وما أعظم المسؤولية وما أثقل أمانة التكليف التي تقع على عاتق الرؤساء والولاة، وكل من ولى من أمر الناس شيئاً! أحمد الله مثنى وثلاث ورباع على كوني مواطن بسيط مبلغ همه في هذه الدنيا الفانية « أم بنايا قش » أن يعيش مستوراً لا يتكفف الناس أو يسألهم إلحافاً، ولا يقف على أبواب السلاطين وقوف مسكنة وذلة واستجداء ليخرج منها بالعطايا والهدايا والمكرمات، أو ينال بها منصباً أو جاهاً، ومن نصائح أبونا الشيخ عبد الباقي المكاشفي، تحذيره من الوقوف على أبواب السلاطين والتطلب منهم، كما أنشد حكيمنا السوداني الأشهر الشيخ فرح ودتكتوك القصيدة الشهيرة التي يقول مطلعها: يا واقفاً عند أبواب السلاطين أرفق بنفسك من هم وتحزين من يطلب الخلق في جلب مصلحةٍ أو دفع ضرٍ فهو من المجانين استغن بالله عن دنيا الملوك كما استغنى الملوك بدنياهم عن الدين وأعلم بأن الذي ترجو شفاعته من البرية مسكين ابن مسكين... هذا غير عشرات الأدبيات التي تحفل بها كتب السيرة والفقه، وجميعها تحذر من التزلف إلى السلطان والوقوف على أبواب قصوره رهبة من سلطانه أو طمعاً في عطائه... نعم، لقد حمدت الله كثيراً على أنني لم أكن صاحب مسؤولية عامة على أي مستوى كبرت أو صغرت، وأنني لست سوى مواطن « ساكت » من الرعية، لا سلطة لي ولا مال ولا كلمة ولا نفوذ، وكيف لا أحمد الله على أنني لا اتولى أية مسؤولية رسمية أسأل فيها عن بغلة تعثرت لِمَ لم أسوِ لها الطريق دعك ممن كرمهم الله على كثير مما خلق ، وصرخات تلك المرأة الجائعة تشق القلوب قبل الاذان « أنا جائعة، أنا جائعة، أنا جائعة »، وما تتفطر له القلوب حزناً ويزيدها لوعة أنه في الوقت الذي كانت تجلجل فيه هذه الاستغاثة الحزينة التي لا تطلب سوى سد الرمق وتهدئة لسعات الجوع وقرقرة البطن الخاوية، هناك آخرون متخمون بالشبع مما لذ وطاب .. كانت تلك السيدة المكلومة التي هدها الجوع تطلق استغاثة مكتومة عبر احدى اذاعات الاف إم ، أنا جائعة، أدركوني أنا جائعة، أنا جائعة، وكانت الاذاعة في تلك الآونة تبث برنامجاً خصصته للتكافل وفعل الخير، ولم تكد المرأة تكمل عبارتها حتى انقطع الارسال ولم يجد أهل الاذاعة ما يدلهم عليها سوى الرقم الذي اتصلت منه، ولكن ما هي إلا هنيهة زمن حتى تقاطرت الاتصالات من المستمعين من كل حدب وصوب يقولون لبيك أيتها الجائعة، ويعلنون تبرعاتهم وبعضهم يبكي وبعضهم استطاع في زمن قياسي الحصول على عنوانها كاملاً وبعضهم اتفقوا على أن يجتمعوا ويجمعوا ما يستطيعون ويحملونه اليها حيث تقيم، وكل هذا يحدث والسلطة تلقي بالأحاديث النظرية الهلامية عن دعم الشرائح الفقيرة فأين هو هذا الدعم ؟.... الصحافة