سبق وأن كتبتُ مقالاً وأرسلته إلي جريدة الجريدة تحت إسم قطار الحوار وذلك قبل يومين من إنعقاد الجمعية العمومية للحوار , ولم تشأ الجريدة نشر المقال وكان التساؤل يومها هل يبلغ قطار الحوار محطته الأخيرة في العاشر من أكتوبر عام2016م وبالفعل قامت الجمعية العامة وأقرت التوصيات بالصورة التي خرج بها وبحضور شهود من المجتمع الدولي والإقليمي وإستبشر الناس خيراً وظن أغلب السودان وإن بعض الظن إثم إن مخرجات الحوار قادرة علي الأقل في وضع الأمور في نصابها ، وإن الصور المقلوبة التي عايشناها أمداً في ظل حكومة المؤتمر الوطني سوف تستعدل لتسير البلاد سوياً علي صراط مستقيم ، وقد إحتفل المؤتمر الوطني بهذا الإنجاز غير المسبوق وإعتبر ذلك نجاحاً له وأكد قادته باغلظ الإيمان أنهم سوف ينفذون و ينزلون تلك المخرجات علي أرض الواقع في شراكة مع أهل السودان وإنه لقسم لو تعلمون عظيم .... وبالمقابل فإن الممانعين بدأوا في ضرب الأخماس في الأسداس ويعيدون التفكير كرة من بعد كرة في جدوي رفضهم اللحاق بركب الحوار الوطني فهذا الحوار قد تلمس قضايا السودان بصورة شفافة وإن ما كان مسكوتا عنه ولا يجرؤ أحد علي الحديث ولو بصوت خافض خرج إلي العلن بل أصبح ضمن المخرجات وواجب التنفيذ وبالعموم فإن الأمور ورغم تقاطعاتها أصبحت تسير نحو الإنفراج .. وتقارب المسافات بين الفرقاء ولكن دهاقنة النظام ممن لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب لا يمكن أن يتركوا الأمور تسير سيرا حسنا , فقد تطبعوا علي تعكير الأجواء بل تسميمها فخرج علينا نافع علي نافع بتصريح أقل ما يقال فيه إنه يفتقر إلي اللباقة قائلاً ان منصب رئيس الوزراء المستحدث سيكون من نصيب المؤتمر الوطني هذا التصريح وإن كان صادراً من شخص عُرف بترهاته المتكررة الا أنه ألقي بظلال من الشك في صدقية المؤتمر الوطني ، لم يقف الأمر عند هذا الشخص ، بل ذهب الرجل الثاني في الحزب إبراهيم محمود إلي ذات إتجاه نافع بأن المنصب المستحدث سوف يذهب إلي المؤتمر الوطني وأضاف أن الحزب سوف يحتفظ بأغلبيته في الحكومة بإعتباره الحزب الحاكم ... هذه التصرفات تكشف عن عقلية بائسة يصعب معها حلحلة مشاكل البلاد ، تجاوز الناس عن هذا الكلام بإعتباره سابقاً لأوانه ولكن الطامة والعقبة الكؤد وقعت فوراً ، أسرعت الحكومة وبالتحديد رئاسة الجمهورية بإيداعها التعديلات المقترحة علي الدستور منضدة المجلس الوطني بطريقة تخالف روح الوفاق الذي ساد منذ إقرار المخرجات كان الظن أن تتولي دراسة هذه التعديلات الآلية المسماة ب[7+7] أو تعهد التعديلات للجنة قانونية من قوى الحوار حتى تأتي حزمة واحدة وشاملة , بدلاً من ذلك قدمت السلطة تعديلات جزئية تمثلت في إنشاء منصب رئيس الوزراء وتعيين أعضاء في المجلس الوطني وإستحداث منصب المدعي العام .... الخ وحتى هذه التعديلات جاءت بصورة تتقاطع مع مُخرجات الحوار، فرئيس الوزراء يعينه رئيس الجمهورية ويعزله ، وإن مجلس الوزراء يحله الرئيس وإن الرئيس هو الذي يعين الوزراء ووزراء الدولة وكل الدستوريين المدنين والعسكريين وإن الوزير الإتحادي مسئول في أداء عمله أمام رئيس الجمهورية وإن رئيس الجمهورية هو الذي يضع سياسات الدولة ويشرف علي تنفيذها ... وهو الذي يقدم مشروعات القوانين للمجلس الوطني ... أي أن سلطات الرئيس تعاظمت أكثر فلم تترك شاردة أو واردة إلاّ ووضعتها بين يدي الرئيس ... بينما نجد في المُخرجات أن رئيس الوزراء هو رئيس الجهاز التنفيذي وإنه مسئول أمام الرئيس والمجلس الوطني .. مسكين هذا المجلس فقد حشر في هذا الأمر حشرا فهو لا يستطيع وفق التعديلات المقترحة محاسبة رئيس الوزراء أو سحب الثقة منه فضلاً عن دوره في تعينه!! ما الداعي لإستحداث هذا المنصب إذا كان الرئيس هو المهيمن علي الجهاز التنفيذي فرئيس الوزراء لا يستطيع تعين وكلاء الوزارات ولا مسئولي المؤسسات العامة مثل الضرائب والجمارك ومحافظ بنك السودان ومديري البنوك الحكومية .. لا يستطيع التعيين ولا التوصية بتعينهم فالأمر بيد الرئيس إن شاء شاور رئيس الوزراء [ شورة عبيد] والناس بين مصدق ومكذب لما يجري بعد مُخرجات الحوار جاء الخبر اليقين من ذات المكمن [ قرارات إقتصادية] فاجأت حتى قادة المؤتمر الوطني بل تجاوزت المؤسسات , لا ندري ! متى نوقشت هذه القرارات في مجلس الوزراء ووافق عليها!! ولكن الذي نعلمه يقيناً أن المجلس الوطني وفي هذا الأمر بل غيره لا في العير ولا في النفير.. هذه الزيادات مهما كانت المبررات ضررها أكبر من نفعها وإن إنزالها في الواقع سوف يحدث تصدع في جبهة الحوار الوطني بل يصبح الحوار هباءاً منثورا هل تدرك الحكومة التي تدير الأمور بليل اثر قراراتها العشوائية ؟ أم أن هنالك أيادي داخل النظام لا تريد أي إنفراج في الوضع فهي تقاتل علي إبقاء الوضع كما هو لأسباب بعضها يعلمها الناس وبعضها يخفي عليهم ... . هذه التصرفات لا شك في انها تلقي في روع القادمين إلي السلطة من باب الحوار خوفاً وشكاً في قدرتهم علي المشاركة الحقيقية فالحزب الحاكم والذي يتعامل مع عضويته المنتظمة في المؤسسات التنفيذية والتشريعية بهذه الصورة لا يأبه بالآخرين كما هو حاصل للمشاركين في حكومة الوحدة الوطنية العريضة الذين لا ذكر لهم ولا يحزنون ... أين رئيس البلاد من كل الذي يجري أين تعهداته وإلتزاماته فهو الذي بادر بالحوار وهو الذي قاد الحوار وتجاوز به كل المطبات وهو الذي استلم المقررات وهو المنوط به إنفاذها شخصياً بحكم مسئولياته الدستورية والوطنية هل يغض الطرف عن كل هذه المعوقات حتى تغرق سفينة الحوار وتغرق معها البلاد ... التاريخ لا يرحم فهو شاهد لك إن أحسنت وشاهد عليك إن أساءت . بارود صندل رجب المحامي [email protected]