بعد اتضاح الرؤيا حول زعم أو عزم الحكومة جمع الصف الوطني على صعيد واحد - عبر حوار وطني ومجتمعي شفاف وجاد - لحلحلة قضايا الوطن المجتمعية والسياسية والاقتصادية والأمنية والعدلية ، كتبنا قبل عام ونيف ، مطالبين باشراك قطاع المتقاعدين – وما أكثرهم - في كل مجالس حلول وحلول المعضلات التي حاقت ولا زالت تحيق بهذا الوطن ، الذي خُلقنا فيه شعوباً وقبائل لنتعارف ونتناصح ، ونتوافق بكل الرضا على الحدود الدنيا لادارة شؤونه ، حتى لا يغرق الجميع في سرابات الوهم والآمال الخائبات ، وذلك دون عزلٍ لأحد أو تهميش لآخر مهما انحدر وضاعةً ، أو انتحى عقوقاً ، أو ضربته رياح المسكنة . المتقاعدون عموماً ، يعرفون مكامن كنوز خيرات الوطن ، بمثلما يعلمون مراقد عفاريت شروره ، بحكم خبراتهم الثرة وتجاربهم المتراكمة ، وتفرغهم الكامل لمتابعة الأحوال من خلال إدمانهم الايجابي المكتسب ، بارتيادهم المستمر لأندية المشاهدة الوطنية ، ولعلنا لا ندق على أبواب الفراغ إذا نعتنا جموعهم بالوطنيةً المزدانة بالتضحيةً ، والمعرفةً بتضاريس ومنعرجات الحياة الاجتماعية ، والاقتصادية والأمنية والاستراتيجية . نعلم أن الغالبية العظمى منهم قد ذهبوا للتقاعد مبكياً على شبابهم المهني والعملي الغض ، وأن معظمهم من أهل الجروح النازفات ، بسبب الخواتيم الأليمة وغير الكريمة ، التي أوردهم حياضها نفس هذا النظام الحاكم الآن ، ولكن !! يظل هؤلاء الكرام في أندى ثيابهم الوطنية ، متى لاحت بوارق الحق ، وتمددت سرر الفضيلة ، وآب الظالمون لعوالم العقول الراشدة ، بحثاً عن مخارج آمنة وليس ( مخرجات ) كامنة أو متحجرة ، لينفذ من خلالها الوطن وبنوه الى ساحات النماء والرخاء ، والعدل والسلام والحرية ، بكل الرضا والرضى والقبول ، والترحاب الأرضي ، والمباركة السماوية . لقد ظللنا نتابع قرباً وبعداً أخبار هذا الحراك الوطني المهم ، وفي بالنا كل المؤتمرات والفعاليات التي انعقدت في بواكير حكومة الانقاذ داخل نفس القاعة ( قاعة الصداقة ) ، التي تعتبر الشاهد الأكبر على كل أفعال وأقوال الحكومات السودانية كذباً وحقيقة ، يوم لا ينفع حوار ولا ( مخرجات ) ، حيث قام كثير من حفدة ركاب سفينة نوح عليه السلام ، من فئات الخبراء والعلماء والسياسيين ، والسحرة والمرتادين لكل الأسواق، بالمساهمة بتشخيص الأدواء ومن ثم اجتراح كل الحلول الممكنة عبر الآراء والأفكار والمقترحات والتوصيات ، في مجالات الاقتصاد والأمن والمجتمع ، والدبلوماسية والعلاقات الخارجية ، والقوانين والتشريعات المختلفة ، والتعليم والصحة وحقوق الانسان والحيوان والجمادات . لم يترك الناس شيئاً ولم يبخلوا بعلم اكتسبوه أو خبرة نالوها ، أو مكر احترفوه ، فأفرغوا كل ما في رؤوسهم حروفاً على الورق دراسات ، وتوصيات لو تم تبخيرها وتكثيفها في شكل سحابة ، لأمطرت لؤلؤاً من زهرة الشمس ، وسقت ورداً ، وروت قطناُ وقمحاً ، وسالت خدود الناس مدامع ولكن !! . لقد ظل الكل يترقب النتائج العملية المرجحة لهذه الأطعمة الدسمة ، التي أودعوا ثومها وعدسها وفولها ولحومها مطابخ طهاة وإخراج القرارات من المحترفين متفائلين خيراً زمانئذِ ، بل حامدين شاكرين للانقاذ بداياتها الصحيحة في تشخيص أدواء البلد جميعها ، ومن ثم الوصفات العلاجية الناجعة فماذا حصل في سوق البصل !؟ . مرت السنون ، ونامت التوصيات نومة أهل الكهف رضي الله عنهم ، وامتلأت المقابر بالمُنظِّرين والمنتظرين معاً ، وانسربت كثير من مياه الصرف الصحي والمياه العذبة تحت التُّبون ، وشهد البعض منَّا عصر أكل الجقور للجسور ، ولم ينل الوطن وشعبه سوى ( العجاج ) وكأن الحكومة كانت خلال كل هذه المدة ، شاعر حقيبة يقود عربة ماركة ( فِيَات ) FIAT) ) . الآن تداعى أهل البصائر والغبائن معاً استجابةً لهذا الحوار الوطني المهم ، علَّهم يظفروون بمخرجات وطنية تساهم ايجاباً في انتشال البلاد من وهداتها العديدة ، وكحال الدنيا المائلة فقد أمَّ سوقَ الحوار الكبير كثيرٌ من أصحاب الأجندة الرمادية ، أو الخاصة التي منها الاستوزار ، والتوظيف الأعلى ، أو الظفر بدريهمات يشبعن النَّهم ، أوتحسين المقام الحزبي أو الشخصي في روليت السياسة السودانية الشبيهة بالدوري الممتاز ، وكل هذا لا يمنعنا القول بأن هناك صالحون ووطنيون مشفقون على حال البلد ، وباحثون عن كل سبب للتوافق والتكاتف ، والتكافل من أجل السودان الجريح بأيدي أبنائه قبل أعدائه ، فهل ستكون الغلبة لأهل الخير هذه المرة ، أم سيحافظ الأشرار على مواقعهم القديمة من الاعراب !!؟ على كل حال فقد شارك بعض المتقاعدين النظاميين والمدنيين في فعاليات هذا الحوار ، وساهموا في إثرائه بالأفكار والرؤى ، وقد كانوا فصَّاً مضيئاً في عقد الحوار المجتمعي ، بحسبان أنهم فئة مجتمعية خاصة لها مشاكلها وتظلماتها ، التي منها الاحالات للتقاعد باسم الصالح العام ، والراتب المعاشي الضعيف أو المعدوم ، ومن يدري ؟ فلعلهم يأملون خيراً أيضاً في رد بعض المظالم القديمة ، التي كانت تبدو كمظالم فردية في البداية ، ثم تفاقمت الى غبن فاحش ، فاستحالت وانشطر مذنبها الى فقر مدقع ، وعوزٍ ملازم ، وبؤس دائم ، لا زالت تدفع ثمنه وتداعياته أسرُهم الكريمة ... لقد اطلعنا على مخرجات الحوار الوطني كلها وباركناها حروفاً على الورق ، بحسبانها تشكل مخرجاً آمناً ونافعاً لكل أبناء الوطن حالما تم تطبيقها ، ورأينا كيف احتفى بها الناس متفائلين ، وشهدنا على أن السيد الرئيس قد استلم دفترها سعيداً ، وفي يومٍ مميز هو 10/10/2016م كوثيقة تاريخية قيمة ومهمة لا زالت تلفحها سمائم المراقبة والمتابعة ، وغير ذلك فهي محل اختبار لإيماننا العميق الموثق في الحديث الشريف والصحيح ( لا يلدغ المؤمن من جحرٍ واحدٍ مرتين ) ، فإما تطبيق سليم وصحيح وسريع لهذه التوصيات والمخرجات ، ليسلم جسد الوطن ويتعافى أو تصاب آليات التنفيذ بأمراض التباطؤ والتلكؤ وعدم الجدية ، وفي كلا الحالتين سيعلم المؤمنون- عاجلاً أم آجلاً - إن كانوا قد لُدِغوا مرتين من نفس ( جحر قاعة الصداقة ) أم لا !!!... كل الأمنيات باصطحاب الجدية لانفاذ المخرجات المكتوبة ، حتى ولو على سبيل حرمان العناكب من التمدد سكناً على أوراقها المشبعة بالحروف الهجائية . [email protected]