد عبر الجروف لينفذ الي بساتين الدائرة . لا يقطع هذا الجدول قاطع أو يعترض مساره عائق غير درب اللواري القادمة من كريمة عبر برزخ تتمهل لديه وفوقه اللواري المجهدة القادمة من كريمة أو الذاهبة اليها من القري المجاورة .
بالنسبة الي اللواري القادمة من كريمة ، فان التمهل لا تمليه ضرورات القيادة الحكيمة للوري المتعب فحسب ، وانما حتمية التوقف لدي الدائرة علي جانب الدائرة الشمالي خلف الخلوة القرآنية المسماة علي اسم مقرؤها –خلوة شيخنا عبد الحليم موضوع هيامنا اليوم بالوطن–عندما غلب خير الله عام 1988 وانتحبت السماء بدموع الغمام وتمرد النهر العاشق، كان خط غضبه الجدار الحجري المنيع للخلوة فلم يجرؤ النهر الثائر الغاضب على النفاذ الى داخل الدائرة ربما من بركات هذه الخلوة التي وقفت تصد غائلة النهر الغاضب وتردعه بذكر حكيم كان يتردد بين جدرانها وفي قلوب التالين الذاكرين. ان تلك الخلوة هي التي مهدت الي قيام التعليم النظامي بالمنطقة حينما استدعي الشيخ العجيمي تلميذه شيخنا عبد الحليم فخف ملبيا النداء ، ومجافيا لمتاع الدنيا ومتخليا عن تجارته البسيطة ليتحول الناس من تعليم الخلوة الي مدرسة صغري رأيناها عبر الزمن ببركات روادها وعزم طلابها تخرج الكثيرين ممن كان لهم اسهام مقدر علي صعيد البلاد والاقليم . داخل الخلوة ترقد ملبية أمر ربها وصادحة بالذكر ، الواح الطلاب الذين كانوا بها يوما وعلي الالواح خطوط العمار الجميلة للطلاب.
لا يهم متي يصل اللوري الي قرية البرصة ، فللزمن هنا معني خاص ربما ليس للسعي في مناكب الأرض أو عقارب الساعة التي تعرفها دخل في تشكيله، ولكنه العروج الي مدارج السموات.. صحيح أن ركاب اللوري يعانون من أحمال الشوق القادم معهم من البنادر الي أهلهم ... الي أم عزيزة أو أب مشتاق أو نخلة في عيد من أعياد لقاحها أو حالة ولادة لسبائط تكتنز بالبركاوي والكرش "بضم الكاف والراء "، وربما عانوا من مشقة الرحلة وآلام السهر ، ولكن فكرة الاقتراب من الدائرة وربما التمييز في تسلل الصبح من بين أشجار النخل وبداية الطير لورديات غنائه ليعلن ضوء الصبح الجديد . يمد ركاب اللوري الأغذعناق فربما كان ذلك القادم لتحية الركاب هو شيخنا نور الدائم العجيمي أو أخيه السيد شيخ الدين بعباراتهما الموحية الدعوية الملهمة ، تلك في حد ذاتها أحد طقوس الزيارة الي البلد وافتتاح مبارك لتلك الطقوس.لا يهم متي يصل اللوري الي البرصة فهي اما ليل ذاكرين توغلوا في عمق الليل وأحالوه الي صباح واما اصباح جديد لا عيب فيه سوي أنه امتداد ليل ما عرف الهجود لأنه يتنقل بين الاسماء الحسني في رحلة يقطعها الذاكر بين محفزات لليقظة تتغلب فيتخلي النوم عن مرافعته فيدركه الصباح ويسكت عن الكلام المباح. أنك تري هذه المسافة البعيدة بين اليقظة والوسن تسري من الدائرة الي القري المجاورة ... الأركي والبار وجلاس وبعيدا منها هنالك في العفاض ورومي والبكري وجرا والجابرية وغيرها وهي تنكب تحت ضوء القمر أو ربما رتائن المديح علي الشدو برقائق من ديوان "كامل الانوار" أو "حزب أسماء الله الحسنى ...الجامع لفيض الأسنى"
ان الاذن العاشقة هناك لا تكتفي بأناشيد التلاميذ وهم يتدربون علي يد شيخ ابراهيم أحمد عثمان الكد وابن خاله شيخنا عبد الحليم علي تحويل منهج اناشيد بخت ارضا الي الحان مدائحية مسمدة من ديوان "كامل الانوار " لشيخنا العجيمي ، ولا بحنين اللواري المجهدة نحو البرصة بعد أن تعبر خور المحفور وتتخطي تحدي المنحنيات الحرجة في قلعة كجبي وفتنة والكرو ان كانت الذاكرة محتفظة بترتيب هذه القري علي امتداد الدائرة "38 مروي الجنوبية . ان الاذن لا تكتفي بذلك لأنها مشدوده عبر الاثير لمدائح قادمين من بعيد نحو دائرة شيخهم محمد علي العجيمي في البرصة .
في هدأة ليل القرية وصمتها الناطق أسمع حركة قادمين من قري بعيدة ، ربما من العفاض أو رومي أو البكري أو الجابرية أو جرا أو الدبة. لا يهم من هم أو كم عددهم وانما المهم هو أنهم في عرف شيخنا عبد الحليم "أخوان " في طريقهم الي دائرة الشيخ العجيمي يضربون أكباد الابل علي مطاياهم الي البرصة للزيارة والتبرك وتعميق معاني الاخاء في الله كمادة أساسية في مدرسة العالم الجليل السيد محمد علي العجيمي .
انهم يختارون السفر الي البرصة في هدأة الليل المقمر علي مطاياهم ربما اتقاء لشمس النهار وربما لأن ترجيع المديح من ديوان " كامل الأنوار" بالذكر النبوي ورقائق اذكار الصوفية له معني خاص في هدأة الليل في صور موحية عبر بحار الرمل التي يجلي منظرها الذهبي قمر ساطع وسط غابات النخل وهمس الليل الشمالي الآسر في الطريق الي البرصة مرورا بمنزل شيخنا عبد الحليم في قرية "الأركي ". هناك تحط الرحال ، وتناخ المطايا وتتجدد حناجر المادحين . أن الصبح هو محطة توقف المادحين عن المديح فيسرجون مطاياهم الي البرصة مقر دائرة السادة البديرية الدهمشية العباسية . أمام سورها الذي تزينه أشجار دوم عالية ، يكون في الاستقبال السيد نور الدائم العجيمي رحمه الله بثيابه الناصعة البياض ووجهه المزهر بصمت الصالحين وعيونه المشعة بذكاء المتأملين في أسرار الكون وصوته العذب المطمئن ... الصوت الذي لا يتخلله غير كلمة الله ولا يخالطه سوي الدعاء المبارك المستجاب .
في منزل شيخنا عبد الحليم تجدد حركة القادمين في هدأة الليل حيوية النائمين في حوش الدار.أخف مع أشقائي لتحضير العناقريب في حوش الديوان بعد انزال السروج من علي ظهور المطايا وربطها واطعامها من حوش القش ، وعلي الجانب الآخر في المنزل تنتظم داخل" التكل" حركة عمل تدار لها الرحي وتنحر لها الحملان لتقديم العشاء الي" الفقرا". هذا هو اسمهم في ادبيات العجيمية في اطار عفة الزهد ونبل القصد المتجرد من صخب الدنيا وزخرفها كمادة أساسية أخري في مدرسة السيد محمد علي العجيمي . ومع أن أؤلئك الفقرا قادمين من قري بعيدة في هذا الوقت المتأخر من الليل ، فانه يطيب لهم تحت أنوار الرتائن هزيمة ما تبقي من الليل في الترنم بقصائد من الديوان أو قصائد الاخوان الأخري .
بالنسبة إلى القادمين كل يوم علي ظهور حميرهم نحو مدرسة البرصة الضغري –في ذلك الوقت والواقعة في خاصرة الجبل ، فان الجبل عندهم هو من بركات النجاح وعزيمة الصبر علي عسر الأيام. لذلك فالطلاب يعرفون أن دخولهم الي الدائرة والظفر بمسحة يد من شيخنا نور الدايم العجيمي أو دعوات منه ، أو ربما ملأ أياديهم من تراب البركة علي جانبي باب القبة وأخذها معهم في صرر الي منازلهم ، هي من موجبات البركة وموحياتها . تلك صرر رأيتها بعد عقود تعطر محتويات شنط مهندسين وسفراء ووزراء ومدرسين. لكن طقوس قضاء الوقت للطلاب لا تقتصر علي محيط دائرة العجيمية المباركة ولا فناء المدرسة في حضرة شيخنا عبد الحليم وابن خاله النظر ابراهيم أحمد عثمان الكد المعروف بشيخ ابراهيم الدينكاوي وانما تمتد الي جنبات الجبل حينما تري التلاميذ يصدحون في ترجيع حنون لأناشيدهم. ان ألحان ذلك الترجيع ، برع فيها شيخنا عبد الحليم بصوته الشجي فأجراها علي تلاحين المدائح التي حفل بها ديوان السيد محمد علي العجيمي عليه رضوان الله المسمي "كامل النوار"ز انك تراهم يرددون في عذوبة وجمال :
برز الثعلب يوما – في ثياب الواعظينا
فمشي في الأرض يهدي –ويسب الماكرينا
ويقول الحمد لله اله العالمينا
من ذوي التيجان ممن دخل البطن اللعينا
مخطيء من ظن يوما –أن للثعلب دينا
شيخنا عبد الحليم ، يعي أن الصدق هو أساس الانسان المؤمن ، لذلك يحرص علي اختيار لحن أسر عذب ليوصل به هذه القيمة الرفيعة من خلال قصة هذا الثعلب ويتخير لذلك لحنا سمعه التلاميذ لا يهم ان كان لحن مديح سمعوه في شباب الختمية أو ألفته أذانهم تحت ظلال أشجار النيم في دائرة العجيمية . هاهو يقدم لتلاميذه الصغار مرة أخري وصفة للوفاءمن خلال قصة الكلب مع الحمامة :
حكاية الكلب مع الحمامة
تشهد للجنسين بالكرامة
يقال كان الكلب ذات يوم
بين الرياض غارقا في النوم
فجاء من ورائه الثعبان
منتفخا كأنه الشيطان
وهم أن يغدر بالأمين
فرقت الورقاء للمسكين
ونزلت توا تغيث الكلبا
ونقرته نقرة فهبا..... الخ
حتي تدخل الحمامة الي هذا المشهد وتوقظ الكلب من غدر الثعبان وخيانته. هذه هي الورقاء التي يوظفها واضع المناهج في بخت الرضا في تبسيط منغوم لمعني الروح الذي لا يعلمه سوي الخالق "ويسألونك عن الروح قل علمها عند ربي". ان رجال المناهج ومخططيها يضعون مثل هذا العبء علي رجال لا تلهيهم تجارة أو بيع عن ذكر الله مثل شيخنا عبد الحليم . ان تلاميذه الأن ينعمون النظر في تلك الصورة الملونة في كتاب المطالعة فتلك شجرة ملونة تنزل من أعلي أغصانها حمامة جميلة وتتنزل الي حيث تغني بشدو جميل لجالس أسفل تلك الشجرة ، الي أخر ذلك المشهد الذي يحكي عن قدوم أرواحنا من الملأ الأعلي لي ألأرض ورجوعها مرة أخري الي هناك مع أنقضاء أجل بقائها في الأرض:
نزلت اليك من المحل الأرفع
ورقاء ذات تعزز وتمنع
ومع سريان ريح طيب من جنان اليمن ورياضه الي روابي الحجاز حيث حل عصفوران يمنيان علي غصن هناك وهاجت بهما لواعج الهوي والشوق الي الوطن ، يتوقف شيخنا عبد الحليم ليحكي لطلابه معني الوطن كقيمة عالية ورفيعة لا يعدلها شيء. ولا تزال ترن في أذني تلك النبرة الشجية لشيخنا عبد الحليم حين أسمعني ذات مرة ذلك النشيد الذي درسته وقتها في كتاب المطالعة المقرر للسنة الثانية الوسطي ، ومن يومها تبين لي أن شيخنا عبد الحليم لا يدرس المنهج ولكنه يدرس منه ويضيف عليه من علمه وتجاربه:
عصفورتان في الحجاز
حلتا علي فنن
في خامل من الرياض
لا ند ولا حسن
بيناهما تنتجيان
سحرا علي الغصن
مر علي أيكهما
ريح سري من اليمن
حيا وقال درتان
في وعاء ممتهن
هب جنة الخلد ليمن
لا شيء يعدل الوطن
تلك كانت بعض جماليات الصورة أعلي الدائرة في خاصرة الجبل المبارك .... مدرسون يمارسون صناع القيم الفضلة ويرسخونها في عقول وقلوب تلاميذ صغار الي لحظة تخرجهم بعد اكمال ثلاثة سنين في المدرسة الصغري.من الأول الي الرابع ، يجدون فرصة الاتحاق بمدرسة أولية حيث يلتحقون بالسنة الرابعة بها . ذاك هو الفصل المسمي فصل الرأس بمدرسة كورتي الأولية وهو مواز لصف المدرسة الرابع الأصلي المسمي رابعة مدرسة.وما ميز فصل الرأس أنه كان مركز التقاء لنابهين من مختلف المراكز الريفية بمناطق الرباطاب والشايقية والبديرية وبعض مناطق الدناقلة فشمل فصل الراس قادمين من الحمداب تنقسي الجابرية والدبة ، البرصة ، الكرفاب وجرا وغيرها وكان الكثيرون منهم يتحدثون عن شيخنا عبد الحليم ويحدثون عنه خاصة وأنه قد عمل بالعديد من المدارس التي قدم منها أولئك التلاميذ.
ان القيم التي يعلمها شيحنا نور الدائم للأخوان ،نراها تتنزل واقعا معاشا من خلال يوميات صورة جمالية أخري أسفل الجبل في خلاوي الدائرة وبرنداتها وغرفها. ان هذه الصورة لها عدة عناصر . في شمس صحراوية حارقة ، نبصر ونحن في قرانا من بعيد حركة تلك الحمر المسرعة المتجهة نحو دائرة شيخنا العجيمي في البرصة . ما يجمع بين عناصر ذلك المشهد هو بياض لون تلك المطايا وثياب الذين علي صهواتها ، وربما كسرت هذا المشهد شمسيات سوداء أو حمراء ظلت مرفوعة منذ لحظة الانطلاق من قرية شمالية نائية قد تكون رومي أو الدبة أو جرا أو العفاض أو الجابرية ، الي لحظة التوقف أمام الدائرة في البرصة وخلود هذه المطايا المجهدة للراحة تحت ظلال الدوم أو السدر المحيطة بالمكان. هنالك محطات رئيسية يحرص هؤلاء الاخوان التوقف لديها ، فقد طال بهم الشوق الي شيخنا عبد الحليم ... ايقاع مديحه ... وعمق دعائه ولطف حديثه وبركان دعواته. ان المتجه الي دائرة شيخنا العجيمي ، لا بد له من اعادة شحن وجدانه بهذه النار .. أو كهرباء المحبين .. أو نور السعي الي الله تعالي زلفي.أنهم يعلمون أن شيخنا عبد الحليم و أحد أبناء السيد الأكبر القرأنيين وأحد العارفين بأسرار دعوته وطريقته ويعرفونه كمادح صوفي له أسراره في التغني بسلوكيات المنقطعين الي عبادة الخالق والانصراف من ضجيج الدنيا وصخبها الي سكون عالم يبحث عنه أولئك المنطلقين بحمرهم نحو الدائرة. يحرص شيخنا عبد الحليم علي أن يكون "المراح " دائما به ما يستر الحال وبالمنزل من المؤن ما يكفي لاكرام القادمين ويحرص علي شحذ ههمنا أنا وأشقائي ويعدنا بركة لا تنضب اذا ما سهرنا علي راحة القادمين وتعهد مطاياهم بالرعاية واسراج المصابيح لهم أو اضاءة الرتائن فيعطرون ليل القرية بمديح عذب ويحولون موسمها الي قرأنيات ومدائح وتأخي في الله ، هو الذي أوجب أصلا ذلك التوقف في بيت شيخنا عبد الحليم في "الأركي " ومنه الي دائرة شيخنا. الفقرا قبيل انطلاقهم ينالون من شيخنا عبد الحليم الي جانب الدعاء ، "قواريط " من التمر البركاوي المنتج من نخله ويصبونها في أخراجهم الواسعة حتي اذا ما رجعوا الي قراهم ، منحوا من هذا التمر المبارك لأسرهم أبناء ونساء أو أحباب أخرين وربما حرص بعضهم علي نيل شتول من نخل الشيخ وتلك شتول رأيناها عبر السنين ،تتحول الي حدائق نخل غناء تسر الناضرين في أرض ظلت لفترة طويلة صحراء بلقع لا ماء فيها أو ظل.
عادة ، يطلع البدر علي الفقرا الزائرين من ثنيات أشجار الدوم والنخل عندما تبدو لهم الدائرة كحلم أبيض ينبثق منبين ذلك الشجر الذي يحيط بالمكان. وضمن طقوس الترنم المشجي العذب النابع من حناجر الفقرا العجيمية ، يكون الياس ودبلول مؤذن الدائرة أول الطقوس الشجية عند اندلاق الفجر وانبثاقه. انه يفتتح مجاري العالم من أعلي المئذنة ليس بالأذان فحسب وانما بدعاء ملازم له يتخللك وأنت علي سريرك ويوقظك وأنت راض قانع بالسعي نحو الصلاة في المسجد ومرضاة الله التي تظلل ذلك المكان وتغشاه وتنطلق منه.
جلال المشهد وجمال المكان لوحة دقيقة التفاصيل تجعل من المكان والزمان بعدين لجلال هوزمان رباني وجمال هو مكان رضواني .الشيخ نور الدايم العجيمي ، يقابل أحبابه بانتظام حتي يفرغ كل منهم شحنة حبه لديه ويخرج من حضرته محملا بأخري . وبعد أن يصل هذا المشهد الي ذروته ، تكون تجمعات الفقرا تحت ظلال النيم علي تلك البروش فتارة مع السيد شيخ الدين العجيمي وتارة مع شيخنا عبد الحليم وتارة مع أحد الفقرا ممن طال بهم الشوق اليه . وربما قرروا الطلوع الي قبة شيخنا العجيمي الكبير بصحبة شيخنا عبد الحليم ومكثوا هناك في خاصرة الجبل ينعمون بدعائه المبارك وبمديحه العذب حول تابوت الشيخ اللامع والتماع نوافذ القبة وجمال منظرها أسفل الجبل . وربما قرر الفقرا الطلوع من الدائرة الي بيت شيخنا العجيمي الكبير لمقابلة أم الفقرا رفيقة درب السيد محمد علي العجيمي .
أم الفقرا لها قدرة سحرية في تحسس مناطق أوجاع الناس ومدواتها بما عندها من دعاء أو يسير مال أو نصيحة . أمامها يجلس الفقير أو الفقيرية .هنا تسألهم سؤال عليم بأحوالهم عن أسرهم ومحاصيلهم وصلاتهم وعن الغائبين والحاضرين ، وعندما يخرجون منها عائدين الي الدائرة لوصل ما انقطع ، يكون "رابح " وغيره من شباب الدائرة قد اتجهوا بصفرهم " الواسعة الكبيرة الي مواقع الفقرا علي بروشهم وفي الخلاوي أو تحت الشجر ، وربما دخل الي الصورة ركاب لوري قادم أو عابر أو زائرين جدد يفيض بهم المكان ولا ينقص ذلك شيئا من عدد الصفر "بضم الصاد" أو محتوياتها . وتحضرني هنا قولة أسرة لأمر الفقرا ، حين أفادها شخص بتأكل بعض جوالات الفول بالمنزل ، هي أن ذلك المشهد مألوف منذ عهد السيد الأكبر الذي انتقل الي جوار به في يناير من عام 1953 م وأن تلك الجوالات ظلت علي حالها رغم ما شوهد في بعضها من تأكل ، تعبيرا عن بركتها لأنها نذرت لاطعام قادم أو زائر أو محتاج ، أو تحسس أوجاع معسر بعيد وأرساله له أو تقديمها من خلال شيخنا عبد الحليم فيكون تقبلها من محتاج دامع العين بقلب لم تخدش كبريائه وبتقبل هو احدي عادات العجيمية حين تراهم وبعفة زهد بالغ أحبة متهادين.
ان الأذن العاشقة لتطرب في خاصرة جبل الصلاح" كلنكانكول" ، وهي تلتقط من بعيد أناشيد طلاب مدرسة البرصة الصغري في أسرابهم المتدفقة نحو المدرسة وعمائمهم الصغيرة الجميلو و"كوريات " فطورهم المربوطة باحكام وصرر اللقيمات والقراصة التي يحملونها من أمهاتهم .أن الأذن العاشقة لا تكتفي بأناشيد التلاميذ وهم يتدربون علي يد شيخنا عبد الحليم وابن خاله شيخ ابراهيم علي تحويل منهج أناشيد بخت الرضا الي ألحان مدائحية مستمدة من ديوان "كامل الأنوار"، ولا بحنين اللواري القادمة نحو البرصة بعد أن تتخطي خور" المحفور" وتتخطي تحدي المنحنيات الحرجة في "كجبي " و"فتنة " و"الكرو".
ان الأذن لا تكتفي بذلك لأنها مشدودة الي مدائح زوار جدد قادمين من بعيد الي دائرة العجيمي في خاصرة جبل الصلاح "كلنكانكول". الي أعلي فأعلي تصعد تلك المدائح وتتخير في الذري أطولها .!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.