في المقال السابق كتبنا عن اخطاء نظام الإنقاذ الذي يحكم السودان لأكثر من سبعة وعشرين سنة . نكتب هنا عن أخطاء المعارضة اخطائها ايضا . ربما تساءل البعض عن وجود اخطاء للمعارضة وهي بعيدة عن الحكم . أخطاء النظام بسبب استحوازه على وكراسي الحكم مؤسسات الدولة واجهزتها ومواردها إعلامها.لكن للمعارضة اخطائها العديدة وهي قسمين قبل وصول الإنقاذ للحكم و بعد إنقلاب 30يونيو1989 . في فترات الحكم الديمقراطي لم تؤسس لمشروعات ضخمة تحسب لها. شغلتها الأزمات المفتعلة من المتربصين بالديمقراطية. لم تقدم قادة جرئيون . ينفعل معهم الجماهير و تخرج الشارع للدفاع عنهم بأرواحها و بإيديهاوأصواتها أو . المعارضة جاءت للحكم في ابريل 88 وهي اسيرة شعارات وادبيات اكتوبر 1964 . أي انها لم تطور خبرتها في ثورة اكتوبر ودراسة اسباب إخفاقاتها لتجنب وقوع انقلاب عسكري كما حدث في مايو1969. وللتاريخ فإن بعض العقلاء حذروا من مصير اكتوبر ونبهوا إلى ضرورةحماية مكتسبات الديمقراطية لكناصواتهم حجبها ضجيج اذوي الأغراض المستغلين لغفلة التقليدين . هؤلاء اعدوا المسرح وهيأوا الجماهير لحكم عسكري بتضيم اخطاء الديمقراطية و دغدغة مشاعر الجماهير بالأحلام عن القوة والرفاهية والنتيجة ماثلة الآن للعيان. لم تستطيع المعارضة بناء الكتلة (كورcore) . تأسيس كيان قومي يشكل ضمان لردع العسكريين المغامرين والسياسين قليلي الصبر والمكايدين. كتلة من العقلاء لا تتأثر بمجئ الحكومات أو ذهاب الأشخاص. ممثلة من مختلف قطاعات السودانيين. تقودها نخبة تحرس ثوابت الأمة التي يقوم عليها بناء الدولة السودانية وبنيانها الأساسي كالديمقراطية ونزاهة القضاء والوطنية وغيرها. لم تستطع القوى السياسية الديمقراطية ايجاد طريقة ما لإيقاف العسكر المغامرين. للمعارضة تجربة غير مكتملة في ميثاق الدفاع عن الديمقراطية. والفكرة رائعة وتنفيذها كان رائع لكن رعايتها ومتابعتها وحمايتها كلها كانت فاشلة. هذا خطأ آخر للمعارضة حيث وقعت كل القوى السياسية إلا حزب الجبهة القومية الإسلامية. كان هذا انذار مبكر وصريح. لكن القوى السياسة تغافلت عنه. النتيجة انقضاض الجبهة على الحكم بعد سنتين أو ثلاثة بإنقلاب ادخل السودان في نفق مظلم منذ يونيو 1989 ومنذ ان استولى الإسلاميون على الحكم في السودان وقعت من المظالم ما لا يعلم به إلا الله. الحركة الشعبية عند سقوط ثورة مايو في ابريل 1985 لم ترسل الحركة الشعبية ممثليها وتجلس لتشارك القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات القومية التخطيط للقادم بعد الإنتفاضة . اعتبرت الحركة الشعبية ان الحكومة الانتقالية مايو تو الثانية.ورغم مكر الاخوان المسسلمون إلا ان انضمام الحركة الشعبية بما لها من ثقل كان كفيل بترجيح كفة الديمقراطية واستدامتها. أو على الأقل التقليل من اطماعم وكبح جماح طموحاتهم المتهورة. ما عانى منه السودانيون ولا يزالون هو حلم قديم اناني لقادة الجبهة الإسلامين تشكلت ملامحه آنذاك. ومن اخطاء حزب الأمة التلكوء في الإنضمام لاتفاقية الميرغني قرنق 1988 ومنحها قوة دفع الحزب الأكبر . عندما وافق حزب الأمة بعد ضياع أشهر عديدة في التعديلات والإضافات .كان الوقت قد تسرب لصالح الجبهة الإسلامية التي أعدت كوادرها لإنقلاب . ومنذ ان استولى الإسلاميون على الحكم في السودان وقعت من المظالم ما لا يعلم به إلا الله. لم تغتنم السوانح المعارضة عقب المفاصلة وعقب الإنفصال وعقب خروج منشقين من الحزب الحاكم ومن التغيرات السياسية التي اجتاحت الشرق الأوسط. ولم تستثمر ان رجالات الحزب الحاكم مطلوبون ومحاصرون من الخارج المجتمع الدولي. لم تقنع العديد من الدول والمنظمات بمساندتها رغم عدالة قضيتها. كما لم تستفد من العزلة التي ضربت على النظام سنين طويلة .ولم تستغل العداوات التي افتعلتها الإنقاذ مع اشقائها العرب وجيرانها الأفارقة. فقد ظل النظام معزولا سنوات طويلة. استفادت المعرضة من ذلك في تكوين التجمع الوطني الديمقراطي .كيان جامع ضم القوى الساسية المعارضة بمافي ذلك الحركة الشعبيه ثم انتقل إلى ارتريا وحقق انجاز عظيم وهو مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية1995 و توصل لكثير من الحلول لقضايا السودان ولكن . يعود ذلك جزئيا إلى ضعف إعلامها وقلة تحركاتها وعدم تفعيل كوادر مبادرة و جريئة تقتحم دهاليزالحكم في الدول المؤثرة وتتواصل مع المنظمات ذات الثقل . المجتمع الدولى لا يساعد جهة ما لمجرد ان لديها قضية عادلة. يجب أن تمتلك هذه الجهة أو الحزب أو الحركة رؤية واضحة المعالم يمكن تنفيذها وأن تعمل بكل طاقتها من أجل ما تؤمن به وأن ينتج ذلك مركز مستقبلي يمكن الإعتماد عليه. لم تستفيد من خبرات خصمها الذكي الذي استفاد من اطروحاتها في تأمين بقائه فترة اطول مما كان متوقع. لم تتواصل مع المنضوين تحت النظام الذين لهم رؤى مختلفة . وقد فعل النظام العجائب واستطاع شق صفوف المعارضة . وصل عدد الأحزاب إلى اضعاف عددها الحقيقي .انشأ احزاب بنفس مسميات المعارضة واحيانا بأسماء مشابهة لقادتها لتضليل الرأي العام الداخلي والخارجي. قام بتسجيل من رأي انهم يشبهونه واقرب إلي افكاره في فريقه وهزم بهم المعارضة في عدة جولات. ايضا لم تبحث عن أندادا كوادر خصمها و نظائرهم الذين زاملوهم في فترات الدراسة. هؤلاء كان يمكن ان يقدموا لها الكثير من المعلومات المفيدة لفهم طريقة تفكير منظري النظام وطبيعة تدبير المتنفذين. عكسها تماما استفادت الإنقاذ كثيرامن كوادرها وخبراتهم ومعلوماتهم عن معارضيهم. كما ان طريقة حكمهم لم تحتلف في كثير من أوجهها عن طريقتهم في ادارة تنظيماتهم في الجامعات وغيرها. اعطى ذلك مؤشرات واضحة لقراءة خطوات خصمها القادمة. كان ذلك سيساعد المعارضة في توقع تحركاتهم وانتظارهم في احد المحطات القادمة والوصول معهم إلي حلول ترضي الجميع. لم تطور نفسها لتقنع الكثير من السودانين بالإنخراط في صفوفها لإسقاط النظالم. ولولم تساعدها ثورة الإتصالات في جذب الشباب لتقلصت المعارضة رغم نبل اهدافها. الشعب السوداني يعاني من ضائقة معيشية حادة بينما يتداول قصص فساد المتنفذين والموالين ومع ذلك لم ينخرط الكثيرون في صفوف المعارضة. هذا وحده يحتاج للكثير من التفكير. لم تستفد من الحركة الشعبية لتحريرالسودان عندما كانت الند الأول للإنقاذ. كانت حركة عسكرية سياسية ذات قبول دولي وإمكانات هائلة وخبرة عالية. لم تضع معها اتفاقات صلبة وتبني معها مواقف ثابتة وشراكات استراتيجية مستقبلية. تضع المعارضة الكثير من الثقة في غير محلها وتتحمل تبعات ذلك. الحركة الشعبية خذلتها اكثر من مرة. دخلت عدة مرات في مفاوضات ثنائية مع الحزب الحاكم ووقعت معه اتفاقية نيفاشا وتعاونت معه عقب الإنفصال ولا تزال. فعلت امريكا والمجتمع الدولي نحو ذلك عدة مرات. كما لم تستفد من الحركات المسلحة في دارفور والشرق والجنوب وحتى انتفاضات الشمال بسبب بناء السدود والتهجير القسري كسد مروي والمناصير وآخرين وكجبار النوبيون . وقعت المعارضة اسيرة إعلام الإنقاذ وتصريحات مسسوبيه. ومسليه. واحيانا منسوبيه. في حين تطلب الإنقاذ الأمو ال من أصدقائها وغير اصدقائها ومن المنظمات الدولية ومن البنوك الربوية تهاجم المعارضة التي تتخوف بنا على ذلك من أخذ اى دعم يساعدها في قضيتها العادلة. ينعتها إعلام النظام بالخيانة والعمالة والطابور الخامس. والنظام يأخذ الأموال من اي مكان يريد. يحلل لنفسه ويحرم عليها. بينما يغدق النظام على مواليه من خزينة الدولة التي يملأها من عرق المتعبين وجبايات الكادحين. أو يراكمها ديون على ابناء الشعب السوداني. المعارضة تنادي بحكم الشعب للشعب ديمقراطية يشارك فيها حتى الإنقلابيون انفسهم. بينما الإنقاذ استولت على الحكم بليل بقوة السلاح. من اخطأ المعارضة ايضا انها استبعدت فكرة الدخول إلى النظام ودراسته وتقويضه أوتفكيكه أو على الاقل إضعافه من الداخل. لم تدخل بالباب وتملأ الأماكن التي شغرت عند المفاصلة وعقب الإنفصال بل تحصنت بأطروحات مثالية وانتظرت ما يرشح من النظام . انتظرت ما يرشح من معلومات من الغاضبين والمتظلمين من صغر نصيبهم من كيكة السلطة بسبب المحاباة أو صراع الأجنحة . ولكن الكثير مما يرشح تدسه لهم اجهزة النظام الماكرة لتقرأ ردود أفعالهم وتبني عليها ما يطيل بقاء النظام.تقع في فخاخ النظام جعلها ذلك في كثير من المواقف دفاعية اكثر منها مهاجمة .الديمقراطية اوصلت ا الإسلاميين في ماليزياوتركيا إلى كراسي السلطةويشارك اخوانهم في الأردن وتونس وقطر والكويت والبحرين في برلمات بلادهم. ومن الأخطاء المعارضة رفع سقوف مثالية بينما هي ليست على قلب رجل واحد. لكن المعارضة رغم ذلك تستحق التحية والتقدير. يكونها احتملت كل قمع النظام وكل تشفي جلاديه. ولم تتزحزح عن قضيتها. طونها قدمت القالي والنفيس من اجل ما تؤمن به. وكونها ثبتت على الحق. وكونها تناست مراراتها واسرعت ولبت نداء الواجب اكثر من مرة رغم شراسة النظام .جلست للحوار عدة مرات رغم مراوغات النظام . الحزب الحاكم يدعو للحوار حين يكون في اضعف حالته وحين يخشى السقوط. وماأن يستجمع اطرافه حتى ينقلب على عقبيه وكأن دعوته للحوار بالون إختبار أو صورة جماعية مع المعارضة بغرض القبول الدولي وفك الحصار. يحفظ للمعارضة سلميتها وعقلانيتها. فهي تصبر على الحوار والمطالبة السلمية في وقت يسرع فيه النظام لمفاوضة حاملي السلاح متجاهلا حاملي السلام .حقنت الدماء حين رأت قسوة اجهزة النظام في قمع هبة سبتمر 2013. وتواصل النضال بإقتطاع نسبة من قوتها وقوت اسرها.وتصبر على الأذى والتشهير وتسفيه الأفكار ممن يجهلون ومن الماكرين. حافظت على الأعراف السودانية فلم تفجر في الخصومة كما فعل خصمها. وانتهجت مظاهرات سلمية وعصيان مدني ولم تخرب ممتلكات الشعب. (راجع مقالنا ايها الشرفاء احمدوا الله انكم لستم في السلطة الراكوبة 17 اكتوبر 2016) ما لا يفكر فيه المتنفذون هو ان السلطة ضل ضحى.سرعان ما يزول ويتركمهم تحت شمس العواقب الحارقة. يذكر التاريخ اصحاب العطاء للآخرين. ويشجب الأنانيين. يحفظ السودانيون العديد من المواقف المشرفة لعسكر نوفمبر(عبود) (8سنوات) وعسكر مايو (نميري 16) . ترى ماذا سيحفظ التاريخ لعسكر يونيو الذين حكمو اكثر من فترتي نوفمبر ومايو مجمعتين ؟ ..حكمت الإنقاذ سبعة وعشرين عاما ولا يزال العد مستمر. [email protected]