الانطباع الذي يخرج به الاجنبي الزائر من بلد ما لا تصنعه الاشجار الباسقة ولا الطيور المغردة، ولا السماء الزرقاء ، ولا الشمس التى عندما تزول عن كبد السماء كان هذا ايذانا بصلاة الظهر . إنه انطباع قطعاً لاتصنعه العمارات العالية ولا تعدد ادوارها ولا العربات التى تزحم شارع الجمهورية ولا سواد عيوننا . ولا طولنا الذي يبلغ خمسة اقدام وسبع بوصات ولا لوننا العسلي، ولا شهادة ميلادنا بالتسنين ولكنه الانطباع الذي يجعل الاجنبي يحس به بتصرفاتنا واخلاقنا ومعاملاتنا.. فالطيور المغردة والسماء الزرقاء والعمارات العالية موجودة في كل انحاء العالم ولكن المكان الوحيد الذي يوجد فيه السودانيون وبكثرة والحمدلله هو السودان .. وقد احترت والله في تصرفات بعض الناس حيال الاجانب- وربما يظن الشخص طالما أن الموضوع متعلق ببعض الناس فهؤلاء قلة ولا يجب ان ننشغل بهم. ولكن الاجانب ايضا قلة ونحن لا نتحمل ان يشوه سمعتنا امامهم اي شخص .لان الاجنبي الواحد ربما نشر دعاية ضارة عنا في قطر بأكمله وذلك من الانطباع الذي يتركه فيه شخص واحد لايحسن التصرف... فلماذا يعتقد بعض الناس ان الاجنبي شخص جاهل يستطيعون ان يستغفلوه ؟ لماذا يتوهمون انه يحمل اموالا طائله هي ملك حلال لهم ان يلقفوه ؟ ولماذا يتخيلون انه يحمل كميات هائلة من الشراب وماعليكم جناح ان تشربوه؟ صحيح كما قال جورج ميكاش إن الاجنبي لا يستطيع ان يكون اي شئ غير أنه اجنبي . فالمجرم الخطير يمكن ان يستغفر فيتوب فيصبح شخصا صالحا فيقبله المجتمع وهو عنه راض، ولكن الاجنبي لايستطيع مهما تاب واستغفر ان يكون شيئا آخر غير أنه اجنبي. أشرت لسائق تاكسي وكان معي صديق اجنبي وضعت عفشه علي ظهر التاكسي ثم اشرت الي السائق ان يتحرك نحو المطار. وفي الطريق الي المطار كنت صامتاً افكر في احداث ذلك اليوم فصديقي الاجنبي كان مندوبا لشركة تبيع بعض الاشياء وقد كان في رحلة إلى بعض الدول الافريقية وقد جاء للسودان في مهمة تتعلق بإبرام بعض العقودات وهو يحمل عينات معينة من الاشياء التي يسمح بها قانون الجمارك ان تعرض كعينات او تقدم كعينات لا تصلح للبيع.. وقد كان عليه أن يقابل المسؤولين في بعض الشركات التى تستورد من الخارج .وامام بوابة احدى الشركات استقبلنا السيد طرشي وهو ليس له علاقة بالاستيراد ولم يعمل بالاستيراد ولكنه عندما علم بمهمة صديقي اخذنا الي احد المكاتب...وهو يقول لصديقي: -هالو....مستر...نحن مسرورين بزيارتك...وان شاء الله البلد عجبتك. وكان المستر يرد ان كل شئ تمام وانه مبسوط من البلد.وهنا هجم السيد طرشي علي حقيبة المستر وهو يقول لصديقى: – ايوة ...ياخواجة ورينا عندكم شنو؟ واشتغلت اصابعه المدربة علي فحص محتويات الحقيبة وفي دقيقة كان يخرج من كل نوع اتنين وهو يصيح: -ياسلام ياخواجة...عايزين من ديل اثنين عشان نوريهم الزباين وكمان من ديل شوية عينة يعنى عشان نوريهم الزباين ودلوقت من النوع دا كمان ياسلام...اهي دي احسن عينة والزباين ان شاءالله يكونوا مبسوطين جدا...ياخواجة وياسلام علي النوع دا ....تصور دا رسلنا ليهو في سويسرا مالقيناه..دلوقت جانا هنا...ماشي بكرعينو.. وعلي اي حال دي حاجات عظيمة تنفع معانا جدا ومع جو البلد دا.. واستمر يلملم ثم قال للخواجة.. – ياخواجة ان شاء الله تكون جبت معاك حاجة بشربوها... – وهز الخواجة رأسه بالنفي قائلا انه لايتاجر في هذه الامور. -لا...اقصد لاستعمالك الشخصي مثلا؟ – وهز الخواجة رأسه بالنفي ايضا مؤكدا انه ولا حتى لاستعماله الشخصى . – ولا ويسكي ؟ – لا – ولا كونياك ؟ – لا – ولا حتى بيرة علب ؟ – لا – يعني تقصد إنت ما بتشرب كلو كلو؟ – لا – ويتحسر السيد طرشي – طيب والكافر ليها شنو؟ وقلت لطرشي: – تقصد إنك بتشرب ؟ – أجاب : لا ولكن نحنا بنعرف نصرفهم كيف. ثم واصل حديثه: – ياسلام خسارة والله...بس ان شاء الله تكون عندك كمان اي عملات اجنبية زى دولارات او استرلينى...أو يورو نحنا برضو شغالين في العملة وبندي سعر كويس واجاب المستر خواجة بأنه لايتاجر ايضا في هذا النوع. وشعرت بإحراج وغضب وقلت: -الحكاية شنو؟ هي استهبال ولا استغفال ولا ايه الموضوع اجاب بحدة: -الحكاية بيع وشراء...ودى طريقتنا نحنا مع الخواجات وانت زعلان ليه؟.. وافقت من تأملاتى هذه علي صوت العربة وهي تقف فقد وصلنا المطار وادخلت يدى في جيبي لادفع لسائق التاكسي الأجرة فقال: -دا شنو دا...؟ قلت: حق المشوار.. قال: والله تعبنا معاكم يا اولاد البلد .....يااخي ماتخليهو هو يدفع ؟ كان علي الاقل طلعنا لينا منو مية دولار زيادة.اصلوا ما نستنفع من الخواجات ديل..؟ الصحافة