لا شك أن الأوبئة التي تظهر فجأة تستحوذ على اهتمام الرأي العام. بحسب حجمها وخطورتها ومعدلات انتشارها، لأنه لا شيء أغلى من صحة الناس، ولا أولوية متقدمة على أولوية الأمان الصحي للمواطنين . لكن الدقة في توصيف حجم هذه الأمراض ونوعها مهمة جداً، لضبط الآثار الأخرى المترتبة عليها، فمثلما تتخذ وزارة الصحة إجراءات سريعة - من المفترض - لمحاصرة أي وباء والقضاء عليه وتقوم بتجهيز غرف وعنابر عزل للمصابين الذين يتلقون العلاج، منعاً للعدوى، فإن العالم أيضاً يتخذ ما يلزم من إجراءات على حدود الدول والمناطق الموبوءة، ويلتزم الحذر الوقائي الكامل في التعامل مع تلك المناطق، وقد يعزلها أو يبعد نفسه عنها، مما يجعل الأوبئة هي إحدى قضايا الأمن القومي التي لا يجب الخوض فيها دون معلومات، لأن أي حديث غير دقيق يترتب عليه ضرر شامل على سمعة السودان . ولذلك ظللنا دائماً نقول إن وزارة الصحة يجب أن لا تكون إحدى وزارات الترضيات السياسية و(التقريش) كما يسمونه، خاصة في دولة مثل السودان لديها حدود مفتوحة على دول بعضها يعاني من الحروب والأمراض والأوبئة المنتشرة، هذا بجانب ضعف البنية الوقائية والصحية عموماً في بلادنا . والآن - والحديث عن الإسهال المائي الذي انتشرت حالاته في ولاية النيل الأزرق - يقف القطاع الصحي ما بين ضرورة الإعلان عن ظهور هذا الوباء في تلك المناطق لأغراض التنبيه والتوعية والوقاية منه، خاصة وأنه تسبب في عدد من الوفيات بين المصابين. وفي نفس الوقت يحرص هذا القطاع على مراعاة ما أشرنا إليها من آثار أخرى تترتب على الإعلان عن وجود هذا الوباء، ولا تبرر – بالطبع - أي محاولة لإنكار وجوده، لكنها تستوجب الدقة في توصيف نوع وحجم ونطاق المرض . والسؤال، هل وجد موضوع الإسهال المائي القاتل الذي ظهر في ولاية النيل الأزرق القدر المطلوب من الاهتمام والإعلام الإيجابي المفيد للوقاية منه، ولتنشيط مسؤولية الدولة لمحاصرة هذه المشكلة، أم تم تضخيم الأمر وإعطاؤه حجماً أكبر من حجمه، بالحديث عن انتشار كوليرا في النيل الأزرق؟ وما هو الفرق بين الإسهال المائي والكوليرا؟ وماذا تعني الكوليرا؟ هل تعني الإصابة بمرض لا يمكن العلاج منه أم مرض يستجيب المصاب به في مرحلة من المراحل للعلاج؟ وما هو العلاج الإسعافي الأولي الذي يمكن تقديمه للمصاب بالإسهال المائي أو الكوليرا قبل أن يصل إلى المستشفى؟ قد تكون وزارة الصحة الاتحادية ووزارة الولاية في النيل الأزرق قد بذلتا جهوداً محددة لمعالجة الحالات التي وصلت إلى المستشفيات في تلك المناطق، لكن – بالتأكيد - هناك دوراً مفقوداً هو الدور التثقيفي والتوعوي للمواطنين لتفادي الإصابة بالمرض، وللتعامل الصحيح مع المصاب، وتقديم إسعافات أولية له .. هذا الدور يجب أن لا يكون محصوراً في المناطق التي ظهرت فيها تلك الإسهالات، بل يجب أن يتم تعميم الحملات التوعوية لجميع المواطنين في جميع الولايات، وأن يتم فرض مادة تثقيفية مجانية للبث والنشر في جميع وسائط الإعلام السودانية، لا تتضمن اسم وزير أو صورة مسؤول، بل تكون عبارة عن جرعات توعوية للمواطنين.. فقط . هذا مفقود تماماً في إعلامنا الذي تلومه الحكومة على نشر أخبار الأوبئة، ولا تقدم له المادة التوعوية الوقائية اللازمة لمنع هذا المرض الذي لو تم الإعلان عنه أو لم يتم، فإن ذلك لن يغير كثيراً من حقيقة وجوده . شوكة كرامة لا تنازل عن حلايب وشلاتين الحياة