شغل بالي منذ وقت طويل معني سدرة المنتهي و التي وصلها النبي الكريم عند نهاية رحلة الاساء و المعراج و قد أطلعت علي كل التفاسير و قد أجمعوا جميعا علي أن سدرة المنتهى هي شجرة عظيمة تقع في الجنة في السماء السابعة، ولكن جذورها في السماء السادسة، وبها من الحسن ما لا يستطيع أحد من البشر أن يصفه، عن أنس بن مالك رضي الله عنه في حديث الإسراء والمعراج، أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( ثم عُرج إلى السماء السابعة. فاستفتح جبريل فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم.قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا. فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام مسندا ظهره إلى البيت المعمور. وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه. ثم ذُهب بي إلى سدرة المنتهى، وإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال، قال: فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيّرت. فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها) رواه مسلم. و لعلمي بمقدار الخلط و و الاحاديث الموضوعة الموجودة بكتب السلف و لعدم ارتياحي لفكرة وجود شجرة نبق في ذلك المكان الصافي النقي و الذي لا يشبه عالمنا بأي صورة من الصورآليت علي نفسي بأن أبحث في الامر و قد ظهر لي فعلا أن الامر يستحق المحاولة , فلنطلع علي الآيات التي أشارت لذلك: سورة النجم: ﴿وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى 13 عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى 14 عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى 15 إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى 16 مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى 17 لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى 14 ) معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي سَدِرَ: سَدِرَ سَدِرَ َ سَدَرا ، وسَدارَةً : تحيّر بَصَرُهُ من شِدّة الحرّ ويقال : سَدِرَ بصرُه و سَدِرَ لم يهتم ولم يُبَالِ ما صَنَع فهو سادِرٌ ، وسَدِرٌ ، وهي (سدِرةٌ) ويقال : هو سادر في الغَيّ : تائِه وتكلّم سادِرا : غير مُتَثَبِّت في كلامه السِّدْر: السِّدْر شجر النبق واحدته سِدْرة . والجمع : سِدَرٌ و(سِدْرة المنتهى) شجرة في الجنة يتضح من معني الجذر سدر أنه يعني التوهان الفكري في أي حالة يكون عليها الانسان و مصدره (سدرة) و نفس المصدر يعني شجرة نبق ,لنذهب الي السورة و نري أي معني قد ينطبق. في السورة مقابلة بين حالتين :حالة سدرة المنتهي التي وصفها الرحمن ب (أذ يغشي السدرة ما يغشي) فقد عجزت كلمات البشر عن التعبير عما يغشي السدرة غالبا من الانوار و حالة الرسول صلي الله عليه و سلم اذ لم يرتعش فؤاده و ظل ثابتا بالرغم من أنه راي من آيات ربه الكبري, يتضح لنا من هذه المقابلة بين الحالتين أن سدرة المنتهي هي مكان يتوه فيه فؤاد الانسان أو عقله الي أقصي مدي و لذا سميت (بسدرة المنتهي) وقد أثني الرحمن علي قلب الرسول الذي لم يزيغ, أما كلمة جنة المأوي فالشق الاول منها يدل علي جنة و الجنة ليست بالضرورة جنة فيها شجر ,كلمة جنة تشمل أي مكان مستتر ,سمي الجنين جنينا لانه لايري و هو في بطن أمه و المجنون لان عقله استتر و صار غير طبيعي التصرفات و جنة الاشجار لانها تخبئ ما بداخلها من كثافة الاوراق, الجزء الثاني هو المأوي و يعني الملجأ الآمن ,الله أعلم بمراده من جنة المأوي لكنها لاتعني بالضرورة جنة الثواب المعروفة ( بجنة الخلد). و من المعروف أيضا أن جنة الخلد يصفها الفلاسفة الماورائيون بأنها تمثل مطلق الجمال فما الجمال في شجرة صحراوية عادية الثمار لتوجد في في مثل هذا المكان,من الواضح أن المفسرين حاولوا الباس شجرة السدر أوصاف مختلفة لتبرير وجودها في مثل هذا المكان و لتبرير عجزهم عن ادراك معني آخر لكلمة (سدرة) . موضوع تأويل القرآن يعاني من حواجز كثيرة أولها الانفلات من حاجز كلمة (تفسير) التي عنونت بها كتب السلف من أبن كثير و الطبري و غيره و غلفت بالاغلفة الفاخرة و و كتب عليها بماء الذهب و في داخلها الكثير من الغث و الحاجز الثاني هو الالتفات لما في القرآن من بلاغة و الحوجة لتدبر معانيه دون المعاني الظاهرة و منها الاستعارة و المجاز في القرآن الكريم و تحضرني هنا قصة معبرة في هذا السياق, الشيخ عبد العزيز بن بازالمفتى الوهابي المشهوراستضاف بعض الاساتذة المصريين المعارين للمملكة السعودية ، واستعرض امامهم سطوته الوهابية واكد لهم انه ليس فى القرآن مجاز وان كل لفظ فى القرآن على حقيقتة ، والمعروف ان الشيخ ابن بازكان ضرير البصر ، فتصدى له استاذ مصرى هو الدكتور الحوفى"الاستاذ المشهور وقتها فى كلية دار العلوم وكان معارا للسعودية وحضر هذا اللقاء ولم تكن منزلته تسمح له بالسكوت على الجهل الذى يسمعه متحصنا بقوة الريال,إندفع الدكتور الحوفى وقال له: اذا يا فضيلة الشيخ فأنت من اهل النار لان الله تعالى يقول(ومن كان فى هذه اعمى فهو فى الاخرة اعمى واضل سبيلا ) وسكت الشيخ ابن باز ثم قال اخيرا ( لقد افحمتنى ويلغى عقدك). عموما فان الخطاب القرآنى يتنوع بين آيات محكمة واضحة الدلالة باسلوب علمى تقريرى قاطع ، ويأتى هذا خصوصا فى آيات التشريع . ثم هناك الاسلوب الأدبى التصويرى والمجازى, خصوصا الذى يصف لنا الغيوب التى لم نشهدها بعد وهى تخرج عن نطاق خبراتنا ومدركاتنا الحسية ، وهى الايات المتشابهة. وهذه الايات المتشابهة فى الحديث عن احوال الاخرة سنرى تحقيقها عمليا وتجسيدها واقعيا فى يوم القيامة حين نتحول الى خلق آخر فى عالم آخر وبامكانات تناسب ذلك العالم الآخر لكننا في هذه الدنيا نحتاج و بصورة ماسة لتنقيح فقهنا و تأريخنا و عقولنا مما علق بها نتيجة الفكر السلفي. [email protected]