عثمان ميرغني يكتب: لا وقت للدموع..    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    الهلال السوداني يلاحق مقلدي شعاره قانونيًا في مصر: تحذير رسمي للمصانع ونقاط البيع    تيك توك يحذف 16.5 مليون فيديو في 5 دول عربية خلال 3 أشهر    "ناسا" تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر    ريال مدريد الجديد.. من الغالاكتيكوس إلى أصغر قائمة في القرن ال 21    وفد المعابر يقف على مواعين النقل النهري والميناء الجاف والجمارك بكوستي    الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة يكشف عن إحصائيات بلاغات المواطنين على منصة البلاغ الالكتروني والمدونة باقسام الشرطةالجنائية    وزيرا الداخلية والعدل: معالجة قضايا المنتظرين قيد التحرى والمنتظرين قيد المحاكمة    صقور الجديان في الشان مشوار صعب وأمل كبير    الشان لا ترحم الأخطاء    والي الخرطوم يدشن أعمال إعادة تأهيل مقار واجهزة الإدارة العامة للدفاع المدني    الإسبان يستعينون ب"الأقزام السبعة" للانتقام من يامال    تكية الفاشر تواصل تقديم خدماتها الإنسانية للنازحين بمراكز الايواء    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    ريال مدريد لفينيسيوس: سنتخلى عنك مثل راموس.. والبرازيلي يرضخ    مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    السودان..إحباط محاولة خطيرة والقبض على 3 متهمين    اللواء الركن (م(أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: موته وحياته سواء فلا تنشغلوا (بالتوافه)    توّترات في إثيوبيا..ماذا يحدث؟    دبابيس ودالشريف    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المُراسْلَة» الذي أصبح مُراسِل ال«B.B.C» .. «2-2»
نشر في آخر لحظة يوم 23 - 04 - 2011

جاء من شرق جبل مرة.. (قرية الملم) التي ألبسته عنفوان جبالها.. ودثّرته بإخضرار سفوحها.. فتطاول على السفح وسامق الجبل.. تفتحت مواهبه الفطرية منذ بواكير طفولته.. فدلق ألوان حروفه على الحوائط المدرسية.. وتردد عميق صوته الذي التقطه.. الهرم (عمر الجزلي).. فبسط له التلفزيون رداءه وهو بعد طالب.. عمل مُراسلة في مكاتب الاتحاد الاشتراكي.. ليكمل تعليمه.. وحفظ له الغيب عطية بأن يحذف «الهاء» من خانة وظيفته.. فأصبح بفضل جهوده.. مُراسل لقناة ال(B.B.C) العربية بواشنطن.. دخل البيت الأبيض.. والتقى بالرؤساء.. وعرف كيف يأتي بالخبر.. وكيف يصنع الدهشة..!
فأتاح لي في تلك السن المبكرة أن التقي شخصيات مثل مولانا عوض الله صالح ومولانا أحمد عبد المجيد وبروفيسور عمر بليل والدكتور أبو محمد أبو.. ولا أنسى مطلقاً ذلك اليوم الذي جلسنا فيه ساعات طوال مع الشاعر الملحن عبد الرحمن الريح، في حوش منزله بأمبدة وسط حديقة جميلة أحاطها بأشجار الجهنمية ذات الورود الحمراء والبيضاء، وهو يحدثنا عن سيرته وكيف يصيغ أشعاره وألحانه.. وأيضاً اصطحبني الجزلي إلى منزل المطرب إبراهيم عوض في حي العرب، وشهدتُ نقاشاً ممتعاً بين الاثنين، بحثا فيه عن تسجيل ضاع في مكتبة الإذاعة لأغنية «علمتني الحب» التي كتبها ولحنها عبد الرحمن الريح، وانتهى الأمر بإصرار الجزلي أن يسجل إبراهيم عوض الأغنية لبرنامج أسماء في حياتنا من داخل صالونه الأنيق في منزله بحي العرب. وهكذا تعرفت على سيف الدسوقي ومحمد يوسف موسى و عثمان حسين وحسن عطية والتاج مصطفى، وزرناهم جميعاً مرات ومرات في منازلهم..
قدم لي الجزلي نصيحة عظيمة أهديها إلى الجيل الحالي من الإعلاميين، قال لي: «روِّض إحساسك الفني بالاستماع إلى عثمان حسين وأحمد المصطفى وحسن عطية، فسيكون لذلك تأثير على ذوقك العام».
لا أنسى مطلقاً تلك الساعات التي قضيناها مع أحمد المصطفى عند عودته من العلاج في منزله بنمرة اثنين في الخرطوم.. ذهبنا إليه والجزلي يحمل سجلات الإذاعة، جاءنا أحمد المصطفى كما هو يرتدي «بدلة سفاري أنيقة» يكسوه الوقار، بينما كسانا نحن طغيان هيبته، فغنى ابنه عز الدين واستمر هو في صمته الأبدي الذي لازمه حتى فارق الحياة.
ثم قدمني الجزلي لزملائه عبد الرحمن أحمد محمد صالح وعبد الوهاب أحمد صالح وعلم الدين حامد وعبد الحميد عبد الفتاح وليلى وسهام المغربي..
وقد يحتاج الحديث عن الجزلي كتاباً ولكن الخلاصة أنه اختصر لي سنوات من الجهد والمثابرة أهلتني في أقل من عام واحد للصعود إلى مرتبة قارئي النشرة الرئيسية الوحيدة في ذلك الوقت وهي نشرة التاسعة مساءً.
من الشخصيات الأخرى التي أثّرت في تكويني، الأستاذة محاسن سيف الدين التي أقنعت مدير التلفزيون حينها الأستاذ صالح محمد صالح بتعييني في التلفزيون وأنا طالب في الجامعة. والأستاذ علي الريح الصديق الذي اتخذ القرار الأول لظهوري على شاشة التلفزيون، ثم أستاذنا الكبير علي شمو الذي دفعني بالتشجيع والثناء والتوجيه كلما التقيته.. ولا أنسى أستاذ الأجيال محمد صالح فهمي الذي علمني اللغة العربية داخل مبنى التلفزيون لمدة ستة أشهر، ثم الراحل فراج الطيب الذي كنتُ أواظب على حضور صالونه الأدبي بمنزله في حي أبوروف ظهيرة كل جمعة.
من قرية الملم إلى واشنطن حتى لندن، أيُّ ضلع في هذا المثلث أحد زواياه أعمق تأثيراً؟
- حتماً قرية الملم، ففي الطفولة أهلتني القرية بكل مكوناتها لأن أكون إنساناً مؤدباً يعرف «الواجب والمستحيل» كما تقول والدتي وأهلي هناك.. وفيها تعلمت الانضباط في التعامل مع الناس فللكبير مقام وللصغير مقام.. كنا مثل كواكب المجموعة الشمسية نبقى في نسق داخل مداراتنا لا نخرج منها مطلقاً فندور حول جسم واحد هو القرية «الملم»، ولابد من الالتزام بذلك القانون الإلهي الذي لا يزال يحكم القرية.. وهناك في الملم وفي مرحلة باكرة من العمر شكّلت شخصيتي مدرسة الملم الابتدائية، وتخرجت منها مدركاً تماماً أي طريق سأسلك كي أصل إلى هذه المرحلة التي أتحدث فيها إليك الآن!!
إن بشرتي يكسوها الآن ومنذ أن ولدت لون تراب الملم، وإينما حللت أشم رائحة التراب لأرى إن كان يشبه رائحة التراب في الملم فلم أجد له شبيهاً، وهكذا أهيم في كل بقاع الأرض كما ترين الآن، وكأنني أبحث عن شيء واحد هو تراب «الملم».
أما واشنطن فهي الضلع الثاني عمقاً، اتسعت لي حينما ضاقت بي الأرض هنا في الخرطوم، إنها مدينة تتساقط أوراق أشجارها في الخريف فتذبل ثم تتبرعم في الربيع لتخضر في الصيف.. إنها مثل «الملم» تماماً فأشجار الحراز التي تغطيها تتعرى عن الخضرة في الخريف لترفل القرية في خضرة بديعة طوال أشهر الصيف.
في واشنطن الكبرى ولاية فيرجينيا حيث أسكن، وفي كل المدن الأمريكية التي أزورها باستمرار، تضاف إلى حياتي كل يوم تجربة جديدة، إنها رحلة من العمل والتعلم لن تتوقف إلا بتوقف دقات القلب.
إن ممارسة العمل الصحفي في القارة الأمريكية هو اختيار يوحي لقدرة الإنسان على التعامل مع المعطى والمفروض، ومع ما يختزنه رحم الغيب!! بل إن الاختبار الأكبر هو أن نحاول التعرف على ما قد يخبئه الغيب، أو على الأقل الاستعداد الفوري للتعامل مع ما قد يكشفه الغيب، وعندها قد تُسمى صحفياً، ولكنك حتماً ستسمى صحفياً كسولاً لأنك لا تستطيع التعامل إلا مع المعطى في العمل الصحفي!!
لندن كمدينة لا تعني لي شيئاً فهي جامدة مزدحمة مخيفة تحت الضباب. كلما أُهمُّ بالسفر إليها لدواعي العمل أحرص على إعداد ما يعينني على مقاومة الكآبة، فأحمل معي الكتب التي تشدني بمحتوياتها وتحرض على التفكير العميق.
أما لندن B.B.C فهو العالم المهني الذي أحببت على الإطلاق، لقد مارست الصحافة منذ عام 1987م ولكن عند انضمامي لB.B.C)) عام 2007م أدركت أن مرحلة جديدة من الممارسة قد بدأت تختلف تماماً عن العشرين سنة التي أمضيتها في التلفزيون قبل الB.B.C. لقد حوّل التطور التكنولوجي الإعلام إلى مهنة متجددة تماماً كالطب، فوسائل التشخيص والمداواة تتغير كما يتغير الهواء، وحتى الفيروسات المعدية تنتهج كل حين أسلوباً جديداً في اختراق جُدر المناعة.
الأخبار و وسائل التكنولوجيا الحديثة؟
- لقد أصبحت الأخبار متاحة، يرويها عبر التويتر والفيس بوك والمدونات ناقلون لا يمتهنون الصحافة، وأصبح بإمكان أي شخص يمشي على الأرض أن يلتقط صورة بالفيديو الصغير أو الهاتف تصنع أحداثاً تخلق تغييراً في دول أو أقاليم بعينها، وليس بالضرورة أن تكون شاشة التلفاز التقليدية هي الوسيلة الوحيدة التي تُبث عبرها تلك الصور.. ثم أن تداخل المصالح أرغم العالم بأسره على «الاشتباك والارتباط»، وهنا تحتم علينا نقل قصص إخبارية من عالم يبعد عنا كثيراً إلى جمهورنا المحلي. بل تحتم علينا أيضاً أن ننقل القصص الأخبارية التي يصنعها جمهورنا المحلي إلى العالم الآخر.. فكيف تؤدي ذلك العمل؟.. وإلى أي مدى تلتزم البساطة أو الرصانة في اللغة المستخدمة؟.. هذا ما يجعلنا نتعامل مع مهنة تتجدد فيها باستمرار أساليب التناول وفرص التقديم.. وهذا يتطلب تدريباً مستمراً وهذا ما وجدته في الB.B.C.
كيف يرى الإعلام الغربي السودان..؟
- يراه كما يكون هو «أي السودان».. أي إعلام يرى أي منطقة في العالم كما تبدو هي، وبما تصنع من أحداث. أشاهد باستمرار الإعلام الغربي يغطي أحداثاً مختلفة في العالم من حولنا، ولا اعتقد أنني شاهدت تغطية للسودان تختلف في اتزانها عن تغطية الإعلام الغربي للعالم من حولنا.
الحقيقة المجردة التي يتعامل معها الإعلام أن هناك قصة خبرية لابد من نقلها للناس، هذه القصة قد تكون في السودان أواليابان أو الولايات المتحدة.. ولكن أي قصة خبرية يصنعها السودان؟ إعلامياً أقول «تعرف الدول بما تصنع من أحداث»، وإذا أدرك السودان الأحداث التي يصنعها فهو حتماً سيدرك كيف ستنعكس صورته في المرآة أو على صفحات الصحف وشاشات التلفاز.
وهل لكم كمراسلين تأثير في إبراز وجه السودان المضيء للإعلام الذي يراه معتماً؟
- لا أدري حقيقة إن كان وجه السودان اليوم مضيئاً أو معتماً منذ توقف الحرب في الجنوب، فمنذ عام 2005م ظل الشماليون في أرض المليون ميل مربع يصارعون من أجل الوحدة، فيما ظل الجنوبيون يصارعون من أجل الانفصال.. فانشطر السودان الآن ولم يعد ممكناً الاحتفاظ بتلك الخارطة التي عشقها الفؤاد السوداني بكل ما حوت من مكونات أعظمها ذلك التنوع العرقي الذي أثبت بلا شك أنه أقوى مقومات الأمم، وفي العالم من حولنا عشرات الأمثلة لا أدري إن كان هذا يعد إضاءة أو عتمة. و قبل توقف الحرب في الجنوب بقليل انفجرت دارفور في الغرب، وأصبح أكثر من أربعة ملايين من أهل ولاية القرآن يعيشون مشردين على أطراف بعض المدن، بل إن بعضهم لجأ إلى بعض الدول المجاورة.. ومجتمع دارفور بأسره ساده مفهوم غريب تعمق بكل أسف في أفئدة أهله بأن «هذا أسود وهذا أبيض»، لقد ولدت هناك وتربيت هناك ودارفور هي أجمل ما أحببت وأكاد أكون أعرف فيها كل شيء، ولكن هناك شيء واحد لم أتمكن من التعرف عليه حتى الآن ولا اعتقد أنني سأفلح في ذلك «هل حقيقة أن دارفور يوجد فيها إنسان أسود وآخر أبيض»!! وهل مثل هذا الواقع يعد إضاءة أم عتمة؟! إننا كصحفيين نهتم بإبراز شيء واحد هو الحقيقة وعارية كما خُلقت، واعتقد أن الكثير من المثالب والكوارث التي قد يكون الإعلام طرفاً فيها لم تنشأ إلا بسبب بعض الأغطية والأثواب التي يحاول البعض أن يغطي بها الحقيقة، إننا في الإعلام لا نُدرَّب على الدفاع أو الهجوم، إنما ندرب على الموضوعية والدقة والأمانة في النقل، أو هذا هو الإعلام الذي أفهمه حتى الآن على الأقل.
كيف ترى مستقبل الصحافة والإعلام في السودان؟
- ثروة لم تسثتمر بعد.
دور المراسل في التقصي وإبراز الخبر؟
- التقصي والدقة ثم الدقة ثم الدقة.. هذه هي المسؤولية التي ينبغي أن يستشعرها الصحفي على مدار الساعة وفي أيام الله السبعة.. و سيكون مفيداً جداً أن يقول الصحفي لا أعرف، سيكون مفيداً جداً أن يقول الصحفي حاولت وفشلت ولم أتمكن.. سيكون مفيداً جداً أن نتخلف عن إيراد الخبر إذا لم نتأكد بالكامل من صحته ونسبته إلى مصدره بدلاً عن نشره والاضطرار إلى الاعتذار.. أحياناً ندخل غرف الأخبار ويجن العالم من حولنا، ويجرفنا تيار السبق والتنافس وننسى التقصي والدقة فنرتكب أخطاء قد توقع المئات، بل الآلاف من الضحايا، فتتحول مناطق بعينها من سلام إلى اضطراب يصعب تهدئته.
قدَّم السودان لك المهد واستقبلك بالاحتفاء، متى وكيف سترد الجميل؟
- كنت في صغري وأنا أحلق في طرقات القرية يساورني إحساس لم أجد له تفسيراً في تلك المرحلة.. ذلك الإحساس كان يدفعني لتنظيف الطرقات من الأعواد والحجارة ثم أذهب إلى مسجد القرية وأقوم بتنظيف الطرقات المحيطة به وأحرِّض على إبعاد الحجارة.. كنت أُحس أن «أهلي» في القرية و«تراب» القرية عمَّرا سنواتي البسيطة في الحياة في ذلك الوقت بعطاء لابد أن أرده بصورة ما، فألجأ أحياناً إلى نظافة الطرقات. ثم توالت السنوات في حياتي وتوالى العطاء يمتد إليها من القرية إلى هذا السودان الكبير.. وحتى هذه اللحظة يُغدق السودان عليَّ بالعطايا، نهاراً تغطيني سماؤه الصافية بشمسها البائنة وفي الليل أُمتع بصري بلمعان النجوم وصفاء القمر.. ثم تكفيني الأشواق التي غمرني بها أهلي هنا وأصدقائي الذين غبت عنهم سنين عددا.. فإن أمضيت ما تبقى من العمر كله لن أفي السودان حقه أو أرد له العطاء.. ولكني أحاول.
منذ أن قدمت إلى هنا وبرغم زحمة العمل أحاول أن أكون مفيداً، التقيت بعدد كبير من الزملاء وتبادلنا الحديث حول هموم المهنة في قاعة أبو الصحافة السودانية «أحمد يوسف هاشم» بالاتحاد العام للصحفيين السودانيين.. التقيت برابطة إعلاميي دارفور في وزارة ا لثقافة وبعدد آخر من الصحفيين والإعلاميين وطلاب الجامعات واستشعرت وجود رغبة جامحة لدى كل الزملاء للانتقال إلى آفاق أرفع والارتقاء بالمهنة.. أقوم الآن بصورة فردية على فعل كل ما استطيع وتقديم كل ما أعرف في هذا الجانب وأنا على استعداد للتحرك والعمل في إطار أوسع متى ما كان ذلك مطلوباً مني في هذا البلد.
هل سلبت ال(B.B.C) منك الانتماء والهوية.. و ماذا تبقى لك..؟
- أبداً لا.. بل عززت في دواخلي جذور الانتماء والهوية، فهي كامنة في نفسي تماماً كما خرجتُ من السودان قبل ثمانية عشرة سنة.. ومن خلال تجربتي الخاصة أدركت أن الهوية والانتماء يتعمقان أكثر عندما يبتعد الإنسان عن البيئة التي غرست فيه الهوية والانتماء.. لقد ظللت كل يوم خلال تلك السنوات الطويلة استدعي الكثير من انتمائي وهويتي كمعين لي في تلك البلاد والثقافات البعيدة.
أما عن ما تبقى فهو أنني اليوم أكثر إصراراً على المضي قدماً في الطريق نفسه حتى لحظة إدراك التوقف أو عدم القدرة على العطاء، وعندها سأعود إلى حقول الزرع والأبقار والأغنام إن طال بي العمر.
القراءة في الثقافة العربية.. والكتب.. ألا زلت تجد متسعاً لمواكبة الجديد في المكتبات؟
- نحن نعيش بعيداً في عالم يفكر ويكتب ويقرأ باللغة الإنجليزية، بل أن البيئة التي أعمل فيها تسودها اللغة الإنجليزية، إلا عندما أتحدث عبر الشاشة فأستل لساني العربي.. الشعب الأمريكي شعب كاتب وقارئ وهكذا نحن من نعيش هناك نحاول مواكبة المكتبة الأمريكية.. أما قراءاتي العربية فهي الأعمق دون مواكبة.. وأنا عموماً أصبو إلى قراءة التاريخ والسير وهي قد لا تحتاج إلى مواكبة دقيقة.
كيف ترى وجه الإعلاميين في السودان؟
- هم في تقديري كالإعلام السوداني ثروة لم تستثمر بعد.
الصحافة والسياسة.. وجهان لعملة واحدة؟ كيف ترى كإعلامي الوضع السياسي في السودان؟
- لا.. لا.. لا نحن نسير في خطين متوازيين لا يلتقيان مطلقاً.. ما يربطنا أن كلاً منا يتحدث في وجه الآخر على الدوام وهكذا إلى الأبد، نحن في الصحافة نتطلع إلى المعلومة ونسعى أن نكون مراقبين جديرين بالثقة والاحترام ونقل الأمانة أي المعلومة.. الصحفي هو «هيبة» تهرول نحوه المصادر بالتقدير والاحترام سواء كانت سياسية أوتنفيذية.. أما إذا أراد الصحفي الولوج إلى دنيا السياسة فعليه أن يخلع عن نفسه رداء الصحافة وارتداء رداء آخر يسمى الدعاية الحزبية.
أما عن رؤيتي للوضع السياسي في السودان فألخص ذلك في عبارات تظهر معاناتي في فهمه.. فهو بالنسبة لي غامض يصعب التنبؤ به وفهمه.
وهل يجب أن يكتب الصحفي بمنظوره السياسي.. أم يتطلب النزاهة والحياد..؟
- نحن نمارس مهنة كالرياضيات تماماً فعمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة ثابتة، لا ولن تتغير.. وهكذا عمليات الأخبار والتعليم والترفيه واستقصاء المعلومة تحكمها معايير ومفاهيم ندرسها في الجامعات ونتدرب عليها أثناء العمل، وهي ثابتة لا ولن تتغير.. أما من يمتلك منظوراً سياسياً فعليه التقيد بالمساحات التي تفردها الصحافة للرأي والرؤى السياسية.
غبت عن السودان أكثر من عقد ونصف العقد من الزمان.. أوجه التغيير والاختلاف؟
- أمضيت في السودان شهرين بعد ثمانية عشر عاماً من الغياب.. قضيتها متنقلاً بين الخرطوم وجوبا وبعض مدن جنوب السودان، وحاولت بصعوبة أن أجد متسعاً من الوقت لأتبين ملامح الخرطوم فلم تتضح.. يبدو أن تراكم الوقت جاء بما جاء، لكنه وضع بغير نسق لتغرق العاصمة المثلثة في موجه معمارية قتلت الجمال والإنسياب في المدينة.. رأيت الناس يلهثون اليوم كله ثم يجأرون بالشكوى لعجزهم عن تحقيق الأشياء.. ربما لم يكن الشهران كافيين للتعرف جيداً على البلاد.
هل غيّرت زيارتك.. من وجهة نظرك تجاه الأوضاع في السودان؟
- وجهة نظري تجاه السودان هي أنني أُحبه.. أما عن ما يجري فيه فأنا قبل كل إنسان داخل وخارج السودان يبهرني النجاح ويحبطني الفشل.. انظروا أنتم إلى السودان وستعرفون إن كنت أنا مبهوراً أو محبطاً!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.