كتب الراحل صلاح أحمد ابراهيم في ديوانه : النيل وخيرات الأرض هنالك .. ومع ذلك .. ومع ذلك .. قد يكونا بيتين لقصيدة لم تكتمل ، أم لعلها قصيدة كاملة مشحونة بمعاني تحتاج لصفحات لشرحها والبحث عن اجابات للإشارات الكامنة في طياتها .. خيرات بلادنا لا تقاس بما عند الغير ، أرض خصبة بور لم تستزرع منذ عهد الانسان الأول مكتشف الزراعة ، في باطنها من المعادن ما يذهل الانسان وفي جبالها وسهولها الكثير ، تمشي في مناحيها ملايين المواشي والاغنام ، ويعوم غربها في بحيرة من المياه الجوفية – كما أفادنا علماء الجيولوجيا - .. ومع ذلك .. ومع ذلك .. نستورد مأكلنا شرقا وشمالا من بلاد تغطيها الصحراء ، ومن أخرى يشرب انسانها المياه مستعذبة من ملوحة البحر !! هل العيب في زعماء السياسة الذين لم يملكوا يوما رؤية لمستقبل هذا البلد ، أم لزعماء الدين الذين ما زالوا يرتعون في جهل أتباعهم ، ينعمون بالعيش والكتل العريضة البائسة سعيدة في جهلها ! أم هم العساكر ، من تركوا مهامهم - التي تأهلوا لها بمالنا – وامتهنوا السياسة يضربون فيها شمالا بيمين وجميعنا صاغرون ما داموا يوجهون أدوات عملهم – التي وفرناها لهم – لصدورنا ..! لندع الحديث في السياسة فلها محترفوها – وهم ما ناقصين – ولنتمعن في بعض سلوكياتنا علنا نهتدي الى بعض عللنا .. فالثابت هنا أن المذكورين سابقا هم نحن ونحن هم .. لم يأتُ الينا من وراء البحار ولم يهبطوا علينا من الفضاء .. مفارقة القول للفعل في حياتنا لا يحتاج لدليل ، وأينا من لا يذكر عشرات القصص عن ذلك .. ولكن الأغرب تناقض الفعل مع الفعل في آن - تواترا وتتابعا – وفي ذلك يشترك الجميع علماء وأميون وما بينهما ، سياسيون محترفون وهواة ( وهم باقي الشعب ) فيتعاظم أو يقل الأثر بمقدار حجم صاحبه ووضعه في المجتمع ومن ذلك الكثير في عهد الانقاذ .. من تكسو سماته مظاهر التقوى والورع ، يلقي موعظته على بؤساء معوذين يدعوهم للزهد في الحياة وركل متاع الدنيا ، ويرفل هو في الخيرات التي وفرتها له السلطة مقابل هذه المواعظ ومثيلاتها ! ومن يبتني مسجدا تقربا للمولى بعد أن يمنح أرضا بلا مقابل فيجعل أسواره متاجر يكسب من ورائها الملايين .. بل من حمل قطبان الحديد لسحق خصومه في الرأي ، ثم انتضى لاحقا رداء السلطة فشرد الآلاف من أعمالهم فهاموا وأسرهم فقراء معدمين ، بل شاع عنه أنه اغتال صديقه في الأسر .. كل ذلك وهو لا يني جهداً في البحث في معاني القرآن ومقاصد الدين .. وينفق على الفقراء بما يليه من مال تقربا للمولى .. !! في ذلك تحضرني قصة من سيرة الصحابة والتابعين : كان عبيد الله بن عباس واليا على اليمن من قبل سيدنا علي .. فر الى الكوفة عند قدوم جيوش معاوية .. عينه الحسن بن علي – لاحقا – قائدا لجيشه ، لكنه انحاز بثلثي الجيش الى معاوية مقابل ألف ألف درهم .. هزم الحسن ومات مسموما بعسل دسه له أعوان معاوية الذي قال حين وصله الخبر ( إن لله جنودا من العسل ) ! .. ندم عبيد الله بعدها وأنفق جل ماله على الفقراء والمساكين .. عن ذلك قالت العرب – ترميزا – ( ليتها لم تزنِ ، ليتها لم تتصدق ) .. وفي نفس سياق مصادمة الفعل للفعل ، نرى قادة الانقاذ يحجون مرارا ويعتمرون تكرارا بأموالنا التي ينتزعونها قسرا واقتدارا ، فنتساءل إن كان لذلك ثوابا عند الله وهم يحملون اثقالا من ظلم الناس وقهرهم على أكتافهم .. هل هي مظهرية أم سياحة أم تقربا للمولى الذي فرض الحج مرة واحدة لمن استطاع .. هنا لو كانت الكثرة تغني إذن لفاق ثواب الاغنياء الفقراء أضعافا .. ذلك اسراف لا يغني عند الغني العدل .. طلب الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك من الناس بعد صلاة الجمعة التي حضرها الآلاف ، أن يحضر كل فرد منهم طوبة واحدة في صلاة الجمعة التي تليها وذلك لبناء المسجد الأموي بدمشق .. حضر الجميع وكل واحد منهم يحمل طوبة إلا شخص واحد كان يحمل طوبتين .. ناداه الخليفة وسأله : من أي بلاد أنت ؟ قال : من العراق .. فقال الخليفة : أنتم يا أهل العراق مسرفون حتى في الطاعة ! .... !!! مصطفى محمد علي [email protected]