وسؤال: اليمين واليسار في الغرب؟ (كلام عملي وموقف اخلاقي)! أنا في الشرق يساري وفي الغرب مثل الحرباء، أتلون وفق لون المصلحة، أعطي صوتي الإنتخابي في هولندا حسب البرنامج الإنتخابي وليس الإنتماء الآيديولوجي. (ملاحظة إستباقية: هذا الحديث يجيء رداً على جدل مشابه حدث على حائطي بالفيسبوك وأحببت أن أوسع دائرة النقاش إلى مدى أبعد). اليمين واليسار في الغرب مختلفان من حيث التكوين العضوي والوظيفي والقناعات الآيدولوجية عن مسميات يمين ويسار لدينا في الشرق. في الشرق اليمين مربوط بالديني والدولة الدينية (أيضاً رأسمالية) واليسار مربوط بالعلمانية والشيوعية والمعسكر الشرقي (البلوريتاريا، وإتحاد عمال العالم) أي هو جزء من تجمع الفقراء الكوني في مقابل الأغنياء، هذا في معناه الأكثر حدة ووضوحاً، طبعاً هناك مساحات أوسع للمصطلح بالذات بعد إنحسار المعسكر الشرقي. في الغرب لا معنى واقعي "إجتماعي" للحديث عن دولة دينية ولا الحديث عن شيوعية كون هناك دولة راسخة قائمة بالفعل (متحققة في عين الوجود) هي دولة المواطنة (ديمقراطية/علمانية) ودولة السوق الحر (رأسمالية/اقتصاد مختلط). ولا يوجد صراع طبقات يقوم على أسه النشاط السياسي ولا كتل طائفية أو قبلية كما الشرق، بل كل الأحزاب السياسية في الغرب تقوم في البدء على قناعة لا حياد عنها بالدولة القائمة بالفعل على المواطنة والسوق الحر (الدولة الأكثر حداثة مقارنة بالتاريخ البشري كله أو كما يقرها الاكاديميون ومنهم الماركسيون انفسهم)!. وعليه يكون هناك هامش صغير للمناورة يلعب فيه الخصوم السياسيين بجميع أطيافهم الممكنة . ذلك الهامش يقوم على اس الترتيبات الإقتصادية السائدة: الضرائب والمداخيل وترقية الإنتاج والضمانات الإجتماعية. وعليه فإن اليمين واليسار لا يتمايزان ابداً في شي جوهري حيال السياسات الداخلية. ولكل تلك الأسباب فالصراع لطيف إلى حد كبير إلا عندما يأتي الحديث عن مهددات للأمن الإجتماعي أو الإقتصادي وعندها فقط تتمايز الصفوف أحياناً بحدة ودائماً ما يبرز للعلن الدور السلبي للأجانب (المهاجرين) في البلد الأوروبي المحدد. وغالباً ما تتبنى بعض الخطوط اليمينية التضييق القانوني "أو تعد به" على الهجرة والمهاجرين كي تكسب تعاطف المتضررين (في الحقيقة أو الوهم) من سكان البلد الأصيلين. في المقابل يقف اليسار علناً أو "صمتاً" مع المهاجرين كي يكسب أصواتهم الإنتخابية. وفي إطار كل هذا فإن السياسية الخارجية لليمين واليسار حيال المشرق شبه موحدة وليست ذات تمايز ذي بال وتختلف من وقت لآخر ومن مرحلة لمرحلة حسب دوائر المصالح الإقتصادية وحدها ومؤخراً الأمنية أيضاً وتلك السياسة لا تخضع لأي معايير آيدولوجية من شاكلة دين أو لا دين أو إشتراكية أو علمانية. كل ذلك لا يهم اليسار الغربي ولا اليمين فقط المحددات العملية التي قلنا بها للتو. عن تجربة صغيرة وعملية خاصة: منذ مدة طويلة عندما تأتي الإنتخابات البرلمانية الهولندية "أعيش بها واحتفظ بالجنسيتين" أصوت للبرنامج الحزبي المحدد وفق خططه في السياسة الخارجية وموقفه المعلن من قضايا التنمية والسلام وحقوق الإنسان في أقليمنا وشرقنا وبقية أرجاء العالم المأزومة. ولا أعبأ كثيراً بالموقف من الأقليات في هولندا أو عموم المهاجرين في الغرب الأوروبي كوني أعيش مادياً بالغرب!. نحن وأمثالنا موجودون في بلدان ديمقراطية وفي رفاهية مادية بالمقارنة ونستطيع بالتالي حل مشاكلنا بقليل من الإجتهاد. فمرة أصوت لليسار المتطرف ومرة للوسط ومرة لليمين المتشدد ولو في غاية التشدد ما دام سياسته الخارجية تنسجم مع مبادئي ومعاييري الذاتية.. إنه موقف أخلاقي ذاتي لا أطالب به الآخرين فقط أحب أن أشرك البعض منكم وجهة نظري. ووفق هذا الفهم فقد تقلبت في خلال العشرة سنوات الماضية في عضوية ثلاثة أحزاب سياسية بحسب تقلبات مواقفها من السياسية الخارجية وهي: اليسار الأخضر وحزب العمال والحزب الليبرالي "جهة أقصى اليمين". وعليه بذات العين أنظر للسياسة الأمريكية وحددت موقفي الذاتي من الرئيس دونالد ترامب قبل فوزه الذي توقعته وقلت به بأكثر من عام ووفق المعايير التي قلت بها أعلاه!. محمد جمال الدين [email protected]