اثناء تصفح سريع لموقع فيسبوك ليلة امس بعد غياب امتد لاشهر عديدة الا من ثواني على عجل ؛ فوجئت بمنشور في صفحة مربية الاجيال و عاشقة الزمن الجميل المعجونة بطين الاصالة و القدم التي نبشت روائعه و وثقت لاشراقاته الاستاذة وداد بيومي و قد كان من محتوى ذاك المنشور عبارة ( منظمة المرحومة وداد بيومي ) فارتعشت اناملي و ارتعدت فرائصي و غاب عقلي برهة و فقدت الاحساس بالزمان و المكان و عشت مجموع التيه الذي عاشته بني اسرائيل اربعين سنة في دقيقة او دون ذلك و بعد ان استجمعت بقايا المتناثرة عدت مدققا و قارئ له باعين فاض منها الحزن و الرعب الاسود و تحققت من ان الرحيل المر حقيقة و تقفيت الاثار فعلمت بمرضها المفاجئ و رحيلها المفجع في منتصف اغسطس فلم يأتي على خاطري سوى ان اغلق الباب على نفسي و ابكي و اتنهد بحرية لعل الدموع تغسل حزني و اوجاعي و لكننا نعيش في زمن اصبح فيها البكاء نوع من الرفاهية الباهظة الثمن . رحلت وداد بيومي و الطيبون من عاداتهم ان يرتحلوا سريعا الى غياهب الصمت الابدية تاركين خلفهم نفحات عطرهم تتهادى في ارجاء الفضاء المترامي و جميل صنائعهم تضج بها الذكريات التي خيم عليها الاسى و وحشة الفراق . رحلت وداد بيومي فرحلت امرأة من زمن الحشمة و الاناقة و الجمال ؛ كيف لا تكون كذلك وهي صاحبة الوجه المليح و الخد الاسيل المرصع بالوقار و الاحتشام ، وهي الانيقة في ازيائها و طلتها و اهتماماتها و اسلوبها الفخيم . مجرد لقاء عارض كافي لسحرك بثقافة و رقي ( بنات الخرطوم الجوانية ) وهي التي ترعرعت في ظلال التمدن و التحضر و الحداثة المصحوبة باشراقات الماضي و قيم الاسلاف و سلوكياتهم الرفيعة . لقد كان التوثيق للازمان الفوتوغرافي الغابرة و نقل الابناء الى عوالم الاباء و الاجداد في مقدمة اولوياتها و اهتماماتها و كأنها كانت تشعر بدنو الاجل فارادت ان تنتهي سريعا من حصتها الاخيرة لتأخذ الاجازة الابدية و العطلة الصيفية الاخيرة التي لن ترى بعدها ثلوج الشتاء و ازهار الربيع المونعة . لقد كانت تاكسي للسفر عبر الزمن وفر لكثير من المعاصرين فرصة معايشة الماضي بصورة مختلفة عما كانت تحتويه كتب المؤرخين بين طياتها و الروايات الشفهية المتوارثة . لقد كانت كل صورة عبارة عن قطعة فنية ثمينة منتقاة بعناية فائقة و قد كانت كل صورة عبارة بؤرة تتجمع فيها احداث حقبة زمنية عريضة و استلهام الماضي باحداثه المتباينة و تفاصيله المتشابكة من خلالها امر في غاية اليسر . لم تكن وداد نحمل تبعية مطلقة او ولاء صارم لاي من التكتلات السياسية و الفكرية و الاثنية التي غصت بها ارض النيلين ، بل كانت قومية الولاء و البراء تحمل في جعبتها فكر مستقل بمرونة و اتزان و فلسفة ثاقبة نابعة من عراك طويل للحياة و تمرس في شتى ضروبها . لم يكن التحامل و التحيز و الميل و التعصب و التصنع و التملق يحظى بمكان في حنايا عقلها و فكرها و قد كانت تنتقد و المنطق يتبعها و تمدح و الحقيقة تحيط بها احاطة السوار بمعصم الحسناء . لقد كانت محبة متفانية لنظام الرئيس الراحل جعفر نميري و قد كانت تدافع عنه بجلد و حماس حفه الهدءو و الرصانة و عبقرية في تقديم الحجج و دحض الافتراءت و الشبهات ما يدل على علو كعبها و سبق قدمها و سعة افقها و اطلاعها . آخر الكلام ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ وداد بيومي سلام عليك في الخالدين و تقبلك الرب الغفور في الصالحات . آخر الحكي ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ ايها النسمة تمهلي !!!!!! [email protected]