بسم الله الرحمن الرحيم في إقتباس من مقال سلوكيات القطيع لرائد الدبس في الحوار المتمدن يقول :(إذا تأمل الإنسان في سلوكيات أي قطيع من الكائنات الحية، فسوفَ يرى كيف يُساق القطيع . وأياً تكن الفكرة التي يُساقُ القطيع من أجلها : أصولية دينية متطرفة، أم شمولية لادينيّة متعصبة، أم عرقية وطائفية منغلقة أو قبلية وإن اتخذت لنفسها أشكالاً حداثية، فإن القطيع هو القطيع وإن اختلف لونه . يُباع القطيع ويُشترى فُرادى أو جماعات ولا يدري من سيكون سيدهُ ومالكهُ الجديد ، فهو لا يملك قرارهُ وهكذا دواليك.. يسير القطيع ويأكل ويشرب ويلهو وينام ويقضي كل احتياجاته البيولوجية على نحو جماعي ، ولا يشعر بالسكينة والطمأنينة إلا ضمن القطيع لكنه سرعان ما يتفرق ويهرب فُرادى ، والهرب للنجاة بالنفس هو السلوك الفردي الوحيد الذي يُتقنه القطيع بصورة غريزية . لا يمتلكها القطيع أبداً إلا في حال الهرب للنجاة بالنفس ... ، لكنه يشعر غريزياً أن الأضعف والأقل حظاً سوف يَمضي إلى قَدره دون أن يحميه القطيع ، لذا فهو جبانٌ عديم الإرادة سهل الافتراس وسريع الاستسلام ، ولا قيمة أبداً لمعنى التضامن لديه رغم أنك لا ترى القطيع إلا مُجتمعاً . يصرخ القطيع جماعياً ولا يقول شيئاً . يُساق إلى الذبح بصورة جماعية لكنه يُذبح فُرادى ، وخلال عملية ذبح كل فرد من أفراده يعلو صراخهُ جماعياً من شدة الخوف من مصير الذبح المحتوم وعزاء كل فرد أن سكين الذبح لم تصل رقبته بعد . هكذا ، بالتواتر وبصورة تلقائية يتحول الأمر إلى ما يُشبه اللامبالاة وانعدام الشعور وصولا لدرجة القسوة اللاواعية الفظّة والفظيعة طالما أن السكين لا يزال بعيداً عن الرقبة وبالتالي فلا وجود لمفهوم الضمير الجماعي بل مجرد غريزة القطيع . لذا فقد قال الأديب والمربي الفرنسي الشهير آلان في كتابه " أحاديث عن التربية" : "القسوة تتضاعف بفعل الحشد (القطيع) ولذا فهو يَمضي لحضور عذابات يخاف منها ." ) انتهى الاقتباس. ومن هذا السلوك تنحدر شجاعة القطيع . فلعلك شاركت أو شاهدت معركة حربية بمجرد أن يطلق القائد تعليمات الهجوم تسرع الجنود تجاه العدو وهم يصيحون رغم علمهم أنهم في مرمى النيران .وذات الجندي لو أمرته أن يهجم العدو منفردا لن يفعل . وهذا ما يفسر المثل الشعبي الموت مع الجماعة عرس . علمت أخي كيف ترقص الجموع طربا مع البشير في الاحتفالات المختلفة . فلن يقوى أحد على عدم المشاركة موظف خدمة مدنية وإن كان شيوعي وأبناء القبيلة وإن كانوا أنصار المهدي عمال المصالح والشركات وإن كانوا ختمية. كلهم تسوقهم مبرراتهم من خوفهم على مرتباتهم وأكل عيشهم إلى مصالح القبيلة وحقوق المنطقة .ولكن باستطلاع فردي بعد ان تنقضي الدلوكة وتنفض الحشود ،تسألهم عن السلطة،يقرون بفسادها وعن المعيشة يؤكدون ضنكا وضيقها . شجاعة القطيع ما تحتاجه الثورة السودانية فليعمل على صناعتها النخب ففي السابق تفعلها الفئات الأكثر تضررا من العمال ولكنهم اليوم لهم خيارات أخرى غير المرتب .أو الذين ليس لهم ما يخسرونه مثل الشماسة في مارس 86 .أو الطلاب كما يفعل طلاب الجامعات كل حين يخرجون ضد نظام الإنقاذ رغم العنف والتعسف الذي يقابلون به وفعلها طلاب الثانويات في سبتمبر2013 ولكن تطور فكر الاستبداد عند العسكر وعمق تجربته أسعف الإنقاذ في البقاء ولم تكفي حركات الاحتجاج الطلابية في الخرطوم ونيالا ومدني وعطبرة وبورتسودان أن تشحذ الشعب بشجاعة القطيع الكافية لينضموا لهم .فيقدر تطور آلة القمع والإستبداد يحتاج الثوار إلى حلول عبقرية يسقطون بها النظام .استلهاما لا تكرارا من بيعة الإخوان المسلمين في ميدان التحرير حين أقسم خمسمائة شاب على الثبات في وجه الشرطة المصرية فثبتوا لمدة يومين فانضم لهم الشعب وهزموا النظام في موقعة الجمل . وكما فعل أهالي المعتقلين في سجن أبوسليم وانضم لهم أهالي بنغازي .فأسقطوا القذافي . ولكن الدعوة للاعتصام أمس الأحد لم تخرج من سلوكيات القطيع فشدة الرعب والخوف التي تملكت النظام أفرادا ومؤسسات تؤكد حالة الضعف والانهيار الداخلي التي يعيشها النظام .وليس بعيد عن سلوكيات القطيع فهم لا يستطيعون نصرة بعضهم ضد مقصلة العزل والإقصاء وإلا لما عاش علي عثمان في عزلته ولما وجد قوش وود إبراهيم أنفسهم ضمن فئة المعاشيين ولما وجد أسامة عبدالله نفسه ضمن المنسيين ولما خزل غازي وغرر به فخرج معه القليل وهو كان يمني نفسه بخروج كبير وحزب كبير ولكن حركة الإصلاح الآن لم تكن غير واحدة من أحزاب الفكة كما اصطلح عليه . إعلان العصيان المدني جعل القطيع يهرب إلى الأمام فكل واحد بأعلى صوته وكتب على حائطه ضد الاعتصام ودبجت الإتحادات والنقابات موقفها بالبيانات الرافضة للعصيان ،وخلعة الإسقاط أيقظت في شعرائهم ربة الشعر التي ماتت فيهم لعقد من الزمان . وحضر الموظفون باكرا قبل الدوام و ما دروا انه الإعتصام الفعلي بأن تحضر الى مؤسستك و تجلس في مكتبك ورفض أداء مهمتك وهذا ما نجح فيه الاعتصام بغير قصد منظميه . حين جلس الموظفون يتصيدون الأخبار و يتابعونها من الوسائط في حين عزوف المواطنين عن الذهاب للمصالح لقضاء معاملاتهم وهذا ما يفسر خلو شوارع الخرطوم من المارة ، في حين أخطأ الداعين له حين يطلبون منهم الجلوس في منازلهم وعدم الحضور وهذا الإضراب . بالمقابل فشل الاعتصام لأن الدعوة كانت لإضراب وليس عصيان ولم تتوفر القيادة المعلومة والموثوق بها لإدارة العصيان ومتابعة تطوراته وهذا هو التحدي الذي يواجه دعاة التغيير فالثقة مزعزعة في القيادات الحالية متهمة بالتواطؤ بل الهروب كما فعل الحزب الشيوعي ببيانه عدم الخروج للتظاهر نيابة عن الشعب، ومحيدة كما هو موقف الشعبي بالحوار. على السودانيين في المهجر وهم أكثر الفئات من الشعب ليس لديها ما تخسره بل وحملة الجنسيات الأجنبية توفر لهم دولهم حماية معقولة من بطش النظام .أن يفكروا في حل عبقري بعيدا عن سلوكيات القطيع يقوم على الإيمان العيني بحتمية التغيير والاستعداد للتضحية والتنوير العام وصدق المعلومة وقيادة واعية وصبورة حت نوفر إرادة للتغيير ويشحذ الشعب بشجاعة القطيع وبعدها لن يمكث النظام لأكثر من أسبوع. . اسماعيل فرج الله 28نوفمبر2016 [email protected]