لا اجدني بريئاً من هذا الذي استغربه, ذلك الزائر الغريب الذي حط رحاله بيننا منذ زمن ليس بالبعيد ولا بالقريب .. لا اجدني بريئاً لأن الأمر برمته لا يعدو كونه شراكة ليست بالذكية ابدا في إخراج هذا الجيل, شراكة بين الناس في بلدي افضت الي ذلك الجو القاتم القائم الان؛ ولأني واحد من الناس أضع نفسي وجيلي ومن سبقونا علي قائمة الاتهام أيضاً, ويا له من إتهام افضي الي التساؤلات الكبري!!! لماذا فعلاً صارت الأشياء ليست الأشياء التي نعرف, وقد كنا نظن أنها تهويمات شاعر في قول الفيتوري (الغافل من ظن الاشياء هي الاشياء). ولماذا هذا التغير المخيف في الطعوم والفهوم والجسوم حتي أن الماء أنكر لونه وطعمه في غفلة منا يا الهي !!!!! أنا جد حزين لهذه الحالة المرضية وأرجو ان تكون عرضية وهي حالة اعترت هذا المجتمع السوداني والذي كان مثالاً في كل شيء: وحتي لا يتهمني أبناء هذا الجيل بانني من عبدة الماضي أو الماضويون كما يقول أهل الثقافة؛ وحتي لا أقع في فخ هذا الاتهام, دعونا نستعرض في قراءة متأنية حقبة ستينيات القرن المنصرم وسبعينياته, فإنك علي سبيل المثال قلّ أن تجد من يخطئ خطأً إملائياً بالرغم من انه قد يكون حظه من التعليم كحظ ابناء هذا الجيل من الثقافة. !! والشاهد في هذه القضية؛ ان إنصرافية هذا الجيل للمستجلبات من الثقافات العارضة الهشة الاستهلاكية جعلت نصيبهم من المعرفة شحيحاً كشح أم أولئك القوم الذين استنبح الاضياف كلبهم !!! أجدني متفق مع الرأي القائل بان اسلوب التعليم (السلم التعليمي ) فيه ضعف بائن متجل في شقين, اولهما شق اجتماعي والاخر اكاديمي, أما الاجتماعي فهو ظاهر في تلك المفارقة العجيبة بين طفل في السنه الاولي وصبي في سن الثامنة؛ أي ما يعادل فارق عمره سبع سنوات ولعله فارق مخيف يبعث بالقلق عند اولياء الامور, الأمر الذي يضاعف من مجهودات التربية والمتابعة وهذه الحالة اللاهثة في الملاحقة الأسرية تجعل من هؤلاء التلاميذ أشبه بالإنسان الآلي (الروبوت) فهم يجدون انفسهم ما بين مطرقة أولياء أمورهم وسندان معلميهم, فتحدث هنا حالة تزاحم الأساليب التربوية فيفقدون بذلك تركيزهم فتظهر هذه العلة في أعراض عديدة؛ منها علي سبيل المثال عدم مقدرة معظمهم علي استيعاب اكثر من معلومة في وقت واحد وكذلك حالة بطء الاستجابة وهي لعمري أم الكوارث في هذا الجيل المسكين, وثالثة الأثافي إهدار الوقت في ما لا طائل منه. أما الشق الثاني فهو أكاديمي صرف؛ وهذا يتحمله أولئك الذين تصدوا لمهمة وضع هذه المناهج الغريبة التي قد تصل في سنوات الأساس لأكثر من عشرة مواد علمية وادبيه, هذا علامة علي ان طريقة التعليم التلقيني الأولي (تلقين الحروف وكتابتها وقراءتها) بها عيوب أساسية, أولها انّ الطريقة الجديدة تستعجل كتابة الكلمات وذلك قبل ان يكمل الطالب كتابة الحروف وقراءتها وهذا ما جعل ما يربو عن الثمانين بالمئة من هذا الجيل لا يحسنون كتابة ولا قراءة؛ وهذه النسبة ليست من بنات افكاري وإنما هي دراسة أجرتها منظمة اليونسكو. ولكن الشيء المخيف حقاً ان قضية التعليم ليست هي المشكلة الوحيدة لهذا الجيل .. أين الهمة والنشاط؟ والحيوية؟ (والتبة)؟ اين (علم النظرة) ؟ نعم هو علم المؤدبين أولاد المؤدبين, أين الانفعال الطبيعي للإنسان الطبيعي؟ لماذا هذا البرود العجيب يا جيل سنة تامنة؟ لماذا لا تعرفون اي شيء عن بلدكم وأهلكم وحتي أنفسكم؟ لماذا هذا الجهل التام بأبسط مقومات العقد الاجتماعي والإحساس بالآخر ؟ لماذا هذا الانصراف الغريب عن الكبير؟ لماذا تعتقدون ان كل الأشياء يجب ان تكون منطقيه (نظرية اقنعني)؟! لماذا ؟! لماذا غابت الدهشة عن ملامحكم الغريبة القريبة؟ لماذا لا تعرفون الطرابيل والسقو وحاج الماحي والشيخ فرح؟ لماذا انتم اجهل الناس بالمحجوب والتجاني الماحي؟ لماذا لا تنزلون الناس منازلهم؟ وكيف سمحتم لقطار عبدالله الطيب والطيب محمد الطيب والطيب صالح بان يفوتكم؟ لماذا انتم علماء في معرفة أبطال المصارعة وانصاف الموهوبين من فناني العرب والفرنجة؟ ماذا تعرفون عن ود حبوبة وعبد الفضيل الماظ؟ وهل سمعتم أصلاً برابحة الكنانية وشغبة المرغومابية وسليمان الزغراد؟ وهل لامس أسماعكم صوت صديق احمد حمدون وعوض عمر الإمام؟ وهل أشجاكم شدو الحردلو وعكير الدامر والصادق ود آمنه وشدو الفلاتية وعبيد الطيب؟ وهل خفت قلوبكم عند تلاوة سيرة ادم ام دبالو وبادي أبو دقن الذين يحتربون نهارا ويتبادلون الطعام كرماً بالليل؟ لا اظنكم قد سمعتم وأجزم أنّ معظمكم لا يريدون شغلاً واشتغالا بأفلام السوبرمان ومغامرات جاكي شان المصنوعة. أتدرون لماذا كل هذا؟ لأننا ومن سبقونا نعرف طعم القمح ولا تعرفون, نعرف طعم الماء وتنكرونه انتم من سقم, قد يقول قائل منكم (انتو السبب ما وريتونا) وهذه المقولة لا تصلح لكم دفاعا فأنتم ياااااا ايها الجيل الغريب تمتلكون كل شيء وكل شيء لحسن حظكم ولسوئه؛ ميسّر لكم بل وطوع بنانكم لاااااا بل رهن ضغطه زر صغيرة علي قوقل (ده اذا لقيتو وكت بعد الفيس بوك والدردشة الفارغة) التي لا تزيدكم الا جهلا علي جهلكم.. نعم جهل فاضح يطالعنا عندما يخطئ خريج جامعي في كتابة كلمه بالعربية ! نعم كلمه باللغة العربية وليست الهندوسية!!!!! فأي ألم بعد هذا وأيّة مصيبة حلت بنا؟! أنا لا انصِّب نفسي قاضياً ولا جلاداً ولكني فقط اعبّر عن فجيعتي وخوفي اللامتناهي علي مستقبلكم المجهول, فدعونا نفتح معا صفحه للحوار البناء والجاد والصريح ولنحاول معا الإجابة علي هذا السؤال المخيف ( يا اخوانا في شنوووووووو؟!) هذا مع حبي واعزازي. خالد محمد الفنوب إعلامي [email protected]