(1) فوز ترامب في انتخابات الرئاسة الامريكية احدث ضجة وزلزالاً قوياً في العالم كله بحكم ان امريكا هي صاحبة التأثير الاعظم في السياسة العالمية في هذا العصر ، ولا شك ان هذا الزلزال و التداعيات ستطال السودان حتماً وسيكون لها تأثيراً بالغاً علي مجمل الاوضاع في السودان ، والسودان منذ اوائل التسعينات دخل في دائرة الاجندة المباشرة للإدارات الامريكية المتعاقبة ، وقبلاً كان السودان يدار بعدم المباشرة تفعل ذلك دول الجوار الاقليمي بالوكالة عن الحكومة الامريكية ، ولا تستطيع في كل الاحوال ان تجزم بأي الاوضاع كانت الافضل للسودان ، ان يوضع تحت مجهر الادارات الامريكية بشكل مباشر ، او ان ترسم السياسات والتعليمات والأجندة له عبر طرف ثالث . (2) فوز ترامب بالرئاسة الامريكية قلب كل الاوضاع والتصورات والمقاييس القديمة ، وبدون شك سيخطئ المهتمون بالشأن السوداني اذا تمت قراءة المشهد السوداني في السياسية الامريكية الجديدة علي السياقات القديمة ، فالواقع الجديد الذي تشكل بعد فوز ترامب يفرض تصوراً جديداً ورؤية جديدة يمكن عبرها تقديم قراءة مختلفة للمشهد السوداني في عصر ترامب . (3) اول الاشياء التي يجب اعادة النظر في قراءتها والتي كانت سابقاً مقياس لرسم العلاقة هو انتماء الرئيس الامريكي الي احد الحزبين الديمقراطي او الجمهوري ، صعوبة قراءة المشهد السوداني في السياسية الامريكية علي ضوء انتماء الرئيس في حالة ترامب قطعاً سيقوم علي استنتاج خاطئ وسيؤدي الي نتائج خاطئة ، فالرئيس الامريكي الجديد ترامب غريب علي الحزب الجمهوري ولا يعبر عن سياساته كما هو معلوم للجميع ، وقد شهدت الانتخابات الامريكية اغرب الوقائع في تاريخها فالرئيس الذي ترشح عن الحزب الجمهوري كان ابعد المرشحين عن برنامج وأدبيات الحزب الذي ترشح نيابة عنه ، وعلي ذات النسق الغريب تخلي كبار رجالات الحزب الجمهوري عن دعم ترامب في الانتخابات الامريكية بل ان بعضهم دعم خصمه ، ولذلك قراءة المشهد السوداني في عصر ترامب علي انتماءه للحزب الجمهوري سيؤدي الي نتائج غير موضوعية وبعيدة عن الواقع . (4) قديماً واحدة من الاسباب التي جعلت السودان تحت المجهر المباشر للسياسة الامريكية هو تأثير اللوبي الافريقي علي السياسة الخارجية الامريكية ، ولعل الصراع بين حكومة الانقاذ والحركة الشعبية في بداية التسعينات من القرن الماضي كان البداية لهذا التاثير، تطور هذا العداء بعد استفحال ازمة دارفور وتجلي في اعظم صوره في القرارات الامريكية المتوالية ضد حكومة الانقاذ والقرارات الاممية من المنظمات الدولية ضد الحكومة السودانية ، هذا الواقع القديم في الادارات الامريكية وتأثير اللوبي الافريقي لا يمكن قراءة تأثيره علي المشهد السوداني في عصر ترامب بعيداً عن تصريحاته في ايام الانتخابات الامريكية وهجومه علي الاقليات والاقلية الزنجية تحديداً نالت نصيباً كبيراً ، علي هذا النسق يمكن القراءة ان تأثير اللوبي الزنجي علي السياسة الخارجية في عصر ترامب لن يكون مثل ما كان في السابق وقد يصل الي العدم . (5) كذلك من الاشياء التي ستكون مفصلية في تحديد سياسة ترامب تجاه السودان ، هو موقف ترامب من ظاهرة الاسلام الحركي او بالمصطلح الغربي ظاهرة الاسلام السياسي ، ومن المعلوم ان الرئيس الامريكي ترامب يكن عداء للمسلمين بصفة عامة بغض النظر عن انتمائتهم الضيقة داخل الدين الاسلامي ، ولعل هذا سيكون واحد من البوابات التي تشير الي ان سياسة ترامب تجاه السودان الموصوم بأن المنظومة الحاكمة فيه تنتمي الي تيار الاسلام الحركي ستكون اشد عداء واكثر صعوبة . (6) الباب الضيق الذي يمكن ان يلج منه السودان في عصر ترامب ، هو تحسين علاقاته مع اللوبي اليهودي وتطبيع علاقاته مع الدولة الاسرائيلية ، والذي لا شك فيه ان سياسة ترامب ستميل كفتها الي اللوبي اليهودي وسيكون تاثيره اعظم في السياسة الامريكية في عصر ترامب ولعل تصريحات ترامب الانتخابية تعزز هذا الافتراض . (7) كذلك من الابواب الضيقة التي يمكن ان ينجو منها السودان في عصر ترامب ، عزلة امريكا في عصر ترامب عن العالم الخارجي وضعف تأثيرها او ان شئت قلت تخليها عن السياسات التوسعية وانكفائها علي اوضاعها الداخلية ، وما يعزز هذا الافتراض هو حالة الانقسام التي شهدها المجتمع الامريكي في الانتخابات الامريكية وقطعاً معالجات الانقسام قد تمتد لسنوات عديدة ، وافتراض ضعف الادارة الامريكية وحالة الانقسام حولها سيفتح الباب علي ثنائية في السياسة العالمية وقطعاً السودان سيكون مستفيداً من تعدد القطبية العالمية . (8) كذلك من الابواب الضيقة التي يمكن ان ينجو منها السودان في عصر ترامب ، قدرة المؤسسات الامريكية علي كبح جماح ترامب وتحقيق توازن في السياسة الخارجية الامريكية ، وهذا الافتراض سيعيدنا الي منهج السياسة الخارجية الامريكية في عهد الحكومات الجمهورية تجاه السودان ، واذا تتبعنا سياسة الحزب الجمهوري مع الحكومة السودانية في عصر الانقاذ فهم اقل سوء في علاقتهم من الحزب الديمقراطي . (9) من الاشياء التي لها قيمة ولها تاثير هو قدرة الحكومة السودانية علي بناء علاقات قوية مع المؤسسات الامريكية ولعل هذا الامر لم يحدث بما فيه الكفاية ليخدم اجندة الحكومة السودانية ، لكن يمكن التعويل علي العلاقات مع المؤسسات الامريكية لا سيما وان الرئيس ترامب محدود المعرفة بالسياسة الخارجية ، كذلك من الاشياء التي سيكون لها تاثير هو قدرة خصوم الحكومة السودانية علي اختراق المؤسسات الامريكية ولعل الحركات المسلحة عبر علاقاتها الممتدة مع المؤسسات الامريكية سيكون لها تاثير علي رسم السياسة الامريكية تجاه السودان . [email protected]