(بمناسبة 19 سبتمبر) يقول لكم عبد الرحمن الراشد في "الشرق الأوسط" أن تكلفة الثورة واقتلاع هؤلاء الحكام بلغت (نصف تريليون دولار) وغيره من الكُتّاب يقولون لك هذا بشكل مختلف ، ويحسبون لك التكلفة الأمنية للثورة على نُظم ظلت لأكثر من عقد تجسم على صدورهم ، تتسلط عليهم مستقوية بأجهزتها الأمنية القمعية وجيوشها التي لا تتقن شيئاً ولا تستبين لها قوة إلا في مواجهة شعوبها العزلاء إلا من هتافاتها. لماذا يروجون ذلك؟ إنهم يريدون تخذيلكم.. يقولون لكم : إياكم والثورة على الأنظمة القائمة أرضوا بها وبظلمها وفسادها وقمعها ..لئلا يلحق بكم ما لحق بسوريا والعراق وليبيا واليمن وأنتم ترون ما آلت إليه أوطانهم التي يتصدر الموت الأخبار فيها. ولكن أسلوا أنفسكم سؤالاً بسيطاً : لماذا صار هذا بأوطانهم ؟ ألم يثوروا من أجل حياة أفضل؟ هذه الدول تحديداً كانت من أكثر الدول العربية استقراراً ..والحياة المعيشية فيها هي الأرخص ..ورغم هذا ثارت شعوبها لأنها كانت تفتقر إلى الحرية إنه مطلب واحد فقط هل تذكرون ثورة أكتوبر 64 في السودان؟ لم نكن وقتها في ضائقة معيشية بل كان عمال طريق الخرطوم / مدني يشربون البيرة حين يظمؤون وكأنهم في برلين، لقد أدخل عبود التلفزيون وأقام النوافير والحدائق العامة بعد أن فرغ من تشييد مصانع السكر والكناف والنسيج وغيرها، ورغم هذا ثار الشعب المُرفه عليه، لأن المعادلة كانت تفتقر إلى الحرية. ثار الشعب يومها طلباً للحرية .. لأن كرامة الإنسان لا تُختزل في الخبز والمأكل والمشرب والفرجين وإلا ما الفرق بين الإنسان والحيوان؟!. حسناً. ما الذي جعل العراقيون والسوريون والليبيون والمصاروة وغيرهم للثورة على حكامهم ؟ إنه نفس المطلب : الحرية والكرامة. الآن – كما ترون – تعيث الفوضى في هذه البلدان .. جيوش ومليشيات من مختلف الجنسيات تتقاتل ولا تعرف، ولا يعرف أحد من أين جاؤوا ولماذا يتقاتلون بكل هذه الضراوة ، ومن الذي يمولهم بكل هذه الإمكانيات. لماذا ؟. تسأل وأنت تأسى على الاستقرار والرفاه الذي كانت تعيشه هذه الشعوب. الاستقرار؟ لم يكن هناك ثنمة استقرار ولكن كان ثمة هدوء وصمت تفرضه القبضة الأمنية كان ثمة غليان يفور ويغلي في الأقليات اتي فُرض عليها الصمت بوحشية الدولة كان ثمة مظالم وانتهاكات واحتقار لحقوق مواطنين لأنهم مختلفون عرقيا ودينيا وقبليا وطائفياً. كانوا يغلون في الداخل ويستشعرون القهر ولكنهم لا يستطيعون التعبير. لم يكن هذا استقرارا بأية حال من الأحوال. كانت الدولة تجلس صامتة على برميل بارود في انتظار عود ثقاب ..لتنفجر!. وكان قادتها هم من وضع برميل البارود تحت عروشهم وتحت كيان الدولة حين ظنظا أن إسكات صوت المظلومين كفيل وحده بنفي الظلم ومحوه وكأنه لم يكن (ويا للغباء). اعتمدوا على القمع والاستبداد كآلية ناجعة وكانوا في غاية الغباء. ما الذي حدث بعدها ؟ ضعفت الدولة عند أول هبة ..فتضعضعت أركانها ..وفقدوا السيطرة على جيوشهم وأجهزتهم الأمنية ..فسادت الفوضى!. وأين المشكلة؟ ما سيأتي هو الدرس الذي ينبغي استخلاصه من ثورات الربيع العربي. 1/ كان هناك شيعة وأكراد وعلويين ويزيديين وأقباط ولا دينيون..الخ يعانون من اضطهاد وقبضة وبطش الأنظمة في تلك الدول .. ولا يستطيعون التعبير عن أحوالهم عبر الأجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية للدولة التي يُفترض انتماؤهم إليها)، كانت الدولة تنفيهم ولا تعترف بهم وتقصيهم فبأي منطق ننتظر منهم الانتماء إليها والحرص على استقرارها؟!!. لذا ما أن تضعضعت أركان قوة الدولة (جيشها، مؤسساتها الأمنية، شرطييها) حتى خرج عليها هؤلاء لنسفها من اساسها وإزالتها من الوجود. (ما الذي يريدونه منها؟) هذا ما حدث ويحدث دائما في سياق زوال الدول إذن لم يكن زوال هذه الدول وما سادها من فوضى وحروب أهلية مزقتها، بفعل قوى خارجية شيطانية ما .. وإنما هو حصاد ما ظلت تزرعه هذه الأنظمة وتتعهده برعايتها من سياسات اجتماعية واقتصادية وثقافية تكرس الظلم والاضطهاد والفساد. 2/ ما حدث هو أن القوى المُضهدة ركبت موجة الثورة وكانت تحركها الرغبة في الانتقام من النظام والقوى الاجتماعية المستفيدة منه، وهكذا لجأ شيعة العراق إلى ايران وهذا ما فعله بشار وما فعله حوثيو اليمن .. وما فعله الجنوبيون في السودان بانحياز سلفا كير الأفريقي وما سيفعله الدارفيويون بخيار الانفصال!!. فأي مصير هذا؟!. (3) الآن وأنتم تتأهبون لاقتلاع هذه الطغمة الفاسدة التي لا تشبهكم في أي شئ يجب أن تضعوا في اعتباركم الآتي: - لا أحداً غيركم يملك قراركم ..فأنتم من تقررون - أنتم لا تحتاجون لأي قوة خارجية تقرر عنكم أو أن تنفذ إراداتكم وما تريدون - هؤلاء الناس ومن شايعتهم ينتمون إلى فضاء آخر .. وهو ليس فضاءكم بأي حال من الأحوال..أنتم سودانيون عظما ولحما .. وهؤلاء ليسوا منكم .. - من خاننا ليس منا .. من اغتصب بناتنا ليس منا .. من عذب رجالنا وانتهك رجولتهم ليس منا .. ومن سرقنا ليس منا لن نظلم أحداً .. ولكن (الله) إسمه المنتقم وسوف ننتقم .. [email protected]